1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس نيقولاوس العجائبيّ في مدينة بيت جالا 19-12-2015.

“لقد ظهرتَ مناضلاً عن كنيسة المسيح يا كليّ الحماسة يا نيقولاوس، تنقض البدع الكفريَّة بدالّةٍ. ودستوراً لجميع الناس في استقامة الرأي. تتشفَّع في جميعِ تابعي تعاليمك وإرشاداتك الإلهيَّة.” هذا ما يصرَّحُ بهِ مرنمُ الكنيسة.
أيها الأخوة المسيحيون،
ايها الزوار الحسنو العبادة الأتقياء،
لنبّوقنَّ اليوم ببوق الأناشيد ولنرقصنَّ ابتهاجاً بموسم أبينا القديس نيقولاوس المتوشح بالله أسقف ميراليكية العجائبيّ في هذه الكنيسة المُشادة على اسمهِ وفي هذه المدينة التي تَحيا بِحسَبِ مشيئةِ اللهِ وإرادتهِ، وبحماية القديس نيقولاوس وعضده، هذه المدينة التي باركها القديس عندما أتى حاجأ إلى الأماكن المُقدسة لزيارة المغارة الإلهية التي اقتبلت ميلاد إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح في مدينة بيت لحم.
لقد ظهر القديس نيقولاوس أسقف ميرا مدافعاً عن المسكونة جمعاء، وذلك لأن القديس نيقولاوس قد أدرك مجد الله غير المخلوق كما يؤكد هذا مرنم الكنيسة:
“لقد طُفت بفكرك حولَ جمال الأمور التي لا تُعايَن أيها القديس الفائق الشرف. فأدركت بهِ ذلك المجد الرهيب، مجد القديسين، ومن ثمَّ أخبرتنا بأقوالك السماوية عن تلك المناظر الحيّة عَلَى الدوام” .

ولربما يتساءل المرء “ما هو ذلك المجد الرهيب الذي أدركهُ أبينا القديس نيقولاوس؟ وما هي تلك الأقوال السماوية التي أخبرنا إياها عن تلك المناظر الحية على الدوام؟
إنّ ذلك المجد أيّها الأحبةُ ما هو إلا سرُّ تجسدِ الإله الكلمة الذي لا يوُصف من الدائمة البتولية العذراء مريم والذي وصل هذا المجد ذُروتُه عند تَجلي ربنا يسوع المسيح على جبل ثابور كما يشهد بذلك القديس متى الإنجيلي: “وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ،(أي التلاميذ) وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ” (متى 17 : 2 ).
أمّا” الأقوال السماوية عن تلك المناظر الحيَّة” فهو الصوت الذي أتى من السحابة النيّرة على جبل ثابور قائلاً: “هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا” (متى 17 : 5). وبهذا أصبح أبينا القديس نيقولاوس تلميذاً ومبشراً لإنجيل المسيح ابن الله الحبيب ومشابهاً له أيضاً، فقد ظهرَ دستوراً وقانوناً للإيمانِ الأرثوذكسي، ومناضلاً حاراً عن كنيسة المسيح ومداوياً للمرضى.
وبمعنى آخر فقد تمَّم القديس نيقولاوس وصايا الناموس بحرارةٍ تلك الوصايا التي قالها المسيح للفريسيين عندما سألهُ أحدهم: يَا مُعَلِّمُ، أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ الْعُظْمَى فِي النَّامُوسِ؟ فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ.” (متى 22 :35 – 39 ).
إنّ هذه الوصية هي الأولى والعظمى وذلك لأن الله بسبب محبته اللامتناهية واللامحدودة لجنس البشر، قد “ظَهَرَ فِي الجَسَدِ” (1 تيم 3 :16 )، وصار إنساناً في يسوع المسيح الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ.(فيليبي 2: 6 – 8 ).
لقد سارَ أبينا القديس نيقولاوس على خُطى تلاميذِ المسيح والرسل القديسيين وارتقى إلى رئاسة الكهنوت وأصبحَ راعياً أصيلاً لكنيسة المسيح في جميعِ المسكونة، لهذا فقد مَجَدهُ الرب وقدَّسه كمدبرٍ وعالمٍ عظيمٍ لنعمة الله، وهذا ما يشهدُ به أيضاً مرنم الكنيسة “إنّك تسطعُ متلألئاً على الأرض بأشعَّة العجائب يا نيقولاوس الحكيم. وتُحرّك كلَّ لسانٍ على الأرض لتمجيدِ الذي شرَّفك وتسبيحه. فتضرّع إليهِ يا نخبة الآباءِ. طالباً أن يُنجّي من كلّ الشدائد الذين يكرمون تذكارك عن إيمانٍ ولهفة”.
حقاً أيّها الإخوة إنّنا نكرّم اليوم بوقارٍ هذه الذكرى المقدسة لأبي الكنيسة البارز والمُختار أبينا القديس نيقولاوس العجائبيّ. وأقول هذا “لأنهُ دَخَلَ إلى فَرَحِ رَبّهِ” فلا ينفك أبونا القديس نيقولاوس متشفعاً لخلاص نفوس المؤمنين الصارخين إليه: “أيها الرعاة والمعلمون لِنمتدح الراعي المقتدي بالراعي الصالح في الغيرة. وليمتدحنَّ المرضى الطبيب، والذين في الأخطار المنقذ، والخطأة الشفيع، والمساكين الكنز والمضنوكون التعزية والفرج، والمسافرون الرفيق، والُمبحرون الرّبان المدبر. ولنقرّظنّ نحن جميعاً رئيس الكهنة العظيم الذي يتدارك الكل بنشاطٍ في كل مكان قائلين له تداركنا يا نيقولاوس الكلي القداسة، وأنقذنا من الشدة الحاضرة وخلّص رعيتك بتضرعاتك.
وأهلّنا نحن مكرميك وممتدحيك لكي بسلامٍ واتفاق ووئامٍ أنَّ نعيّدَ في قلوبنا لميلاد إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح.
وها نحن أيّها الأحبة في ميدان الصوم المُبارك، وفي مرحلة الاستعداد لاستقبال الذي تجسدَ لأجلنا في مغارة مجاورةٍ لنا في مدينة بيت لحمٍ ووُلد من العذراء مريم بالروح القدس المسيح الإله مخلص نفوسنا.
فلنسارعنَّ ونطلب بحرارةٍ ورجاء من أبينا القديس نيقولاوس العجائبيّ أنّ تشرقَ شمسُ العدل المسيح إلهنا لجميع الساكنين على أرض فلسطين المُقدسة وليمنح الله سَلامهُ لهم جميعاً، ومع المرتل نهتف منشدين: “يا بيت لحم استعدي. ويا مذود تهيَّأ. ويا مغارة استقبلي فقد جاء الحقُ وزال الظلم. وظهر الإله للناس من العذراءِ مُتخِّذاً صورتنا مؤَلِّهاً ما اتخَّذهُ. فآدم وحوَّاء يتجدَّدان هاتِفينَ لقد ظهرت المسرَّةُ على الأرض لتخلّص نفوسنا.
آمين
كل عامٍ أنتم بخير
أعياد ميلاد مجيدة