1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد رفع الصليب الكريم المحيي في دير الصليب في الناصرة 4-10-2015

إن الموت الذي أصاب جنس البشر بواسطة ألاكل من العود قد إضمحلّ اليوم بالصليب. فإن لعنة ألام الاولى التي لحقت بكل ذُريّتها قد نُقضت مُنحلّة بالفرع الذي نَبت من أم الله النيقة, التي كل قوّات السموات تعظمها.
أي أن الموت الذي صار للجنس البشري عندما أكلوا من ثمار الشجرة التي نهاهم الله عنها, قد أُلغي اليوم بواسطة قوة الصليب, وذلك لأن لعنة حواء ألام الاولى لجنس البشر قد امتدت لكافة الجنس البشري. هذه اللعنة قد أُلغيت وإنحلت بالذي وُلد من العذراء مريم والدة الاله أي المسيح, التي تُسبحها جميع القوات السماوية. هذا ما يُنظمه مرنم الكنيسة القديس كوزماس أسقف مايويا.
أيها الاخوة المحبوبون بالرب يسوع المسيح
أيها المسيحيون ألاتقياء
لقد أتينا اليوم لهذا المكان المقدس الى مدينة بشارة والدة الاله الدائمة البتولية مريم أي الناصرة لكي نحتفل بعيد رفع الصليب الكريم المحيي, وفي هذا الصدد نُصغي الى القديس بولس الرسول الذي يقول ” وأما من جهتي, فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح, الذي به صُلب العالم لي أنا للعالم”. (غلاطية 14:6).
بحقٍ وعدلٍ يفتخر القديس الحكيم بولس الرسول بالصليب, وذلك لانه بالصليب قد أُلغي موت الفساد والخطيئة أُبيدت, فقد دخل الموت الى جنس البشر بسبب الانسان كما يقول سليمان الحكيم في كتابه: ” أذ ليس الموت من صُنع الله, ولا هلاك الاحياء يسرُّه “. (حكمة سليمان 13:1). ” لكن بحسب إبليس دخل الموت الى العالم”. ( حكمة سليمان 24:2).

يقول القديس كزماس أسقف مايويا مرنم الكنيسة ناظم تسابيح هذا العيد, ” إن الموت الذي أصاب جنس البشر بواسطة ألاكل من العود قد إضمحلّ اليوم بالصليب”, وهذا ما يُؤكده القديس بولس الرسول في رسائله, أنه بواسطة عود الصليب قد أُلغي الموت إذ يقول :” واذ وُجد في الهيئة كإنسانٍ (يسوع المسيح), وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب” (فيليبي 8:2), وأيضاً ” عالمين أن المسيح بعدما أُقيم من بين ألاموات لا يموت أيضاً, لا يسود عليه الموت من بعد “. (رو 9:6).
ويستطرد القديس أثاناسيوس في هذا المجال مُفسراً قول القديس بولس: ” لن يتسلّط عليه الموت من بعد “, لهذا قد صُلب المسيد لكي يشترينا من اللعنة ونرث نحن البركة.
وهذه البركة تنبُع من قوة المصلوب المرفوع على الصليب أي المسيح الهنا ومخلصنا الذي به نهضت طبيعتنا البشرية من سقوطها الى الارض, فتوطّنت في السماء, والذي يدل عليه بأجلى بيان مرنم الكنيسة القديس قزماس الذي يقول:
” إن عود الحياة بإنتشاله اليوم من أعماق الارض يحقق قيامة المسيح الذي عُلّق عليه. وبرفعه بين أيدي الكهنة يُخبر بإرتفاع المسيح الى السماء, الذي به نهضت طبيعتنا من سقوطها الى ألارض. فلنهتفنّ عن شكر قائلين يا رب يا من رُفع عليه فرفعنا به معه, أهلنا نحن مسبحيك للفرح السماوي”.
ويعلّم القديس بولس واعظاً بدالة ” إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة, وأما عندنا نحن المُخلصين فهي قوة الله” (كو 18:1). وبمعنى آخر فإن إعلان بشارة الصليب تُستبان لآولئك الذين يسيرون في طريق الضلال بأنها جهل وغباوة, وأما لنا نحن الذين نسير في طريق الخلاص فهي قوة الله المنيرة والمُعينة والمحيية والمعزية.
وهنا أريد أن أُنوّه الى تعليم القديس غريغوريوس بالاماس حول الصليب إذ يقول:
بأن سر الصليب سرّ عظيم الهي, لماذا؟ وذلك لانه عندما ننظر الى الصليب يظهر وكأنه يجلب الخزي والعار لمن يُقبل أن يُصلب عليه. ويُعتقد ويًظن من الناس أن هذا المصلوب عليه يُهين نفسه ويحتقر ذاته في كل شيء وانه يتألم بسبب إبتعاده عن الشهوات والملذات الجسدية, وعدا عن ذلك, أنه قد إفتقر لأنه وزّع أمواله على الفقراء كإحسانٍ. ولكن بقوة الله هذا الفقر وهذا ألالم والخزي والاحتقار سوف يُولّد مجداً أبدياً لا ينضُب وشكر لا يُسبر غوره لجميعنا نحن الذين لنا دعوة الخلاص, ” أما للمدعوين يهوداً ويونانين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله. لأن جهالة الله أحكم من من الناس, وضعف الله أقوى من الناس”. (1 كور 24-25).
فبواسطة قوة الصليب العظيم ” أُلغيت ونُقضت لعنة حواء الأم ألاولى بالذي وُلد من النقية العذراء مريم والدة الاله, أي المسيح”, يقول المرنم القديس قزماس.
بكلام آخر أيها ألاحبة أنه بسبب قوة الصليب العظيم قد تحررنا من لعنة الله التي حصلت لنا بسبب البتول ألاولى في الفردوس أي حواء, ومن الجدير بالذكر ما يقوله القديس يوحنا الدمشقي بهذا الصدد:
” أن المسيح قد جاء من بتولٍ عذراء وأنها لعجيبة عظيمة أن تبتدع وتستحدث الطبيعة البشرية هذا, وان يتم تجاهل وتجاوز الزواج الطبيعي. ولكن لولا الصليب لما خلصت المرأه بتول الفردوس الاولى بأعمالها, ولكن ألآن بصليب المسيح فقط خلصت المرأة ألاولى وشُفي الشر القديم بمواهب جديدة “.
حصل هذا كله بواسطة الصليب الكريم الذي نُعيّد لرفعه ممجدين وساجدين للمسيح ابن الله الصائر إبناً للعذراء من الروح القدس, ونسجد مكرمين للفائقة القداسة المُباركة العذراء مريم والدة الاله أم الله ومخلصنا يسوع المسيح.
اليوم يُوافي صليب الرب فيستقبله المؤمنون بلهفةٍ, وينالون به شفاء النفوس وألاجساد والبرء من كل الاسقام, فلنُقبّله بفرح وخوفٍ. أما بخوف فمن الخطيئة التي بها نكون غير مستحقين, أما الفرح فبالخلاص الذي يمنحه للعالم المسيح الرب الذي سُمّر عليه العظيم الرحمة. آمين