1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة آوروشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس الشهيد في الكهنة فيلومينوس في مدينة نابلس 29-11-2015

قال الرب لتلاميذه :” وَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنِ اعْتَرَفَ بِي قُدَّامَ النَّاسِ، يَعْتَرِفُ بِهِ ابْنُ الإِنْسَانِ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ .وَمَنْ أَنْكَرَنِي قُدَّامَ النَّاسِ، يُنْكَرُ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ”. (لوقا 12 : 8-9)
أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،
أيها المسيحيون الأتقياء،
إن ذكرى القديس الشهيد في الكهنة فيلومينوس الذي من أخوية القبر المقدس قد جمعتنا اليوم، في هذا المكان المُقدس مكان استشهادهِ في كنيسة بئر يعقوب والمرأة السامرية أيضاً وذلك لأن القديس فيلومينوس قد اعترف بالإيمان الحقيقي حتى الاستشهاد بالدم وبدالةٍ وجُرأةٍ أمام أناسٍ من غير إيمانه فقد شهد بأن يسوع المسيح هو ابن الله الحي .
فهذا هو الإيمان الحقيقي الذي تُعلّمه كنيسةَ آوروشليم وتَعترفُ بهِ وذلك من خلال الحفاظ على مقدسات الإيمان والمزارات المقدسة الشاهدة على سر التدبير الإلهي وبصمات حضور المسيحيين في هذه الأرض المقدسة أي أرض الميعاد.
حيث أوصى الرب يسوع المسيح تلاميذه وبوساطتهم انتقلت الوصية الى جميع المسيحيين، وهي: “أن من يعترف بالله امام الناس يعترف ابن الإنسان به أمام ملائكة الله” وذلك بحسب شهادة الإنجيلي لوقا ” وَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنِ اعْتَرَفَ بِي قُدَّامَ النَّاسِ، يَعْتَرِفُ بِهِ ابْنُ الإِنْسَانِ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ.وَمَنْ أَنْكَرَنِي قُدَّامَ النَّاسِ يُنْكَرُ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ”. (لوقا 12 : 8).
وبحسب شهادة الإنجيلي متى “فَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ ” .(متى 10 : 32).
إن هذا الإعتراف وبحسب أبي الكنيسة القديس كيرلس الإسكندري يتحقق في زمان الدينونة النهائية عندما ينزل ابن الله بمجدٍ مع ملائكته وهناك يتوج بالأكاليل المعترف الحقيقي في نهاية الدهر الحاضر.

إن المعترف الحقيقي والأصيل هو خادم وصديق ابن الله كما يُعَلِّم القديس يوحنا الدمشقي “إن آولئك المعترفين بابن الله يصبحون هياكل ومساكن طاهرة له ” ” كَمَا قَالَ اللهُ: إِنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا.”(2 كو 6 : 16).
ويقول في سفر الحكمة (3 : 1):” أما نفوس الأبرار فهي بيد الله فلا يمسّها أي عذاب”. وذلك لأنّ موت القديسين هو بالأحرى نومٌ و ليس موتٌ. فالله هو الحياة والنور ومن يُوجَدُوا في يديّ الله يُوجَدُوا في الحياة والنور .
إن في يديّ الله المشاركين في الحياة الدهرية والنور الذي لا يعروهُ مساءٌ كما ذكرنا. ومن بين هؤلاء المُشاركين هناك شهداء الدم، شهداء محبة المسيح، وبين هؤلاء الشهداء من نكرّمه اليوم ألا وهو القديس الشهيد في الكهنة فيلومينوس والذي قد تجرع كأس المسيح كجنديّ مؤمنٍ وحصل على معمودية الموت المحيي كمشارك لألام المسيح ومجده.
ولهذا بالضبط فإنَّ القديس الشهيد في الكهنة فيلومينوس يدعونا لكي نشاركه مجد المسيح المصلوب والناهض من بين الأموات. وهذا ما يعبر عنه القديس بطرس الرسول قائلاً :” أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تَسْتَغْرِبُوا الْبَلْوَى الْمُحْرِقَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ حَادِثَةٌ، لأَجْلِ امْتِحَانِكُمْ، كَأَنَّهُ أَصَابَكُمْ أَمْرٌ غَرِيبٌ، بَلْ كَمَا اشْتَرَكْتُمْ فِي آلاَمِ الْمَسِيحِ، افْرَحُوا لِكَيْ تَفْرَحُوا فِي اسْتِعْلاَنِ مَجْدِهِ أَيْضًا مُبْتَهِجِين”. (1 بطرس 4 : 12-13).
ويوصي القديس بولس الرسول قائلاً :”.انْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ .مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ (أفسس 5 : 15 -16).
وبمعنى آخر يذكرنا “القديس بولس الرسول” بأن الوقت أي الزمان الذي نحيا فيهِ هو زمان الكنيسة وهذا الزمان الكنسي قد افتتحه الإله الكلمة المسيح من خلال مجيئه أي تجسده .
إنَّ زمان الكنيسة هذا يمتدُ إلى يوم حضور الرب الثاني المجيد، وهذا يعني أنه من خلالِ تجسدِ الإله الكلمة قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ” ( مر 1: 15 ).
إنَّ هذه الحقيقة أي حضور ملكوت الله في العالم لا يُدرِكهُ إلا من يحيا في جسدِ المسيح أي في الكنيسة بضميرٍ صالحٍ كأعضاءٍ حيَّةٍ وفعَّالة ولهذا السبب يَعِظُ القديس بولس الرسول قائلاً: هُوَذَا الآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ.( 2كو 6 : 2 ).
“هذا وقتٌ مقبول” وهذا “يومُ خلاصٍ” قد استفادَ منهُ وحصلَ عليهِ من خلال حياتهِ في المسيح قديس كنيستنا الجديد الشهيد في الكهنة فيلومينوس وختمها عبر شهادةِ دمهِ.
ولهذا الوقت المُقدس ، والزمان الكنسيّ نحن مدعوونَ كي نستفيدُ منه ونحصل عليهِ نحن أيضاً من خلال حياتنا في المسيح، خاصة ونحن الآن على أبواب الصوم المُقدس للعيدين العظيمين أيّ عيد ميلاد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح والظهور الإلهيّ.
وختاماً نتضرعُ إلى ربنا ومخلصنا يسوع المسيح بشفاعات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتوليةِ مريم ، وبتضرعات القديسة الشهيدة فوتيني السامرية والقديس الجديد الشهيد في الكهنة فيلومينوس كي نصبح قادرين على أن نحصلَ على “الوقت المقبول” و “يوم الخلاص” مفتكرين دوماً بأن وقت حياتنا الحاضر مُقَصَّرٌ (1كور 7 : 29 ).
آمين