1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة تكريس هيكل القديس العظيم في الشهداء جَوارجيوس في مدينة اللد 16-11-2015.

لنمتدحنَّ امتداحاً روحياًّ أيها الأخوة ألماسة الجلادة العقلية. جَوارجيوس الشهيد السعيد الذكر. الذي أُصْلِيَ في النار من أجل المسيح. فصلَّبتهُ الأهوال مثل النحاس وشحذت عزيمتهُ العذابات والعقوبات المتنوّعة مذيبةً جسدَهُ فقط الفاني بالطبع. فإن المحبَّة تغلَّبت على الطبيعة. فاقنعت العاشق بأن يصل بوساطة الموت إلى معشوقهِ المسيح الإله مُخلّص نفوسنا. هذا ما يصرِّحُ بهِ مرنمُ الكنيسة.

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،
أيها المسيحيون والزوار الأتقياء،
هذا هو اليوم الذي صنعَهُ الرب، فلنفرح ونتهلّل بهِ، نعم يحقّ لنا أن نفرح ونتهلل لأننا نعيُّد اليوم لتدشين هذه الكنيسة القديمة المهيبة والرائعة بإيداع الجسد غير البالي للقديس العظيم في الشهداء جَوارجيوس اللابس الظفر فيها، ونقله إلى مدينة اللد، مسقط رأسه.
لقد ظهر القديس جَوارجيوس محامياً عظيماً للحقيقة، وشهيداً لمحبة المسيح، لهذا فإن ذِكراهُ الطاهرة تُكرَّمُ في جميعِ المسكونة، وهذا يعود لأن القديس جَوارجيوس قاومَ عبادة الشياطين أي عبادة الأوثان بقوةٍ وجرأةٍ عَظيمتين أمامَ الإمبراطور الرومانيّ المتوحش وسفَّاك الدماء ومُضطَهد المسيحيين ديوكلتيانوس} في القرن الثالث بعد الميلاد{. ومن الجدير بالذكرِ أن هذه الفترة التي اضطَهدَّ فيها الامبراطور الروماني ديوكلتيانوس الكنيسة قد عُرِفَت بأنها “عصرَ شهداءِ المسيح”.
لهذا فالقديس جَوارجيوس العجائبيِّ استنارَ من الروح القدس، وما كان يطمع ويسعى إلا ليموتَ من أجل محبة ِالمسيح، كما يؤكد هذا مرنمَ الكنيسة” فإن المحبَّة تغلَّبت على الطبيعة. فاقنعتْ العاشقَ بأن يصلَ بوساطةِ الموتِ إلى معشوقهِ المسيح الإله مُخلّص نفوسنا” وعليه نقول أنَّ القديس جَوارجيوس المُتَشَبَّه بالمسيح والصائر شريكاً لآلامهِ، قد تمَّ فيهِ قول الرب “الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا” (يو 15 : 5 ).

حقاً أيها الإخوة إنَّ صديقَ المسيح الأمين جَوارجيوس استطاعَ أنّ يَتَفَوَّهَ مع القديس الرسول بولس:”مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي.” (غلا 2: 20 ).
أي لقد صُلِبْتُ ومُتُّ مع المسيح بوساطة المعمودية وبما أنني قد مُتُّ، فلمْ يعد للعالم أيُّ أهميةٍ بالنسبة لي، نعم قد أصبحتُ مشاركاً لموتِ المسيحِ على الصليب وأنا ميتٌّ الآنَ، ولا أحيا أنا، الإنسانَ القديمَ، بعدُ، ولكن يحيا بداخلي المسيح. فأحيا مُلهماً ومُستحوِذاً عليَّ الإيمان بابنِ الله، الذي أحبني وأسلمَ نفسَهُ لأجل خلاصي.
لقد بَرهنَ القديس العظيم الشافي بالأفعالِ والأقوال “بأن الذي يحيا في قلبه هو المسيح”، لهذا فإنه يليقُ بالقديس اللابس الظفر جَوارجيوس ما قاله مُخلصنا المسيح بفم العظيم الصوت النبي إشعياء “رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ. (لو 4 : 18 ). وهذا ما يشهَدُ بهِ أيضاً مرنم الكنيسة قائلاً: بما أنكَ للمأسورينَ محرِرٌ ومعتقٌ، وللفقراء والمساكين عاضِدٌ وناصِرٌ، وللمرضى طبيبٌ وشافٍ، وعن الملوكِ مكافحٌ ومحارِبٌ، أيّها العظيم في الشهداء جَوارجيوس اللابس الظفر، تشفع إلى المسيح الإله في خلاص نفوسنا.
إن الحدثَ الذي لا يمكن إنكارهُ، هو أنّ القديس جَوارجيوس يُعرف أنّه نصير حارٌّ ومُحسنٌ إلى المسكونة، وهذا عائدٌ أيها الأخوة إلى أنّ إله جَوارجيوس هو إله المحبة المتجسدة وهذا ما يؤكده القديس يوحنا الإنجيليّ: “اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ. (1 يو4 : 16 ) وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ (1 يو 4 : 8 ).
و يَبسِطُ القديس يوحنا السلمي أمامنا معنى المحبة قائلاً: المحبة قبل كل شيء هي نزع لكل فكرةٍ مضادة، “لأن المحبة لا تفكر بالسوء” (1 كو13 : 5 ).
هذه تماماً هي قوة المحبة الإلهية التي لا تُقهر والتي نُبَشِّرُ بها اليوم في هذه الأرض المبتليةِ بالمحن، أرض المبشرين بالعدل والسلام، مُحْين تذكارَ القديس العظيم في الشهداء جَوارجيوس، كما يقول مرنم الكنيسة: “يا لعشقك لله من عشقٍ حارٍ يا كليَّ الغبطة. فإنَّك احتسبتَ الثروة ثرىً فهتفت تقول أني لا اعتدُّ العالمَ كلَّهُ و لو كان ذهباً بجملتهِ شيئاً يعادلُ محبَّة المسيح سيدّ الجميع”
إنّ محبة جَوارجيوس لله قد تحوّلت نوراً يضيء ذهنهُ عبر أفعال الصلاة النقية الطاهرة المستمرة كما يدُلُّ عليها مرنم الكنيسة: “فيما أنت شاخصٌ ببصرك الى السماءِ صباحاً أشرق لك النور حسب وعد الله لك. فإنَّهُ بينما كنت بعدُ تصلّي، ظهر يقول لك قد أتَيتُكَ مغيثاً. فاطَّرح عنك الجزعَ تماماً. وتشجَّع إلى الأبد”
فها هو أيها الأخوه الأحبة إله جَوارجيوس الذي هو إلهُنا، يدعونا بشفاعات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم أن نطرح عنا كلّ خوفٍ من جهة الاضطهادات المستمرة، مُلقينَ كلّ هَمِّنا على الله كما يقولُ لنا القديس بطرس الرسول في رسالتهِ: “ملْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ، اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ”. (1بط5 :7).
آمين.
كل عام و انتم بخير