1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد تجلي ربنا و مخلصنا يسوع المسيح على جبل تابور 19-8-2015

إنّ الذي تكلّم مع موسى على جبل سيناء قديماً برموز قائلاً: أنا الكائن أظهر في نفسه بتجليه اليوم على التلاميذ على جبل تابور جمال عنصر الصورة الأصلي متخذاً الجوهر البشري، واقام موسى وايليا شاهدين لهذه النعمة العظيمة، فجعلهما يشتركان في السرور، وينبئان بخروجه مصلوباً وبالقيامة الخلاصية”. هذا ما يتفوه به مرنم الكنيسة ،
أيّها الأخوة الأحباء،
أيّها الزّوار الأتقياء الحسنو العبادة ،
لقد استنارت المسكونة كلّها وتقدّست بنور المسيح إلهنا الذي جمعنا من كافة أقطار الأرض في هذا الموضع والمكان المقدس، في جبل ثابور، لكي نحتفل بتجلّيه المقدّس أي بإشراق نور مجد ألوهيّة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح لتلاميذه بطرس ويعقوب ويوحنا .
إنّ حدث تجلّي مخلّصنا يسوع المسيح على جبل ثابور يشكّل المبدأ الرئيس الذي يرتكز عليه آباء الكنيسة الملهمين من الله والذين أكّدوا إيماننا الأرثوذكسي الخلاصي وشددوا عليه بوضوحٍ، وعلى هذا يشهد القديس الرسول بطرس والذي أضحى شاهد العيان لتجلي مخلصنا المسيح: “لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً، إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ. لأَنَّهُ أَخَذَ مِنَ اللهِ الآبِ كَرَامَةً وَمَجْدًا، إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ صَوْتٌ كَهذَا مِنَ الْمَجْدِ الأَسْنَى: “هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي أَنَا سُرِرْتُ بِهِ، “وَنَحْنُ سَمِعْنَا هذَا الصَّوْتَ مُقْبِلاً مِنَ السَّمَاءِ، إِذْ كُنَّا مَعَهُ فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ” ثابور”(2بط 1: 16 – 18 ).
نعيّد اليوم مبتهجين لأننا قد عرفنا من خلال الرسل والإنجيليّين قُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ (2بط 1: 16 )، لهذا فإنّ كنيستنا وبلسان القديس يوحنا الدمشقي تقول:
}” لمن هذا العيد والاحتفال؟ لمن هذا الفرح والبهجة ؟ إنّه لكلّ الذين يسجدون بالروح والفكر أزلياً للآب والابن والروح القدس، مقرّين بأفواههم بألوهةٍ واحدة في ثلاثة أقانيم غير منفصلة ،لأولئك الذين يعترفون و يقرّون بأنّ المسيح ابن الله هو إله واحد في أقنوم واحدٍ في طبيعتين دون اختلاطٍ أوامتزاج مع احتفاظ كل طبيعة بخاصيّتها .{ و يتابع أبونا القديس يوحنا الدمشقي قائلاً: } لهذا حدّد المسيح هذه الأعياد لكي يكون لنا الفرح والبهجة في كل عيدٍ، ولا يستطيع الآثمون وغيرالاتقياء أن يفرحوا {.
حقاً أيّها الأحبة إنّ غير الأتقياء والذين لا يخشون الله لا يستطيعون أن يدركوا “أنَّ الله نُورٌ” (1 يو1: 5 )، وأنّ هذا النور أي المسيح ” جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ” (يو3 : 19 ).

إنّ هذا النور أيّ المجد الإلهي قد أظهرهُ المسيح لتلاميذه كما يرنم مرتل الكنيسة “تجليت أيّها المسيح الإله على الجبل، فأظهرت مجدك للتلاميذ على حسب ما استطاعوا . فأشرق لنا أيضا ً نحن الخطأة نورك الأزلي ، بشفاعة والدة الإله ، يا مانح النور المجد لك”
وبمعنى آخر فإنّ المسيح قد تجلّى أمام تلاميذه لكي يُظهر لنا جمال العنصر الأصلي في نفسه متخذاً الجوهر البشري، وهذا يعني أنّ المسيح إلهٌ تام وإنسانٌ تام فقد أظهر لتلاميذه جمال العنصرالأول لألوهته غير المنظورة والتي لا يدنى منها، كما يقول مرنّم الكنيسة: ” إيّاك نسبّح مع الآب والروح القدس يا كلمة الله الابن غير المستحيل. وصورة الكائن العلي المطابقة للاصل، وختمه الذي لا يتغير. وحكمتهُ وساعدهُ ويمناهُ وقوتهُ .”
ويقول أيضاً “لقد أظهرت جمال عنصرك الأصلي في جبلتك أيّها المسيح الإله. يا من بيديه غير المنظورتين جبل الإنسان على صورته، وذلك لا بصورةٍ بل بنفس جوهرك كما أنت أيّها الإله والإنسان”
إنّ جمال هذا العنصر الأصليّ، أي نور مجد المسيح الذي لا يُدنى منه، الَّذِي وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِ الآب”(عبر1 : 3 )، قد لمع أكثر من الشمس على جبل طابور وشمل الرسل القديسين والتحفوا به كما يقول المرنم: ” لمَّا شمل الرسل على جبل ثابور نور مجدك الذي لا يُدنى منه ايها المسيح. هتفوا يقولون: مباركٌ أنت يا إله آبائنا ”
و بعبارة أخرى فإن الرسل قد صاروا “معاينين لعظمة المسيح”(2 بط 1: 16)
أيّ نور الألوهة غير المخلوق ،في تلك اللحظات التي ظلّلتهم نعمة وموهبة الروح القدس وشملتهم، ” فأخذتهم دهشةٌ إلهية و استحالت حالهم”، وعلى هذا يقول القديس غريغوريوس بالاماس: بأنّ الرسل قد رأوا نور تجلي ربنا ليس عن طريق وظيفة البصر الطبيعية ولكن بقوة الروح القدس ويؤكد هذا مستشهداً بما أورده الرسول بولس والذي اقتبس من اقوال النبي إشعياء: “مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ. (1 كور2 :9- 10 ).
ختاماً أشكر ربنا وإلهنا يسوع المسيح، وهلموا بنا مع المرنّم نقول: “إنّ موسى قد تمجّد وجهه قديماً بالصوت الإلهيّ في الغمام. أمَّا المسيح فقد التحف بالنور كرداءٍ. فإنه المُبدع النور. فينير الذين يرنّمون قائلين: باركوا الرّب يا جميع أعمال الرب.” آمين