1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس الرسول يعقوب أخي الرب أول رؤساء أساقفة أوروشليم 5-11-2015

“طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ «إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ” هذا ما يُعلنه القديس يعقوب أخو الرب في رسالته الجامعة.
أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،
أيها المسيحيون الزوار الأتقياء،
تبتهجُ كنيسةَ آوروشليم المقدسة اليوم مكرمةً تذكار الشهيد في رؤساء الكهنة القديس الرسول يعقوب أخي الرب أول راعٍ ورئيس أساقفة على آوروشليم.
لقد اقتبل القديس يعقوب استنارة الروح القدس برغبةٍ ولهفة، وأصبحَ مُعلماً ومبشراً بالبشارة المقدّسة إنجيل المسيح وبملكوته السماوي، لهذا فقد استَبَانَ من الإله الكلمة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، راعياً ومعلماً ، ومدبراً أميناً للأسرار الروحية. ولأنه كان وَرِعاً وتقياً جداً، استحقّ لقب الصدّيق، إضافة إلى تسميتهِ بأخي الرب.
إن رسالة القديس يعقوب أخو الرب والتي هي، (الرسالة الجامعة)، هي مصدرٌ إلهيّ للتعاليم الموحى بها والمواعظ المتعلقة بالإيمان النقيّ ونمط الحياة الصحيح الأصليّ، لأعضاء الكنيسة المسيحية من المؤمنين.
وبمعنى آخر إن حياة الإنسان المسيحي عليها أن تكون متمثلةً و مقتديةً بالقول وبالفعل بربنا ومخلصنا يسوع المسيح كما يقول القديس الحكيم الرسول بولس: ” كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضًا بِالْمَسِيحِ.(1كور 11: 1).
ويعلّق على هذا القول القديس أثناسيوس الكبير قائلاً:” أنه علينا أن نقتدي بالمسيح بحسب بشريتهِ. وذلك لأنه من المستحيل أن يقتدي به أحدٌ بحسب ألوهيته. فالمسيح هو الأصل ونحن جميعاً مدعوون لكي نتمثلُ بهِ.”
لقد أوضح لنا ربنا يسوع المسيح أيها الأحبة أهمية الصبر وقوته قائلاً: “بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ” (لوقا 21: 19)
وفي موضع آخر يقول:” وَلكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ. (متى 10 :22)
و يقصد الرب بالصبر هنا بأنه الصبر المُتعلّق بالتجارب والأحزان المتنوعة والظلم والآلام التي نعاني منها خلال حياتنا الأرضية. ولنا في حكمة سيراخ خيرُ مرشدٍ إذ يقول أنه إذا أقبلنا لخدمة الله ، فلنستعد بالصبر على التجارب القادمة “يا بُنَيَّ، إِنْ أَقْبَلْتَ لِخِدْمَةِ الرَّبِّ الإِلهِ، فَاثْبُتْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَأَعْدِدْ نَفْسَكَ لِلتَّجْرِبَةِ. أَرْشِدْ قَلْبَكَ وَاحْتَمِلْ. أَمِلْ أُذُنَكَ وَاقْبَلْ أَقْوَالَ الْعَقْلِ، وَلاَ تَعْجَلْ وَقْتَ النَّوَائِبِ.ِ انتَظِرْ بِصَبْرٍ مَا تَنْتَظِرُ مِنَ اللهِ، لاَزِمْهُ وَلاَ تَرْتَدِدْ، لِكَيْ تَزْدَادَ حَيَاةً فِي أَوَاخِرِكَ.مَهْمَا نَابَكَ فَاقْبَلْهُ، وَكُنْ صَابِراً عَلَى تَقَلُّباتِ حالِكَ الوَضيع، فَإِن الذَّهَبَ يُمَحَّصُ فِي النَّارِ، وَالْمَرْضِيِّينَ مِنَ النَّاسِ يُمَحَّصُونَ فِي أَتُونِ الاِتِّضَاعِ. ( حكمة سيراخ2: 1-5)
لذلك فإن القديس يعقوب يَحُثنا أن نحسبهُ فرحاً عندما نقع في التجارب والأحزان المتنوعة. أي الفرح الذي ينبع أثناءَ تجربة إيماننا في المسيح المصلوب والناهض من القبر. وذلك لأننا سنحصل من خلال تجاربنا المُحزنة واختبارات إيماننا على الصبر الثابت الذي لا يتزعزع “احْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا. (يع 1: 2-3)
ويقول القديس إيكومينيوس بهذا الصدد: بأنّ التجارب نوعان؛ النوع الأول ويأتي من الشرير والنوع الثاني من الله وذلك لكي نتدرب ونسمو روحياً إلى العلاء.

