1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث في مدينة اربد 12-12 -2015

وَالْحَاصِدُ يَأْخُذُ أُجْرَةً وَيَجْمَعُ ثَمَراً لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، لِكَيْ يَفْرَحَ الزَّارِعُ وَالْحَاصِدُ مَعًا. لأَنَّهُ فِي هذَا يَصْدُقُ الْقَوْلُ: إِنَّ وَاحِدًا يَزْرَعُ وَآخَرَ يَحْصُدُ.يوحنا (4 : 36-37).
سيادة رئيس أساقفة بيلا كيريوس فيلومينوس الجزيل الاحترام،
أيها المسيحيون الأتقياء،
إنَّ نعمةَ الروح القدس جمعتنا اليوم في كنيسةِ القديس جاورجيوس لكي نُمجد بشكرٍ الإله المثلث الأقانيم بمناسبة مرور قرابة السنتين على تثبيت الراعي الروحي والنيابة البطريركية في منطقة شمال المملكة الأردنية الهاشمية، والتي مركزها هي مدينتكم العريقة إربد .
لأَنَّهُ أَيَّ شُكْرٍ نَسْتَطِيعُ أَنْ نُعَوِّضَ إِلَى اللهِ مِنْ جِهَتِكُمْ عَنْ كُلِّ الْفَرَحِ الَّذِي نَفْرَحُ بِهِ مِنْ أَجْلِكُمْ قُدَّامَ إِلهِنَا؟(1 تسالونيكي 3: 9 ) ، الذي ظهَرَ لنا نحن البشر بوساطة سرّ تجسد الإله الكلمة أي سرّ التدبير الإلهي والذي أنشأ في هذا العالم كنيسته المقدسة وكما يقول داؤود النبي : “أَرْسَلَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ. أَقَامَ إِلَى الأَبَدِ عَهْدَهُ. قُدُّوسٌ وَمَهُوبٌ اسْمُهُ .(مزمور110 : 9 )
لقد أظهر الرب يسوع المسيح كنيسته في العالم وأسسها بدمه الطاهر، وهيّأ خلفاء له ألا وهم الرعاة أي الرسل القديسين الذين هم الأساقفة. وهذا بحسب شهادة القديس بولس الرسول وتعليمه : لأَنِّي لَمْ أُؤَخِّرْ أَنْ أُخْبِرَكُمْ بِكُلِّ مَشُورَةِ اللهِ.
اِحْتَرِزُوا إِذًن لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ.(أعمال 20 : 27-28)
إنّ هذه الوحدة غير المنقطعة والعلاقة بين الراعي والرعية يؤكدها القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل أفسس و يشرحها بكلِ إسهاب من خلال أيقونة البناء المركب المتناسق: فَلَسْتُمْ إِذًن بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ،مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا، يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّسًا فِي الرَّبِّ. الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيُّونَ مَعًا، مَسْكَنًا للهِ فِي الرُّوحِ. (أفسس 2 :19- 22)
وعن طريق الوحي والإعلان الإلهي عُرِفَ هذا السر للكنيسة كما يقول القديس بولس الرسول أَنَّهُ بِإِعْلاَنٍ عَرَّفَنِي بِالسِّرِّ. كَمَا سَبَقْتُ فَكَتَبْتُ بِالإِيجَازِ (أفسس 3:3) .

و يوضِّح بشكلٍ تفصيلي أكثر القديس أغناطيوس المتوشح بالله قائلاً :” حيث يكون الأسقف هناك يجب أن تكون الرعية كما أنه حيث يكونُ المسيح هناك تكون الكنيسة الجامعة (سميرنا 8 : 2 ) متممين كل شيءٍ بلياقةٍ وترتيب في المسيح، لازموا الأسقف ملازمة المسيح لأبيهِ واتبعوا لفيف الكهنة اتباعكم للرسل، واحترموا الشمامسة احترامكم لوصية الله.” (سميرنا 9)
وفي هذا المجال يحدثنا القديس أغناطيوس المتوشح بالله عن النظام والترتيب في كنيسة المسيح وذلك لأنه لا يجوز اعتبار الكنيسة مؤسسة خدمات اجتماعية عالمية ذات صبغة سياسية أو اقتصادية، فالكنيسة هي جسد الإله المتأنس أي المسيح الذي هو في الحقيقة انسانٌ تام وإلهٌ تام “فإنه اتَّخذ من العذراء النقية جسداً. وورد بالجسد الذي اتَّخذه منها ابناً واحداً مثنى بالطبيعة لا بالأقنوم “.
