1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس النبي إيليا التسبي في قرية المكر 8-8-2015

أنت يا إيليا المعاين الأسرار التي لا يُنطق بها قد صدعت مجاري الأردن. أنت قد جعلت ضلالة الأوثان ببروق أقوالك الإلهية رماداً.أنت قد وبخت الملك المتعدي الشريعة.وقتلت كهنة الإثم. وأحرقت الذبيحة بالصلاة.فاخمد الآن بنار شفاعتك جمر أهواءِ شعبك وضيقاته.
هذا ما يتفوه به مرنم الكنيسة.
أيها الأخوة المحبوبون بالرب يسوع المسيح،
أيها الزوار المسيحيون الأتقياء،
إن نعمة الروح القدس التي أبرزت أنبياء الإله الكلمة ومُخلصنا يسوع المسيح وأوضحتهم هي التي جمعتنا اليوم في كنيسة القديس النبي إيليا في قريتكم التاريخية المكر ، لكي نُحيي بابتهاج ووقارٍ هذه الذكرى الإلهية، ذكرى صعود هذا القديس المتوشح ِ بالله الى السماوات.
فكنيستنا المقدسة وبفم القديس يعقوب الرسول أخي الرب في رسالته الجامعة تعلن وتشهِدُ بأن القديس النبي إيليا، هو نموذجٌ بارزٌ لقوةِ الإيمان والصلاة، إذ يقول:”كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ. ثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا.”(يع 5: 17 -18 ).
وبمعنى آخر فإن إيليا النبي كان إنساناً مِثلنا، له نفس طبيعتنا البشريةُ بأمراضها وضعافاتها لكنّه عندما صلى إلى الله سُمِعت صلاته واستُجيبتْ وهذا ما يؤكده القديس الرسول يعقوب أخو الرب في رسالته.
وربما يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: ماذا تعني الصلاة؟
عندها تأتينا إجابة القديس يوحنا الدمشقيّ، “إن الصلاة هي رفع الذهن لله أو التضرع له حتى يُغدِقَ الله علينا بما يلزم”، وبحسب القديس يوحنا السلمي (الصلاة في كُنهها هي تواصل الإنسان مع الله والاتحاد به. وفي فعلها هي ثبات العالم، والمصالحة مع الله …، وغفران الخطايا، وجسر النجاةِ من التجارب، وسورٌ لصد الشدائد…، ومولّدة المواهب، والتقدّم اللا منظور، وغذاء النفس،واستنارة الذهن، وفأس يقطع اليأس، ودليل الرجاء، وزوال الحزن…إعلان المُستقبلات…).

