كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد الآباء و الأجداد في مدينة بيت ساحور 27-12-2015.

“أيُها المُحِبُ البَشر بِما أَنَّك إِلهُ السلامِ وأبو المراحم فقد أرسلتَ لنا رسولَ رأيكَ العظيم مانحاً إيانا سَلامكْ فلذلك إذ قد اهتدينا إلى نور المعرفة الإلهية فنحن نَدَّلج من الليل مُمجدين تنازلك

أيها الأخوة المسيحيون ،
أيها الزوار الحسني العبادة الأتقياء،
إن ذكرى الأجداد الموقرين قد جمعتنا اليوم في هذا المكان المقدس حيثُ كان الرعاةُ ساهرين كما يشهدُ على ذلك القديس لوقا الانجيلي قائلاً” وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ(أي بالرعاة)، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا. فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. (لو 2 : 9- 11) فقد جمعتنا هذة الذكرى لكي باستحقاقٍ نعيّد للجدود القديسين و نكرِّمُهم .

إن إقامة ذكرى آباء ما قبل الناموس أي آباء العهد القديم، إبراهيم ومن معه من الكنيسة الأرثوذكسية المقدسة ، لهُ أهميةً خاصة وذلك نسبةً للحدث الذي لا يقبل الشك فيه كما يؤكد ذلك الإنجيلي يوحنا بأنَّ “الْكَلِمَةُ حقاً صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْننَا “(يو1 : 14).
فإن هذا الإله الكلمة ليس هو إلا ذلك الذي أعلنهُ سابقاً النبي إشعياء العظيم الصوت: ” رسول رأي و إرادة الله الآب العظيم (اشعياء 9 :6) أي “المسيا” أي ربنا يسوع المسيح . “إنها رغبة و إرادة الله و الآب الكبير” يقول القديس مكسيموس المعترف و يكمِلُ قائلاً: “إن السر الخفي و المجهول و اللذي صار تدبيرياً و الذي تممهُ و أعلنهُ بتجسدهِ الإبن الوحيد عندما صار حاملٌ رغبة و إرادة الله الآب قبل الدهور.
لقد أعلن الله لابراهيم السر الخفي والتدبيرِ غير المعروف كما يُعلِّم بذلك القديس بولس الرسول قائلاً:” وَالْكِتَابُ إِذْ سَبَقَ فَرَأَى أَنَّ اللهَ بِالإِيمَانِ يُبَرِّرُ الأُمَمَ، سَبَقَ فَبَشَّرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ “فِيكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ الأُمَمِ”(غلا 3 : 8 ) و أيضاً فقد سبق الأنبياء وتفوهوا بفم إشعياء النبي قائلين “وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ “عِمَّانُوئِيلَ”(إشعياء 7 : 14 ) ،الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا”.(متى 1 : 23)
وبكلام آخر أيها الإخوة الأحبة إن القديسين الأجداد كانوا معاوِنينَ في هذا العالم لإظهار “رغبة الله ورسول أرادتهُ العظيم” أي “المسيح” لأنهم قد سبقوا وهيأوا الطريقَ التي قادت الإنسان إلى نور معرفة الله ، وذلك لأن الإنسان كان يقبع في ظلام الجهل والضلال وعبادة الأوثان واقتيدَ إلى نور معرفة الإله الحقيقي” لِيُضِيءَ عَلَى الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ الْمَوْتِ، لِكَيْ يَهْدِيَ أَقْدَامَنَا فِي طَرِيقِ السَّلاَمِ (لوقا 1 : 79).
لهذا فإن مرنِمُ الكنيسة يهتفُ قائلاً :” لنجتمعن اليوم يا مُحبّي الآباء مسرورين بتذكار الآباء آدم وهابيل وشيتاً وانوش واخنوخ ونوحاً .وابراهيم واسحاق ويعقوب .وموسى و أيوب وهارون . ولعازر ويشوع وباراق . وشمشون ويفتاح .وداود وسليمان .الذين منهم ظهر المسيح الربُّ متجسداً عن فرط تحننه “.