وهذا يعني أنَّ مؤسسة الكنيسة والتي كانت سراً مخفياً وغير معلوم قد ظهرت لنا نحن البشر من الله الآب بابنه الوحيد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح كما يقول القديس بولس الرسول هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ (أفسس 5 : 32). وأيضاً “وَإِذْ كُمِّلَ صَارَ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ، سَبَبَ خَلاَصٍ أَبَدِيٍّ، مَدْعُوًّا مِنَ اللهِ رَئِيسَ كَهَنَةٍ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ. “.(عبرانيين 5 : 9 -10).
ولأجل هذا الهدف الذي هو خلاص نفوسنا في المسيح، تدعونا كنيستنا المقدسة بفم صديق المسيح القديس بطرس الرسول قائلاً :” فَاطْرَحُوا كُلَّ خُبْثٍ وَكُلَّ مَكْرٍ وَالرِّيَاءَ وَالْحَسَدَ وَكُلَّ مَذَمَّةٍ، وَكَأَطْفَال مَوْلُودِينَ الآنَ، اشْتَهُوا اللَّبَنَ الْعَقْلِيَّ الْعَدِيمَ الْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ، إِنْ كُنْتُمْ قَدْ ذُقْتُمْ أَنَّ الرَّبَّ صَالِحٌ.” (1 بطرس 2 : 1-3)
اليوم أيها الإخوة المحبوبون يبتهج قدس الأقداس وتحتفل بالموسم صافّات الملائكة احتفالاً سرّياً مع من نعيّد لهم اليوم من القديسين الشهداء برامون والثلاثمائة والسبعين المستشهدين معه ، ونحن في تعييدنا معهم اليوم نهتف مع جبرائيل قائلين: السلام عليك يا ممتلئةً نعمةً الرب معك ،لأنك سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ”(لوقا 1 : 32).
إن هذا الحدث العالمي ألا وهو ظهور الإله الكلمة” بالجسد ” (تيمو3 : 16) أي ميلاد الرب يسوع المسيح من دماء الطاهرة النقية والدة الإله الدائمة البتولية مريم في بيت لحم يشكل شرطاً جوهرياً لخلاص الإنسان .
وبمعنى آخر تنازل الله الآب وتواضع و ارسل ابنهِ، الإله المتأنس في شخص ربنا يسوع المسيح لكي يرفع الإنسان. أي لقد صار الإله إنساناً لكي نصير نحن الناس آلهةً بالنعمة كما يقول آباء الكنيسة القديسين المتوشحين بالله، القديس أثناسيوس الكبير والقديس غريغوريوس اللاهوتي .
إن أعياد الكنيسة واحتفالاتها يا أحبتي هي حتى يفرح الزارع والحاصد معاً. وأقول هذا لأنّ الأساقفة خلفاء رسل المسيح والذين أنشأوا كنائس في جميع أنحاء المسكونة، قد حصدوا من أماكن أخرى ما زُرِعَ قبلاً وبالمقابل زرعوا هم زرعاً في أماكن أخرى، وما الثمر إلا حقيقة الإنجيل الخلاصية .
“لأَنَّكُمْ لِهذَا دُعِيتُمْ. فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكًا لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ.الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ الَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضًا، وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْل. الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. الَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ. لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ، لكِنَّكُمْ رَجَعْتُمُ الآنَ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَأُسْقُفِهَا”.(1 بطرس 2 : 21-25)
هذا هو الراعي وأسقف نفوسنا المسيح الإله الذي ظهر في المذود لخلاصنا نشكرهُ ونمجدهُ و مع المرتل نهتف قائلين : ” أيها المحب البشر بما أنك إله السلام وأبو المراحم أرسلت لنا رسول رأيك العظيم يمنحنا سلامك. ولذلك إذ قد اهتدينا به إلى نور معرفة الله. نبتكر إلى تمجيدك “.
نشكرُ الله ،إله السلام وأبا المراحم راجين من الله كهنةً وشعباً أن يحفظ شعب المملكة الأردنية الهاشمية وعلى رأسهم حامي الأماكن المقدسة جلالة الملك عبد الله الثاني الجزيل الإحترام .
وكل عام وأنتم بصحة وخيرٍ وسلامٍ
أعياداً مجيدة ومباركة .