1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة الأحد الثاني من الفصح “أحد القديس الرسول توما ” في قرية كفركنا

“هلموا بنا نشربُ مشروباً جديداً ليسَ مُستخرجاً بآيةٍ باهرة من صخرةٍ صماء، لَكِنهُ يَنبوعُ عَدمِ الفساد بِفيضانِ المسيحِ مِنَ القبر،الذي به نَتَشدد.” هذا ما يُرنِم به مرنم الكنيسة.
أيها الإخوة المحبوبون المسيحيون
أيها الزوار المسيحيون الحسني العبادة،
اليوم هو الأحد الثاني من الفصح نُعيّد لتجديد قيامة المسيح،ولتفتيش القديس توما الرسول ولمسه لربنا وإلهنا يسوع المسيح. وإذ نحن فيهذا المكان الذي بدأ به الرب يسوع المسيح صنع العجائب أي في قانا الجليل هذا المكان المقدس حيثُ أظهر الرب مجده وآمن به تلاميذُهُ.(يو2 : 11)
وفي هذه الأيام الفصحية المقدسة نحن مدعوون عبر فم مرنم الكنيسة القديس يوحنا الدمشقي:”ان نَشربَ مشروباً جديداً مِنَ الذي فاض من قبر المسيح، ينبوع عدم الفساد”الذي من هذا المشروب قد شرب تلاميذ الرب يسوع و بينهم توما التوأم.

وربما يتساءل أحدٌ ما،ما هو هذا المشروب؟
إنّ هذا المشروب أيها الأحبة ما هو إلا مشروب ينبوع عدم الفساد،الذي لقيامة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح والذي من خلاله نتذوق مسبقاً ملكوت الله،كما يؤكد مرنم الكنيسة :”أيها المسيح المخلص. إنناأمس قد دُفِنَّا معك.فنقوم اليوم معك بقيامتك. أمس قد صُلِبنا معك. فأنت مجّدنا معك في ملكوتك.”
إن حَدثْ قيامةِ مخلصنا يسوع المسيح المثير الذي لا يقبل الجدل،هو ذلك بالضبط ما أكّدته بشارة الإنجيل من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى أكدّه المجد الذي أظهره المسيح من خلال صنعه للعجائب مبتدئاً من هذه المدينة التاريخية التي ورد ذكرها في الإنجيل ألا وهي قانا الجليل.
إن ظهور مَجدِ يسوع أو بكلمةٍ أخرى ظهورمَجدِ ملكوت الله، يعني انعتاق الإنسان وتحريره من قيود الموت والفساد أي موت الجسد الطبيعي،وموت النفس الروحي الذي بسبب الخطيئة.
إن البشر عموماً والذين لا يؤمنون خاصةً غير قادرين أن يفهموا ماذا يعني موت الفساد،ولا حتى أيضا موت المسيح الذي منح الحياة الابدية ووهبها للراقدين لذا ترتل كنيستنا الأرثوذكسية المقدسة بغير انقطاعٍ مع كل القوات “المسيح قام من بين الأموات وداس الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور”.
وربما يتساءل المرء لماذا لا يستطيعون هؤلاء البشر أن يدركوا هذا الحدث؟وذلك لأنّ الرب يسوع المسيح أجاب بيلاطس البنطي قائلاً:: “مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ”(يو18: 36 ).وأيضا كما يقول القديس بولس الرسول:لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلاً وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ.(رو14 :17 ).
لقد افتتحت قيامة مخلصنا يسوع المسيح ملكوت السماوات ، لذا فنحن مدعوون لكي نصير مشاركين لهذا الفرح،ولكن كيف يكون ذلك؟يكون ذلك حسب وصية الرب لنا: فَلاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ؟ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ؟ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟فَإِنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ. لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هذِه كُلِّهَا. لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ.(متى 6: 31-33 ).
إن تحديَّات و استفزازاتِ عالمنا المعاصر، هذا العالم ،الذي يقبع تحت تأثير سُلطانِ ظلمة هذا الدهر(أفسس 6: 12 )، لهي كثيرة ومُضلَّة وأقول هذا يا أخوتي لأنني أرى أن نبوءات القديس بولس الرسول تتحقق والتي يقول فيها:وَجَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ. وَلكِنَّ الأَشْرَارَ والْمُغْوُونَ مِنَ النَّاسَ فَيَزْدَادُونَ شَرّاً، مُضِلِّينَ وَضالِّينَ(2تيمو3 :12-13 ).
و بشكلٍ تحليلي أكثر نجد الأشرار يَضَطهِدون ويعَذِبون الأتقياء المؤمنين،بينما المُخادعون الأشرار سَيَزدَادُونَ بما هو أسوأَ و أردأَ وسوف يُضلّون الناس وسَيَضلّونَ هم أنفسهم.
إن عيد الفصح المتسربل بالضياء،الذي نُعيّد به مُحتفلين بابتهاجٍ لبزوغِ النور الأزلي الذي أشرق من القبر جسدياً ، حيث يشكل (عيد الفصح) الضمانه الوحيدة للمحافظة على هويتنا المسيحية وصيانتها، وذلك بحسب وصية مخلصنا يسوع المسيح لنا : وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ. آمِينَ.(متى 28: 20 ).
ويشرح القديس كيرلس الاسكندري مفسراً قول الرب هذا: وإن غاب عنا (المسيح) بالجسد فهو حاضرٌ عند الآب لأجلنا ويحل في المستحقين بوساطة الروح ويكون دائما مع القديسين(المُعمَّدين).
و بكلامٍ آخر أيها الأحباء إن المسيح الناهض والكنيسة التي هي جسده يشكلان مرسى لرجائنا نحن، المؤمنين، وهذا يقوله مرنم الكنيسة : “يا ما أشرف يا ما أحب يا ما ألذ نغمتك أيها المسيح لأنك قد وعدتنا وعداً صادقاً بأنك تكون معنا إلى نجاز الدهرالتي نحن المؤمنين نعتصم بها مرسى لرجائنا فنبتهج متهللين”.
إنّ الفرحَ والتهليل بالروح القدس الذي وهبنا إياهُ المسيح إلهنا الناهض من بين الأموات هو ذاته الذي يعادل الفرح الذي كان عند حضور المسيح للعرس في قانا الجليل أي في هذا المكان المقدس والمبارك وهو أيضاً يعادل الفرح الذي صار للتلميذ والرسول توما عند ملامسته جنب الرب الطاهر.
وختاماً أشكر ربنا وإلهنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات والذي تجسد من والدة الإله العذراء مريم ومع المرنم نهتف قائلين :”أيُها المسيح في نَهارِكَ الكلي الضياء الفائق اللمعان بنور النعمة الذي به حضرت في وسط تلاميذك بِحُسنِ الجمال بالتسابيح لك نعظم.”
المسيحُ قام.

مكتب السكرتاريةالعام – بطريركية الروم الأرثوذكسية