إن حضور المسيح بالجسد بيننا نحن البشر هو الذي مَحقَ ظلام الجهل وحطَّم الفساد أي الموت الذي يَلِدُ الخطيئة كما يشهد بذلك القديس الانجيلي يوحنا ” لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ جِئْتُ وَكَلَّمْتُهُمْ، لَمْ تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةٌ، وَأَمَّا الآنَ فَلَيْسَ لَهُمْ عُذْرٌ فِي خَطِيَّتِهِمْ”. (يوحنا 15 : 22) وأيضاً “فَقُلْتُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ، لأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ(يقول يسوع) تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ”.(يوحنا 8 : 24)
وبحسب القديس بولس الرسول فأن قَلْبَ الموت هو الخطيئة وقوة الخطيئة هي الناموس (الموسوي) “أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ، وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ”.(1كور 15 : 56). إذ أنَّ مركز الموت هي الخطيئة و قوة الخطيئة هي الناموس لأنه لو لم يوجد الناموس سوف لن أعرف الخطيئة وسوف لن يخطئ البشر بمعرفة.
إن كنيستنا المقدسة تُوَقِرُ وتُكَرِمُ ذكرى الجدود القديسين لأن آولئك قد امتازوا بإيمانِهم إذ هم من أبرار شعب العهد القديم وعلاوةً على ذلك لأن من نسل إبراهيم قد جاء المسيح كما يعلِّم بذلك القديس بولس الرسول: “فَإِنْ كُنْتُمْ لِلْمَسِيحِ، فَأَنْتُمْ إِذًا نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَسَبَ الْمَوْعِدِ وَرَثَةٌ”.(غلاطية 3 : 29 ).فإن ناموس موسى كان مؤدِباً لنا ،لأنَّ هذا الناموس (الموسوي) قد أعدَّنا و هَيّأنا لكي نَتلهفُ شوقاً حتى نعرِفَ المسيح ونحصلُ على البرِّ بالايمانِ بهِ كما يقول بولس الرسول :” وَلكِنْ قَبْلَمَا جَاءَ الإِيمَانُ كُنَّا مَحْرُوسِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، مُغْلَقًا عَلَيْنَا إِلَى الإِيمَانِ الْعَتِيدِ أَنْ يُعْلَنَ. إِذًا قَدْ كَانَ النَّامُوسُ مُؤَدِّبَنَا إِلَى الْمَسِيحِ، لِكَيْ نَتَبَرَّرَ بِالإِيمَانِ.وَلكِنْ بَعْدَ مَا جَاءَ الإِيمَانُ، لَسْنَا بَعْدُ تَحْتَ مُؤَدِّبٍ. لأَنَّكُمْ جَمِيعًا أَبْنَاءُ اللهِ بِالإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ”).غلا3 :23- 26).
“بعدما جاء الإيمان”أي الإيمان بالمسيح الذي يحثُّ على الكمال .”الإيمان هو الذي يجعل الإنسان على كاملاً” بحسب القديس يوحنا الذهبي الفم ” و يعلِّم القدس بولس الرسول قائلاً”إِذِ النَّامُوسُ لَمْ يُكَمِّلْ شَيْئًا. وَلكِنْ يَصِيرُ إِدْخَالُ رَجَاءٍ أَفْضَلَ بِهِ نَقْتَرِبُ إِلَى اللهِ”(عبرانيين 7 :19) .
وبكلام آخر إن الناموس لم يستطع أن يقودنا إلى الوحدة مع الله ولكن في العهد الجديد ،عهد المسيح ،أي في داخل الكنيسة لنا ثقةٌ ورجاءٌ ثابتٌ لا يتزعزع أن نقترب من الله .ولهذا السبب عينه يُقام سر الشكر الإلهي والذي يدعى بحقٍ الشركة الإلهية ، كما يعلم القديس أثناسيوس الكبير إذ يقول أنَّ :”الكلمة صار جسداً وذلك لكي يُقَدم جسدهُ ذبيحةً للجميع ،ونحن نأخذ من روحه وذلك عبر الاشتراك في المناولة الإلهية لكي نستطيع أن نكون آلهةً بالنعمة وكل ما سبق سوف يكون مستحيلاً لو لم يرتدي الرب جسدنا البشري .
ختاماً نتضرعُ إلى القديسينَ الأجداد لكي يؤهلنا الرب إلهنا نحن الحراس الساهرين على هذه الأماكن المقدسة ،أماكن الرعاة، وذلك حتى نصل إلى مغارة بيت لحمَ بقلوبٍ نقيةٍ طاهرة مُقدمين الهدايا للطفل المُضجَعِ في المذود،المسيحُ إلهنا، الذي وُلد من دماء الطاهرة النقية و الدائمة البتولية مريم ،وما هذه الهدايا إلا توبتنا وعبادتنا الحسنة ، مُسَبحين الله ومنشدين له و قائلين : المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة .(لو2 : 14 ).
آمين
كلُ عامٍ و أنتم بالف خيرٍ
أعياد ميلاد مجيدة