ومن هنا نستشف بأنّ النبي إيليا قد صار مشتركاً ومساهماً في مفاعيل الصلاة هذه وأداتها أو بالأحرى صار إناءً للصلاة،لهذا فإنّ ناظم التسابيح يقول: “أنك أصبحت معايناً لأسرار(الله) التي لا يُنطقُ بها”
وبكلامٍ آخر فإن نبيّ المسيح إيليا قد استحقّ من خلال الصلاة المُعاينة والمشاركة الإلهية.بالتأكيد إنّ الله في طبيعتهِ غير المخلوقة (أي جوهره الإلهي)غير مُقترب منه، ولا منظور ولا مدرك، ولا مدنوّ منه، ولكنه يُصبح ملموساً ومُقتَرباً منه ومنظوراً عن طريق قواه وأفعاله غير المخلوقه أي نعمته ومجده الإلهيين.
إنّ الإنسان السماوي إيليا النبي “قد أصبح معايناً لأسرار الله التي لا يُنطقُ بها”، وما يُبرهن هذا حضوره مع النبي موسى على جبل طابور عند تجلي ربنا ومُخلصنا يسوع المسيح كما يشهد بذلك الإنجيلي مرقس”وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ وَحْدَهُمْ. وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ…..وَظَهَرَ لَهُمْ إِيلِيَّا مَعَ مُوسَى وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ مَعَ يَسُوعَ.(مر9 :2 – 4 ).
وممّا تقدّم نستطيع أن نستنتج أننا كي نصبر في الضعافات والتجارب والمشقّات لابدّ لنا من طول الأناة والمواظبة على الصلاة، وهذا ما يرشدنا إليه الرسول القديس يعقوب أخو الرب في رسالته قائلاً: “خُذُوا يَا إِخْوَتِي مِثَالاً لاحْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ وَالأَنَاةِ: الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِاسْمِ الرَّبِّ.(يع 5: 10 ). وكنموذجٍ ومثالٍ للأنبياء الذين احتملوا المشقات وطول الأناة يورد القديس يعقوب في رسالته ذِكر القديس أيوب والنبي إيليا،فهذان النبيان قد امْتُحِنا و جُرِبا؛ فأيوب امتُحِنَ بأمراضٍ صعبة، وإيليا عانى الاضطهاد والتهديد المُستمر.ولكنّ الله بررهما و أنصفهما.
لهذا فإن صلاة وطِلبة البار لها قدرةٌ عظيمة أن تفعلَ بقوةٍ و بتأثيرٍ جالبةً منفعةً كبيرة كما يؤكد القديس يعقوب في رسالته الجامعة قائلاً: ” طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا. كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ. ثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا.(يع 5: 17 -18 ).
من هنا نعود ونكرر الحقيقة المذكورة آنفاً وهي أنّ البار إيليا قد صار مشاركاً ومعايناً للنور الإلهي كما يرتل النبي داود”النُورٌ قَدْ أشرقَ لِلصِّدِّيقِين، وَالفَرَحُ لْمُسْتَقِيمِي الْقَلْوبِ.”(مز96: 11 )، ويفسر هذا المزمورالقديس كيرلس الاسكندري قائلاً:إذا كان أحد باراً وصدّيقاً فإن ذهن هذا الإنسان وقلبه سوف يُشرِق فيه النور الإلهيّ والعقليّ.”
وهذا النور العقليّ والإلهيّ أيّها الأحبة يتحقّق ونفوز به عن طريق الصلاة وما تشتمل عليه من الاعتراف بخطايانا وذنوبنا وطلب الصفح والتوبة عنها، لهذا فإن الصلاة لله مهمةٌ جداً على الرغم من أن”أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ”(متى 6 : 8 )،كما يؤكد المسيح هذا.
وعدا عن هذا فإنّ ربنا يسوع المسيح لم يحُثّنا على الصلاة فقط لا بل علّمنا أيضا الطريقة التي ينبغي علينا أن نصلي فيها كما يشهد بذلك الرسل القديسون والإنجيليون: “فَصَلُّوا أَنْتُمْ هكَذَا”(متى 6 : 9 ) وأيضاً”اسْأَلُوا تُعْطَوْا.. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ”(متى 7: 7،8).وَكُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ فِي الصَّلاَةِ مُؤْمِنِينَ تَنَالُونَهُ(متى 21: 22 )واَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ مِنَ الآبِ بِاسْمِي يُعْطِيكُمْ. (يو 16 :23 ) .
وغنيٌ عن القول بأنّ الرسل والتلاميذ هم أنفسهم بعد صعود المسيح الى السماء عادوا إلى أوروشليم مواظبين على الصلاة بنفس واحدة غير منقطعين عنها، “وهؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ”(اع 1 : 14 )
وليس أدلّ على ذلك من إرشاد الحكيم القديس بولس الرسول لنا قائلاً: “وَاظِبُوا عَلَى الصَّلاَةِ سَاهِرِينَ فِيهَا بِالشُّكْرِ” (كول 4 : 2 )، “وصَلُّوا بِلاَ انْقِطَاع، اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ.(تس 5: 17 – 18 ).” بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرلِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ” (فيلبي 4 :6 ).
ويؤّيد ذلك القديس يعقوب الرسول إذ يقول:”صَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ، لِكَيْ تُشْفَوْا. طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا.(يع 5 :16 ) وأخيراً يجب أن تؤدى الصلاة وتصيّر بإيمانٍ وبدون شكٍ كما يشير بذلك أيضا القديس يعقوب الرسول “إِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ.وَلكِنْ لِيَطْلُبْ بِإِيمَانٍ غَيْرَ مُرْتَابٍ الْبَتَّةَ، لأَنَّ الْمُرْتَابَ يُشْبِهُ مَوْجًا مِنَ الْبَحْرِ تَخْبِطُهُ الرِّيحُ وَتَدْفَعُهُ. فَلاَ يَظُنَّ ذلِكَ الإِنْسَانُ أَنَّهُ يَنَالُ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ.” (يع 1 :5 – 7 ).
إنّ قدّيس كنيسة المسيح إيليا النبي الذي نُعيّدُ له اليوم، وهو كموسى آخر قد استأهل رؤية الله وموهبة النبوءة، وصنع العجائب، و(ذلك من خلال الصّلاة كما ذكرنا آنفاً)وهو يدعونا جميعاً الى اليقظة الروحية والأخلاقية.
ولهذا علينا أن نتيقّن بأنّه يدعونا مراراً وتكراراً (من خلال الصلاة)، كي نعرف نور المسيح الذي على جبل طابور والذي هو إعلان ألوهة جسد (المسيح) الإلهي،لكي لا نسير في ظلمة هذا العالم الخدّاع.”أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ ” (يو 8 : 12 )
ختاماً نتضرع الى ربنا نور الحق الذي لا يغرُب مع المرتل هاتفين وقائلين:لنكرمنَّ بالأناشيد يا مؤمنين رئيسي الأنبياء و كوكَبي المسكونة الإلهيَّين الساطعَي الضياء. إيليا وأليشاع. ولنهتفنَّ نحو المسيح مرنّمين و قائلين:امنح شعبك بشفاعات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم وتضرُّعات نبيَّك ايها الرب المتحنّن غفران الخطايا وعظيم الرحمة. آمين

مكتب السكرتاريةالعام – بطريركية الروم الأرثوذكسية