1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة أحد السامرية في مدينة نابلس

إن السامريةَ الذائعة الصيت أتت مقبلة بإيمانٍ إلى البئر فشاهدتكَ يا ماءَ الحكمة،(المسيح)، التي لما سُقِيَت منك بغزارةٍ وَرثت الملكوت العلوي أبدياً.هذا ما يرنمه مرنم الكنيسة .
أيها الأخوة المحبوبون بالرب يسوع المسيح:
أيها المسيحيون الزوار الأتقياء:

اليوم هو الأحدُ الخامس من الفصح، نُعيّد فيهِ للمرأةِ السامرية في هذا المكان المقدس ، حيثُ وطئت قدما إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح عند البئر التي لرئيسِ الآباءِ يعقوب وشاهد الشهيدة والمعادلة للرسل القديسة فوتيني السامرية وقابَلَها.
وخلال لقاءِ المسيح مع المرأةِ السامرية وحديثهِ معها عندَ بئرِ يعقوب اكتشفت المرأة السامرية بأنه هو ماء الحياة الأبدية: أجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهاَ:«كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًاوَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ) .انجيل يوحنا:4 : 13-14)

وبحسب القديس كيرلس الاسكندري: “فإنّ المُخلصَ يدعو نعمةَ الروحِ القدسِ ماءً تنبُع من داخل المساهمين والمشتركينَ فيها ويمنح (الروح القدس) موهبة التعليم الإلهي. وبكلامٍ آخر، فإن من يُصبحُ مشاركاً ومساهماً في نبعِ ماءِ المسيح أي نعمة الروح القدس، يأخذُ التعاليم الإلهية أي حكمة الله، لهذا يقول ناظم التسابيح:”أتت مقبلة بإيمان إلى البئر فشاهدتك يا ماء الحكمة أيها المسيح”.
وهذا هوما قصده قديماً النبي اشعياء قائلاً: فَتَسْتَقُونَ مِيَاهًا بِفَرَحٍ مِنْ يَنَابِيعِ الْخَلاَصِ.(اشعياء 12: 3)
وبحسب القديس كيرلس فإنّ النبي اشعياء قد دعا كلمة الله ،الصانع الحياة ، بالماء والينابيع هم القديسون الرسل والإنجيليون والأنبياءو الخلاص هو المسيح.
وعليه فإنّ الرب يسوع المسيح قد أعلن للمرأةِ للسامرية بأنّ الله روح، قائلاً:”وَلكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ.اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا”(يوحنا 4: 23-24)
وهذا يعني بحسب القديس كيرلس: “أنّ الله بعدلٍ يقبل الساجد الروحانيّ، وليس مَن بالشكل والمظهر يلبس هيئة حُسن العبادة يهودياً أو كاليهود، بل من يَلمعُ باكتساب الفضيلة إنجيلياً، مَنْ يكمِّل السجود الحقيقي فعلاً باستقامة العقائد الإلهية”.
وهذا يعني أن الله يقبلُ المؤمن في ملء الشركةِ معهُ بالمسيح والذي يعبده جاعلاً كلَّ ذهنهِ ورغبات نفسه المتّقدة متوجهةً لعبادة الله بالروح والحق.ونعني هنا بالذهن مَنْ يحافظ على الحقيقة أي على الإيمان المستقيم بكل قوته وبكل طاقاته وإرادته ومشاعر قلبه تكونُ مكرسةٍ بقوة لعمل معرفة الله الضابط الكل والسكنى فيه والاقتراب منه بخشوعٍ.
وعليه فإنّ لدينا أمثلةً كثيرة للتشبه بهم، وهم أصدقاء المسيح قديسو محبة المسيح وشهداؤها، ومِن بينهم مَن نعيد لهما اليوم المرأة السامرية (القديسة فوتيني) وهنا أيضاً القديس الجديد الشهيد في الكهنة القديس فيلومينوس الذي من أخوية القبر المقدس. هذان القديسان هما من أصدقاء المسيح، همااللذان عبدا الله وأرضياه بكل احترام وتقوى ووقار.
و كما يقول الرسول بولس:” لِذلِكَ وَنَحْنُ قَابِلُونَ مَلَكُوتًا لاَ يَتَزَعْزَعُ لِيَكُنْ عِنْدَنَا شُكْرٌ بِهِ نَخْدِمُ اللهَ خِدْمَةً مَرْضِيَّةً، بِخُشُوعٍ وَتَقْوَى.لأَنَّ إِلهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ(عبرانيين 12 :28-29) ، فلذلك يتوجبُ علينا أيها الإخوة الأحباء، أن نعبدَ الله بخوفٍ وتقوى ووقار لأن الله نارٌ تحرقُ وتبيدُ كلَ طغيانٍ وكفرٍ وجحودٍ، عاملينَ بقول الرسول بولس :” فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّة. (رومية 12: 1)
إذ إنّ هذه هي الذبيحةُ الموقرة الطاهرة والعبادةُ الروحية التي تصيرُ بقدرات الإنسان العقلية،يقول مرنم الكنيسة:”لتفرح السموات ويرتكض ما على الأرض لأنّ المسيح قد ظهر إنساناً من البتول وأنقذ كل الجنس البشري من الفساد بموته الطوعي وأشرق بالعجائب وطلب ماء من امرأة سامرية واهباً إياها ينابيع الأشفية بما أنه عديم أن يكون مائتاً “.
إنّ هذا الفرح والابتهاج أي سرّ التدبير الإلهي الذي هو أقصى درجات محبة الله للجنس البشري قد ظهرت لنا نحن البشر بتجسد الإله الكلمة وآلامِ صليبهِ وموتهِ المحيي وقيامتهِ من بين الأموات، فلذلك نحنُ مدعوونَ بأن نكونَ مشاركين في المياه التي شَرِبت منها القديسة السامرية أن نَشربَ منها نَحنُ أيضاً. هذا الماء هو ماء الحياة الذي من مخلصنا يسوع المسيح.
إنّ هذا الماء،أيّها الإخوة الأحباء،دائماً متواجدٌ وحاضرٌ لمن يرغبون له بشوقٍ وصدقٍ، إذ أن كنيستنا المقدسة التي هي حياة وجسد المسيح المنظور في هذا العالم،وهي النبعُ الذي لا يَفرُغ منهُ المشروب الروحي وهذا المشروب الإلهي ليس هو إلا الاشتراك في جسد ربنا وإلهنا القائم يسوع المسيح ودمه.
نتضرعُ إلى ربنا وإلهنا لكي بشفاعات القديسةِ العظيمة في الشهداء والمعادلة الرسل القديسة فوتيني السامرية أن يُؤهلنا للعودةِ للتوبة من كلِ قلوبنا بإيمانٍ حارٍ هاتفين على الدوام،اذكرنا يا مُخلص في ملكوتك .
المسيح قام ……. حقاً قام

مكتب السكرتاريةالعام – بطريركية الروم الأرثوذكسية