1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبةعيد القديس سابا المتقدس في لافرا القديس سابا 18-12-2015.

اَلصِّدِّيقُ كَالنَّخْلَةِ يَزْهُر، وكَالأَرْزِ فِي لُبْنَانَ يَنْمُو.مَغْرُوسِينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ، فِي دِيَارِ إِلهِنَا يُزْهِرُونَ” ( مزمور 91 :13 – 14 )
أيهاالآباء الأجلاء و الإخوة المحبوبون في المسيح،
أيها المسيحيون الزوار الأتقياء،
إن ذكرى أبينا البار القديس سابا المتقدس قد جمعتنا اليوم في ديره المقدس حيث موضع و مكان تنسكهِ لكي نمجد بشكرٍ الإله الذي مجّدَ أبرارهُ .
حقاً إن البار عبدالله القديس سابا مزروعٌ في بيت الله وكالأرز الذي في الصحراء يزهر فضاعف رعية المسيح الخراف العقلية بالبر والعدل .
فقد أحرزَ أبينا البار سابا عبر نسكه الفضائل منذ عمر الطفولة وصار أداة للروح القدس ،وحاز على الاستنارةِ الإلهيةِ وصنع العجائب كما يقول مرنم الكنيسة : ظَهرتَ رأسَ الأبرارِ وَمُساويَ الملائكة, وَمُتقدِّساً مُنذُ الطُفولةِ أيها البارُ سابا, وبما أنكَ عِشتَ عَيشاً سَماوِياً, قُدتَ إلى الحياةِ بالله, بالأقوالِ والأفعال الحقّة, الصارخينَ بإيمانٍ, المجدُ لِمنْ قوّاكَ, المَجدُ لِمنْ كَلَّلكَ, المجدُ لِلفاعِلِ بِكَ الأشفِيَةَ لِلجميعْ .
وُلد القديس سابا في عصر الإمبراطور البيزنطي ثيوذوسيوس الصغير في القرن الخامس للميلاد من منطقة كبادوكية من مدينة اسمها موتالاسكا لأبوين تقيين هما يوحنا وصوفيا.
غادر القديس سابا إلى الأراضي المقدسة إلى صحراء اليهودية وإلى ناسك ذائع الصيت هو القديس افثيميوس الكبير و الذي كان له بصيرةً حسنة فعاين حالة سابا الروحية منذ الطفولة .وكان يسميه” الولد الشيخ” .
وإثر وفاة القديس أفثيميوس صار البار سابا ليس معلماً للبرية و حسب بل مستوطناً فيها و ذلك عبر انشائه ديره ، أي اللافرا، الذي ما زال يُمارَسُ فيه الحياة الرهبانية و يعمل إلى يومنا هذا و قد أسس القديس سابامنشآتٍ وأديرةٍ روحيةٍ أخرى .كما يؤكد هذا مُعاصِرهِ و كاتب سيرته الراهب كيرللس البيساني (سكيثوبوليس) .لقد وُجد أبينا البار سابا مستحقاً لله، فمن جهةٍ يؤكد على هذا أقوال كتاب حكمة سليمان قائلاً: أمَّا نُفُوسُ الصِّدِّيقِينَ فَهِيَ بِيَدِ اللهِ، فَلاَ يَمَسُّهَا الْعَذَابُ. وَفِي ظَنِّ الْجُهَّالِ أَنَّهُمْ مَاتُوا، وَقَدْ حُسِبَ خُرُوجُهُمْ شَقَاءً، وَذَهَابُهُمْ عَنَّا عَطَباً، أَمَّا هُمْ فَفِي السَّلاَمِ.وَمَعَ أَنَّهُمْ قَدْ عُوقِبُوا فِي عُيُونِ النَّاسِ؛فَرَجَاؤُهُمْ مَمْلُوءٌ خُلُوداً(حكمة سليمان 3 : 1 )و من جهةٍ أخرى يؤكد عليه و يشهدُ له ُهذه اللافرا و الدير المُقدس الذي كالنخلة يزهر وو كالأرزِ ينمو.

ويشرحُ القديس كيرلس الأسكندري ما يقوله صاحب المزمور عن أن اَلصِّدِّيقُ كَالنَّخْلَةِ يَزْهُر، و كَالأَرْزِ فِي لُبْنَانَ يَنْمُو:إذ يقول : إن شجر النخل دائماً له أوراق في كافة الفصول ومتجذرٌ عميقاً وله رائحة عطرة و يصنع ثمراً لذيذاً طيباً .وكالنخلة يُشبِهُ آولئك الذين يحيون حياة البر في المسيح .وأما الأرز فإنه يُشير إلى دهرية وأبدية الإنسان البار وسمو نفسه وعظمتها لأن شجرة الأرز عظيمةٌ .
و غير هذا فإنه في داخل كنيسة اللافرا المكرسة للفائقة البركات والدة الإله الدائمة البتولية مريم يوجد جسد أبينا البار القديس سابا المتقدس غير البالي والذي يؤكد على أقوال الكتاب المقدس الروحية :”أَمَّا الصِّدِّيقُونَ فَسَيَحْيَوْنَ إِلَى الأَبَدِ، وَعِنْدَ الرَّبِّ ثَوَابُهُمْ، وَلَهُمْ عِنَايَةٌ مِنْ لَدُنِ الْعَلِيِّ. فَلِذلِكَ سَيَنَالُونَ مُلْكَ الْكَرَامَةِ، وَتَاجَ الْجَمَالِ مِنْ يَدِ الرَّبِّ، لأَنَّهُ يَسْتُرُهُمْ بِيَمِينِهِ َوَبِذِرَاعِهِ يَقِيهِمْ”.(حكمة سليمان 5 : 16)
ختاماً نتضرع إلى الرب أيها الإخوة المحبوبون أن يجعلنا نحن غير المستحقين أن نحظى برحمة لأجل خلاص نفوسنا بشفاعات وتضرعات من نُعيد له ونكرمه اليوم أبينا البار القديس سابا ومع المرتل نهتف قائلين:”لقد حُفظت الصورة التي خُلقت عليها غير مشوَّهة أيها المغبوط. وجعلت العقل بالنسك سيّداً يتسلَّط على الأهواءِ المُهلكة فارتقيت حتى بلغت على قدر الطاقة ،المثال أيضاً الذي فُطِرتَ عليه فإنك اقتسرت الطبيعة. وكبحت جموحها بعزمٍ باسل . وسعيت في اخضاع الأدنا للأفضل .وتعبيد الجسد للروح .فقطنت البرية .فظهرتَ هامة للمتوحدين وممرّناً لمن يبتغي حسن السلوك .ودستوراً للفضيلة مضبوطاً . .فأنت الآن بعد انحلال كثافة المادة تعاين في السماوات الثالوث القدوس بصفاءٍ وتتشفع بلا واسطة في الذين يكرمونك عن ايمان وارتياح”.
آمين
كل عام وأنتم بخير
أعياد ميلاد مجيدة