1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث في المملكة الأردنية الهاشمية

وَلِهذَا عَيْنِهِ ¬وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ ¬قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي الْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً، وَفِي الْمَعْرِفَةِ تَعَفُّفًا، وَفِي التَّعَفُّفِ صَبْرًا، وَفِي الصَّبْرِ تَقْوَى، وَفِي التَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي الْمَوَدَّةِ الأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً. لأَنَّ هذِهِ إِذَا كَانَتْ فِيكُمْ وَكَثُرَتْ، تُصَيِّرُكُمْ لاَ مُتَكَاسِلِينَ وَلاَ غَيْرَ مُثْمِرِينَ لِمَعْرِفَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ.” رسالة بطرس الثانية 1: 5-8 هذا ما يقوله بطرس الرسول الى المسيحين
أيّها الإخوة المحبوبون بالمسيح والعاملون في حقل إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي صعد عنا بمجدٍ الى السماوات وجلس عن يمين الله الآب ” لتكثر لكم النعمةُ والسلام” رسالة بطرس الأولى(1: 2)
إنّ ما جمعنا اليوم ههنا في هذا المكان المقدس هو نعمةُ وسلام ربنا لكي بعزمٍ واتفاقٍ ومحبةٍ نُقِرُّ بالمسيح المصلوب والقائم من بين الأموات والصاعدُ إلى السماوات وأيضاً لكي نبيّن لبعضنا البعض المشاركة في كل شيء. (2كورنثوس 9: 13)

لقد مرّت عشرُ سنواتٍ على جلوسنا على عرش الشهيد القديس يعقوب أخي الرب ولغاية الآن نجد أن خبرتنا وتجربتنا الأبوية البطريركية تؤكد أنّ رسالة كنيسة أوروشليم أم الكنائس هي رسالةُ شهادة ليس فقط شهادة دمٍ بل هي أيضاً شهادة الضمير وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم “إن التمرن والتمرس على التقوى هي شهادةٌ”، وبحسب القديس بولس الرسول الذي يُبينُ لنا أيضاً أين تكمن نعمة الله” إنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ. فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيح. لِذلِكَ أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ وَالاضْطِهَادَاتِ وَالضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ. (كورنثوس 12: 9-10)
إنّ أقوال القديس بولس الرسول لا تخصُ أو توجّه فقط لراعي الكنيسةِ الروحيّ بل أيضاً وبشكلٍ عام للعاملين والمشاركين في الخدمة من الشمامسة الخدام والآباء أي الكهنة الأتقياء “الذين لهم سر الإيمان في ضمير طاهر”.(1تيموثاوس 3: 9) هؤلاء الذين بجّد واهتمام يتابعون عمل الكنيسة الرعويّ.
و”لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ”( 1بطرس 5: 8)
فإنّ إدراكنا العميق لرسالتنا الرعائية نحن الإكليروس والشعب سيشكّل سداً منيعاً أمام تحطيم وحدة الروح القدس وتقسيمها أي روح المسيح التي تملؤنا نحن المسيحين الموجودين في الحدود الروحية المختصة ببطريركيتنا الأروشليمية العريقة.
وفي سياق رفض التقسيم هذا يقول القديس بولس الرسول :
فَاضَتْ نِعْمَةُ رَبِّنَا جِدًّا مَعَ الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.
صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول: إنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا.(1تيموثاوس 1: 14-15)
أيّها الأبناء المحبوبون بالرب وإخوتي بالمسيح،نحن كلنا شاهدين لظروف معيشتنا وأحوالها وطريقة حياتنا وما رافقها من اضطهاد ونفي دون تمييز للناس الأبرياء والمسيحيين في هذا العالم أجمع وعلى الأخص في منطقتنا في الشرق الأوسط والأدنى.إنّ هذا الاضطهاد والنفي للأبرياء ومنهم المسيحيّون ارتكبته جماعات غير تابعة لديانات مُوحدِّة بالله ولكنّهم جماعات عابدو الشياطين الذي بحسب القديس يوحنا الإنجيلي :”سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً (مجداً) للهِ”.(يوحنا 16: 2)
إن أقوال ربنا النبوية قد رسمت بوضوح وبنظرةٍ للآخرة (اسخاتولوجية) لما في هذا العالم أي التاريخ البشريّ عندما عمل سرّ التدبير الإلهيّ العظيم وتمّم هذا التدبير الذي صنعه بسبب محبته للبشر التي يعجز اللسان عن شرحها وأيضاً لأجل حكمه العادل (كما أسمع أحكم وحكمي عادل ) (يوحنا 5: 30) وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً.(يوحنا 3: 19 )
وبحسب قول كاتب المزامير:”الله هو ملكنا منذ القدم، صنع الخلاص في وسط الأرض”(مز12:72). إن كنيسة المسيح هي معمل خلاص الإنسان، والعاملون فيها هم خلفاء الرسل. وهذا يعني أنّه علينا نحن من نحمل المسؤولية الروحية والرعائية أن نعمل كالصيادين الأوائل الذين اختارهم يسوع المسيح ليكونوا صيادي البشر، فنعمل روحياً وليس مادياً، “فلا تهتموا قائلين: ماذا نأكل؟ أوماذا نشرب؟ أو ماذا نلبس …. لكن اطلبوا أولا ملكوت الله وبره، وهذه كلها تزاد لكم” (متى 33،31:6) وذلك “لأن ليس ملكوت الله أكلا وشربا، بل هو برّ وسلام وفرح في الروح القدس، لأن من خدم المسيح في هذه فهو مرضي عند الله، ومزكّى عند الناس” (رو 18:14-19).
إن كنيستنا المقدسة الأورشليمية التي هي كنيسة الشواهد بحسب التاريخ المقدس، أي أماكن الولادة والكرازة والآلام والقيامة، وأيضاً صعود إلهنا ومخلصنا المسيح تُواصل سعيها غير المنقطع ورسالتها الخلاصية.
ونقول “رسالتها الخلاصية”، لأن أورشليم الأرضية حاملة في أحشائها الأرضية الدم الكريم الذي انسكب على الصليب، لا تتوقف عن إنهاضنا بالتذكير(2بط 13:1) بأورشليم العلوية التي “… لا تحتاج إلى الشمس ولا إلى القمر ليضيئا فيها، لأن مجد الله قد أنارها، والخروف سراجها” (رؤ23:21).
نشكر يا إخوتي ربنا الصاعد يسوع المسيح ونقول بتوبة:”أيّها المسيح النور الحقيقي الذي ينير ويقدّس كل إنسان آتٍ إلى العالم ليرتسم علينا نور وجهك، لكي نعاين به النور الذي لا يدنى منه ونوجِّه خطواتنا إلى العمل بوصاياك، بشفاعات والدتك الطاهرة وجميع قديسيك”. وأيضاً احفظ يا رب هذه المدينة وهذا البلد بلد المملكة الهاشمية، و وهب لملكه عبدالله الثاني بن الحسين الصحة وطول الأيام وقوة الحكم لكي نجتاز مع جميع المواطنين حياتنا بسلام وأمان. آمين

مكتب السكرتاريةالعام – بطريركية الروم الأرثوذكسية