كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد ميلاد سيدتنا والدة الاله الدائمة البتولية مريم في مدينة بيت جالا 20-9-2015

هذا هو يوم الرب فتهلّلوا يا شعوب. فها إنّ العذراءَ خدر النور وسفِر كلمة الحياة قد بزغت من الحشا مولودةً. وهي الباب المتَّجه نحو الشرق فتنتظر دخول الكاهن الأعظم. فانَّها وحدها قد أدخلت المسيح وحدهُ الى المسكونة لخلاص نفوسنا. هذا ما ينشده مرنم الكنيسة.
أيها الأخوة المحبوبون بالرب يسوع المسيح،
أيها المسيحيون الأتقياء،
بفرحٍ وابتهاجٍ تحتفلُ كنيسة المسيح المُقدسة مع الخليقة أجمع “برأس خلاصنا” أي ميلاد سيدتنا الفائقة القداسة والدة الإله الدائمة البتولية مريم.
” هذا هو يوم الرب فتهلّلوا يا شعوب” هذا ما يقوله ناظم تسابيحَ هذا العيد المُقدس وذلك “لأنّ والدة الإله الباب المتّجه نحو الشرق ، تنتظر دخول الكاهن الأعظم .فهي وحدها قد أدخلت المسيح وحدهُ الى المسكونة لخلاص نفوسنا.

وربما يتساءل المرء “فما المقصود بالباب المتّجه نحو الشرق”؟؟ إنها والدة الإله الباب الذي سبق فقال عنه حزقيال النبي “ ثُمَّ أَرْجَعَنِي إِلَى طَرِيقِ بَابِ الْمَقْدِسِ الْخَارِجِيِّ الْمُتَّجِهِ لِلْمَشْرِقِ، وَهُوَ مُغْلَقٌ. فَقَالَ لِيَ الرَّبُّ: “هذَا الْبَابُ يَكُونُ مُغْلَقًا، لاَ يُفْتَحُ وَلاَ يَدْخُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ دَخَلَ مِنْهُ فَيَكُونُ مُغْلَقًا”.(حزقيال 44: 1 -2 ).
لقد رأى آباء الكنيسة المُلهمين من الله بأن هذا الباب المغلق ما هو إلا والدة الاله العذراء مريم والتي كانت قبل الولادة عذراء ولبثت بعد الولادة عذراء ،وبمعنى آخر، فإن العذراء ، لَبِثت بتولاً عذراء عند تَجسدِ كلمة الله بالروح القدس، وعند تأنس مخلصنا المسيح حُفظتْ دائمة البتولية. هذه التي سبق تحديدها منذ الأجيال القديمة أماً وعذراءَ لله فتاة الله مريم كما يقول مرنم الكنيسة: اليوم ولدت حنَّة العاقر فتاة الله مريم التي سبق المسيح الإله ملك الكل وبارئُهم فاصطفاها من بين جميع الأجيال مسكناً لهُ حلَّ فيهِ لإتمام التدبير الإلهي .الذي جدَّد بهِ جبلتنا نحن الأرضييّن.فاعادنا من البلَى الى الحياة الخالدة.
حقاً أيها الأحبة إنّ مولد فائقة القداسة والدة الإله يشكّل موضوع فرحٍ وابتهاج عالميّ وذلك لأنه من “الأبواب العقيمة” أي العاقرين الصدّيقين يواكيم وحنة قد جاءت البوابة البتولية الإلهية، أم الله، التي بها تقترن الأرضيَّات بالسماويات لخلاص نفوسنا.
ها قد عرفنا الآن لماذا يرنم القديس يوحنا الدمشقي قائلاً:اطربن أيتها الفتيات ،لأن هذا مولد البتول العذراء، افرحن أيتها الأمهات لكي يكون ثمر الأم تلك التي لَبِثتْ عذراءَ، لكنَّ أيتها العاقرات رجاءً وثقةً بالتي كانت من قَبل عاقراً (أي القديسة حنة) التي بعد عُقرِها ولدت العذراء فتاة الله، فلا يجب أن تتغيبن أيتها الفتيات عن هذا الاحتفال ألا وهو الاحتفال بميلاد الفتاة الفريدة الفتاة الملوكية ملكة النساء أجمعين.
كما يجيب القديس غريغوريوس بالاماس على هذا التساؤل” لماذا جاءت العذراء مريم من والدين عاقرين؟”فيجيب لكي ينحل حزن والديها يواكيم وحنة و يُطرح عنهم الخجل والعار وهذا تصويرٌ مسبق لانحلال عار الجديّن الأوليّن أي آدم وحواء و حزنهما، هذا الانحلال المزمع أن يصير من خلال العذراء مريم، ويستطرد القديس غريغوريوس بالاماس قائلاً “ما هي تلك أجنحة الفضيلة التي كان يمتلكها والدّي العذراء مريم! كم كانت قلوبهم طاهرة حتى استطاعوا أن يرسلوا صلاة فاعلة ومستجابة فقد كان ينبغي التحضير لهذه الأعجوبة العظمى حتى تكون الأعجوبة والطبيعة خاضعتان تدريجياً للنعمة. إنّ التحضير لهذه الأعجوبة المثالية والفريدة من نوعها والتي لا تتكرر لها صلةٌ مباشرة ببشارة النعمة التي وجدتها مريم عند الله (لو1: 30 ) من خلال حلول الروح القدس عليها و تظليّلها من قوة العليّ (لو1: 35 ).
العليّ هو كلمة الله أي الكاهن الأعظم (عبر10: 21 )، الذي سكن في باب ،(أحشاء)، مريم البتول التي هي وحدها، أدخلت المسيح وحدهُ إلى المسكونة لخلاص نفوسنا .
إن مضمون هذه الأعجوبة العظيمة ومعناها العميق، يؤكده بشدةٍ ووضوح مرنم الكنيسة في طروبارية هذا العيد إذ يقول : ميلادك يا والدة الإله، بشرَ وأنذرَ بالفرح كل المسكونة، لأنه منك أشرق شمس العدل المسيح إلهنا، حلّ اللعنة ووهب البركة، وأبطل الموت وأعطانا حياة أبدية.
أيها الأخوة الأحبة، هذه هي الحياة الأبدية التي أعطانا إياها المسيح إلهنا التي نحنُ مدعوون لها بتضرعات وشفاعات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم، وختاما هلموا مع المرنم نهتف قائلين “إن العاقر قد أصبحت أماًّ للتّي لبثت عذراءَ بعد ولادتها الخالق. والتي اتخَّذ منها الاله بالطبيعة الطبيعة الغريبة عنهُ. وصنع بالجسد الخلاص للضالّين .أي المسيح المحبُّ البشر منقذ نفوسنا .آمين

مكتب السكرتاريةالعام – بطريركية الروم الأرثوذكسية