1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد الأقمار الثلاثة في دير السيدة العذراء “ينبوع الحياة” في دبين-الأردن 12-2-2016

أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل، وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ.فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. (متى 5 : 14-16).
أيّها الإخوة المحبوبون بالمسيح،
أيّها المسيحيون الأتقياء،
إن آلات النعمة الإلهية ، المناضلين عن الثالوث القدوس ،والرسل الثلاثة بعد الإثني عشر، يوحنا وباسيليوس وغريغوريوس قد جَمعونا اليوم في دير السيدة العذراء ” ينبوع الحياة ” المقدس لكي من جهةٍ نُمجد بشكرٍ ربنا وإلهنا ومن جهةٍ أخرى لكي نُكرم أبواق كرازة نور حقيقة المسيح .
حقاً إن آبائَنا القديسون مُعلمو المسكونة باسيليوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتي ويوحنا الذهبي الفم قد استبانوا “الثلاثة الرسل بعد الاثني عشر” وذلك لأنَّ بِهم ومن خلالهم قد أشرقَ ولمع نور الثالوث القدوس أمام الناس ،وبكلامٍ آخر قد لمع نور كنيسة المسيح المقدسة ،أي قد أشرق نور خلاص الإنسان .

لقد صار هؤلاء القديسين رؤساء الكهنة الثلاثة مُتمثلين ومقتدينَ بالقول والفعل بالرسل القديسين لأنهم كرَّسوا أنفسهم لعملهم الرسولي والرعائي بغيرةٍ إلهيةٍ مُتقدة ودالة عظيمة كما يعلّم بذلك ربنا يسوع المسيح تلاميذهُ” فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.(متى 5 : 16 )
ويعلّق القديس يوحنا الذهبيّ الفم على أقوال الرب هذه :
” أنا قد أشعلت النور، وعملكم واجتهادكم أن يبقى هذا النور منيراً ومتوهجاً وليس من أجلكم وحدكم بل أيضاً من أجل آولئك الذين يريدون أن يقبلوا هذا النور ويسيروا في طريق الحق.إن كنتم تعيشون بفضيلةٍ وكما ينبغي وحياة صارمة لائقة بالذين سيقبلون العالم كله فلن تستطيع الافتراءات على إخفاء إشراقكم أظهِروا إذن حياةً مستحقة لنعمتهِ حتى يُرافقكم هذا النور “.
ويقول المُفسرُ زيغافينوس أيضاً :”من أقوالكم و طهارة حياتِكُم سيشرقُ نورُ أعمالكم الحسنة.”
إنه صالح وخلاصي لنا بأن يُثبَّتَ القلبُ بالنعمة كما يقول القديس بولس الرسول” لاَ تُسَاقُوا بِتَعَالِيمَ مُتَنَوِّعَةٍ وَغَرِيبَةٍ،لأَنَّهُ حَسَنٌ أَنْ يُثَبَّتَ الْقَلْبُ بِالنِّعْمَةِ”(عبرانيين 13 : 9 ) وذلك لأنَّه ليس لنا في هذا العالم مدينةٌ أو وطنٌ باقٍ ولكن بشوقٍ كثيرٍ نطلب المدينة العتيدة أي آوروشليم السماوية .”لأَنْ لَيْسَ لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، لكِنَّنَا نَطْلُبُ الْعَتِيدَةَ.” (عبرانيين 13 :14)
وهذا يعني أن الرسل والمعلمين وقديسي الكنيسة جميعاً بشكلٍ عام كانوا يتوقون أولاً إلى النور الإلهيَّ وإلى تقديس ذواتهم حتى يستطيعوا أن يدخلوا إلى المدينة العتيدة أي إلى آوروشليم السماويّة ويُعاينوا هناك مجد الرب كما يقول القديس بولس الرسول:”اِتْبَعُوا السَّلاَمَ مَعَ الْجَمِيعِ، وَالْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ”.(عبرانيين 12 : 14)، وأيضاً كما يحُثُنا القديس بطرس الرسول قائلاً :” قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ، (1 بطرس 3 : 15 ).
إنّ رؤساءَ الكهنة الإلهيين الثلاثة الذين نُكرِمهم اليوم قد كرَّسوا ذواتهم عبر تعاليمهم وطريقة حياتهم في خدمة كلمة الإنجيل من أجل تقديس كل إنسانٍ آتٍ إلى العالم، لأنَّ هذا هو بالحقيقة هدف كنيسة المسيح .
وإن هذه الخبرة ” القداسة في المسيح ” قد أعلنتها مؤخراً كنيسة آوروشليم المقدسة رسمياً وذلك من خلال إعلان قداسة القديس يوحنا الخوزيفي الجديد الذي من رومانيا و الذي نسك في دير القديس جاورجيوس الخوزيفي حيث هناك رُفاتَهُ المقدسة سليمةً و غير بالية أو مُنحلة .
وأريدُ أنّ أُنوِهَ إلى هذا الحدث أيها الإخوة الأحباء ألا وهو” إعلان القداسة “لأنَّه هناك ارتباطٌ وصلةٌ وثيقة بين رئيس خلاصنا وبين آولئك الذين يخلصون بهِ كما يُعلّم القديس بولس الرسول إذ يقول :” لأَنَّ الْمُقَدِّسَ وَالْمُقَدَّسِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ” (عبرانيين 2 : 11) ويُفسر إيكومينيوس قائلاً “لأن الجميع هم من واحد ٍ الذي هو الآب “.
و أضيفُ هنا أيضاً تفسير القديس يوحنا الذهبي الفم الذي يقول:”وكما أن المسيح هو بالحقيقة ابن الآب من جوهره. أما نحن المؤمنين فخليقتهُ”.
وبكلامٍ آخر إن جسد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي هو الكنيسة وهو مصدر النور والتقديس أي الحياة الأبدية كما يقول القديس يوحنا الدمشقي :” إذ كنت ذا الغلبة على الجحيم أيها المسيح الحرُّ في الأموات والمفيض الحياة من نوره الخاص . صعدت على الصليب لكي تنهض مصعداً معك الجالسين في ظلام الموت .فيا أيُّها المخلص القدير ارحمنا “.
فبشفاعات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم وتضرعات القديسين معلمي المسكونة رؤساء الكهنة العظماء باسيليوس وغريغوريوس ويوحنا الذهبي الفم اللذين نُعيّد لهم اليوم أن يُؤهلونا أن نكون مشاركين في ينبوع الحياة الدهرية وهذه المائدة الإلهية الشكرية في ديرالسيدة العذراء ينبوع الحياة في دبين .
فهلمَّوا أيها الإخوة المحبوبون في المسيح نشكر ونتضرع لكلمة الله ،ابن الآب الوحيد وابن العذراء الطاهرة مريم و نهتف مع المرنم قائلين :”يا عروسة الله البريَّة من سائر العيوب إن سيد السموات قد صنع معكِ من الابتداءِ عجائب بديعة وأموراً مستغرَبة لأنهُ قد حلَّ في أحشائِك ظاهراً من العلاء .نظير المطر على الجزَّة وأظهركِ ينبوعاً متدفقاً من كل الخيرات ومفعماً من أنواع الأشفية .واهباً لكل المحتاجين شفاء النفوس وصحًّة الأجساد من ماء النعمة والإحسان بغير بخلٍ”.
آمين