وكمثال ونموذج للصبر الذي ترتضيه مشيئة الله، يظهر لنا القديس يعقوب أخي الرب الأنبياء الكِبار والمُكَرّمين من الله مثال موسى وإيليا واشعياء وإرميا وبالأخص العظيم المجاهد في الصبر أيوب، إذ يقول: “خُذُوا يَا إِخْوَتِي مِثَالاً لاحْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ وَالأَنَاةِ: الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِاسْمِ الرَّبِّ.هَا نَحْنُ نُطَوِّبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ. (يع 5 :10-11)
ويطوّب القديس يعقوب الصابرين على التجارب والأحزان لأن هؤلاء سينالون إكليل الحياة “لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ «إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ” (يع 1 :12) وإكليل الحياة هذا ما هو إلا الحياة الأبدية أي خلاص نفوسنا. وهذا الإكليل الذي سنناله ليس بسبب أعمالنا ولكن لصلاح الله الذي وعدنا به كما يعلمنا القديس يوحنا الذهبي الفم في تفسيره لرسالة القديس يعقوب أخي الرب.
لقد استنرت من الروح الإلهي، روح المسيح، يا أخا الرب يعقوب فظهرت بالعمل والقول عاملاً لإنجيل صلاح الله وأول راعٍ لآوروشليم ومعلماً ومدبراً أميناً لأسرار الروح كما يقول مرنم الكنيسة:
هلمّوا يا متألهي الألباب نكرّم مُحترمين تذكار أخي الرب لأنه اقتبل نير المسيح عن ارتياحٍ ونشاط. فأضحى كاروزاً بإنجيل صلاحهِ وبملكوتهِ. وأْتُمن على سرّ تدبيره المتعذّر وصفهُ. فبوساطته امنحنا الغفران يا قدير.
إن عيد أخي الرب وشهيد محبة المسيح يعقوب الذي نُقيمُ تذكارهُ اليوم في هذا الهيكل المُشيّد على اسمه بجانب موضع آلام صليب ربنا يسوع المسيح أي الجلجثة يشكل شاهداً حياً وصادقاً على الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ (يع 1 :12)، أنه لا يتركهم.
وبكلام آخر إن ربنا وإلهنا لا يترك شعبه في صعوباتهم وتجاربهم كما يقول القديس بولس الرسول العظيم مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لكِنْ غَيْرَ مُتَضَايِقِينَ. مُتَحَيِّرِينَ، لكِنْ غَيْرَ يَائِسِينَ. مُضْطَهَدِينَ، لكِنْ غَيْرَ مَتْرُوكِينَ. مَطْرُوحِينَ، لكِنْ غَيْرَ هَالِكِينَ (2كور 4: 8-9).
ختاماً نتضرع أيها الإخوة الأحباء إلى إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح ومع المرتل نهتف قائلين :”يا يعقوب يا معاين الله وأول رئيس كهنة لآوروشليم وسائر الأرض المقدسة فلسطين هبنا من لدن أبي الأنوار موهبةً كاملةً. واقصِ عنّا الكرب الحاضر والمُقْبِل الناشئ عن كثرة زلاّتنا. فإنّ الأعداءَ قد رفعوا علينا العقب. وأحاقوا بنا. فحطم قسيّهم سريعاً. لكي يا يعقوب الرسول مع والدة الإله الدائمة البتولية مريم نُكَرِّمك كلُّنا. آمين “.