1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة اورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة تذكار القديس ثاودوسيوس 2015-1-24

“ان سابق المسيح فرع اليصابات ابنة هارون قد جاء الى البرية, اما ثاودوسيوس فانه بعد ان اعتمد بالروح القدس في جرن المعمودية تبع المسيح, فتوطن البرية.” هكذا يصرح مرنم الكنيسة
ايها الاخوة الاحباء, ايها المؤمنون, والزوار الحسنيو العبادة,
لقد بدا اوان ظهور الاله, فان المسيح ظهر لنا في نهر الاردن, فنال العماد من يوحنا السابق, الذي قدم من قلب الصحراء.

الا ان فرحنا الروحي يزداد رونقا وجمالا في هذا اليوم الاغر, يوم تذكار البار ثاودوسيوس الذي ولد بالروح القدس من خلال عماده بالمسيح: (انتم الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم).
لهذا, اتينا والغبطة الروحية تملء قلوبنا, لنشاهد مقام نسكه الموقر, لكي نولد ثانية من خلال مشاركتنا بسر الافخارستية المقدس, اي تناول جسد ودم الهنا ومخلصنا يسوع المسيح.
ان البار ثاودوسيوس الذي نكرمه اليوم, لما سمع نداء المسيح الخلاصي: “تعالوا الى يا جميع المتعبين والثقيلي الاحمال, وانا اريحكم” (متى 11:28). لم يتردد بالمرة, بل اطاع بمحبة ووقار, مصغيا لهذا الصوت الالهي؛ فترك مكان سكناه في مدينة موغارسيوس في كبادوكية, معتبرا نفسه الخروف الضال, فقدم الى مكان ميلاد وعماد ربنا يسوع المسيح.

هذا الخروف الضال (اي البار ثاودوسيوس) الذي هام ما بين الجبال والوديان – اي في صعاب الحياة وشعابها – لم يكن منسيا من الراعي الصالح ربنا يسوع المسيح الذي لما وجده, ادخله الى نعيم الملكوت, كما يقول المرنم: “لان المسيح اتى بالجسد يطلب الخروف الذي خطفه الوحش, فوجده واعاده الى الفردوس لفرط تحننه. لقد ظهر المسيح في الاردن وانار العالم”.
لقد حصل البار ثاودوسيوس على هذه الاستنارة, بالتواضع والصوم والسهر والصلاة, ساعيا الى الامام بثبات نحو الهدف, اي نحو المسيح الاله, ليماثل الطغمات الملائكية بالحرارة الروحية, هكذا تالقت منزلته ليصبح شعلة وضاءة في منارة الكنيسة.
نعم ايها الاخوة الاحباء
ان البار ثاودوسيوس, حقق نجاحا باهرا, في جهاداته الروحية بمعاضدة النعمة الالهية المستقرة فيه, فغذا مثل الملائكة في السمو والرفعة والعلياء, فصار كوكب المسكونة المشع, جراء سيطه اللامع, وقدومه للنساك بامتياز.
ان الفضائل التي تحلى بها البار ثاودوسيوس كثيرة وجليلة, فقد كان السبيل لتعزية الكسالى والمتوانين, والمعالج للمرضى والمتعبين, والمدافع والناصر للفقراء والايتام والمساكين, كما يقول مرنمه: “لقد غرست في ديار ربك, فاثمرت بفضائلك الجميلة البديعة, وقد كثرت اولادك بالبرية ترويهم بوابك دموعك, يا رئيس قطعان حظائر الله الالهية, فلذلك نصرخ اليك قىئلين: السلام عليك ايها الاب ثاودوسيوس”.
الا ان عظمة البار ثاودوسيوس, برزت من خلال تعاليميه للعقائد المستقيمة الراي, الارثوذكسية, فاصبح راعيا للخراف الناطقة, مرشدا للضالين عن طريق الايمان, والناقض لهرطقة الطبيعة الواحدة والارادة الواحدة, فهو بجدارة معلما عظيما للايمان الخلاصي الصحيح, الذي اعطي للكنيسة كوديعة من المجامع المسكونية المقدسة: “فاننا نتذكر تعاليمك يا ثاودوسيوس, فنكرز بالمسيح ذا جوهرين, ونعتقد بمشيئتين وطبيعتين وفعلين وسلطتين مستقلتين في الاله الذي اعتمد بالجسد”.
ان البار ثاودوسيوس حصل على الاستنارة الروحية من خلال مفاعيل الروح القدس, فكان يتبع بغاية الدقة تعاليم وارشادات ونصائح الرسول بولس الالهي: “لاني اعلم هذا: انه بعد ذهابي سيدخل بينكم ذئاب خاطفة لا تشفق على الرعية, منكم انتم سيقوم رجال يتكلمون بامور ملتوية ليجتذبوا التلاميذ وراءهم” (اعمال 20 : 29 – 30).
ان البار ثاودوسيوس داوم في حياته الروحية على السهر واليقظة المستمرة, فطبق حياة الاستنارة (التامل) الى عمل, والعمل الى حياة الاستنارة.
ان البار ثاودوسيوس يعتبر الوديعة الصالحة, فانه الكنز الصالح والثمين لتعاليم الانجيل التي اودعها الله للرسل والشهداء القديسين, والنساك, فها ان كنيستنا المقدسة, الكنيسة الارثوذكسية الاورشليمية لبطريركية الروم الارثوذكس, ومن ضمنها اخوية القبر المقدس, تحافظ عليها حفاظ مقلة العين من الاذى, “لا بل متيقنة بانه لا موت, ولا حياة, ولا ملائكة ولا رؤساء, ولا قوات, ولا امور حاضرة ولا مستقبلة … تقدر ان تفصلها عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا” (رومية 8 : 38 – 39).
ان حياة البار ثاودوسيوس المشابهه لحياة الملائكة, تتحلى بفضيلة الصلاح والتقوى, ” فليضيء نوركم قدام الناس, لكي يروا اعمال الحسنة ويمجدوا اباكم الذي في السموات” (متى 5 : 16). فهي لنا هبة من مواهب الله الاب السخية, وربنا يسوع المسيح الذي له كل اكرام وسجود, الذي ولد في مغارة بيت لحم واعتمد من السابق في نهر الاردن, الذي انار بصيرتنا لنسمع صوت الاب ونعاين الروح القدس بشبه حمامة, كما يقول المرنم: “حين ابصرناك ايها المسيح الاله ظاهرا بالجسد على منوال يمتنع وصفه, عرفنا اياك الغير المنظور وروحك القدوس هاتفا, باركوا الرب يا جميع اعمال الرب”.
ان البار ثاودوسيوس يحمل في كيانه فكر المسيح, الذي بذل دم العزيمة عن غيرة شهيدية, فاصبحت شهيدا عن حسن العبادة بالسر بدون اراقة دمك, اي الايمان الارثوذكسي النقي.
ان البار ثاودوسيوس يدعونا نحن الذين نوقره وعيده الكريم, لنصير شركاء في استشهادة غير الدموي من اجل اسم الهنا ومخلصنا يسوع المسيح الصالح ومحب البشر.
نتضرع بالحاح وغيرة متقدة, ومع المرنم نهتف ونقول: ” لا تنس الان رعيتك يا ثاودوسيوس الكلي الغبطة, بل نطلب اليك ان تخلصنا بشفاعاتك المستجابه عند الرب, الذي انار العالم, ليمنحنا والمسكونة السلام والرحمة العظمى”. امين
كل عام وانتم بخير
الداعي بالرب
البطريرك ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة اورشليم

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية