1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس سمعان الشيخ القابل الإله.16-2-2016

وقال سمعان البار:”الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ،لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ، الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ”.(لوقا 2 : 29-32).
إخوتنا المحبوبون بالرب يسوع المسيح،
أيها المسيحيون الأتقياء والزوار الكرام،
لقد جمعتنا نعمة الروح القدس اليوم في هذا المكان المقدس للقديس الشيخ سمعان لكيّ نشكرَ ونُبصرَ عقليّاً الشيخ سمعان حاملاً على ذراعيه سيد الكل ربنا يسوع المسيح .
إن الابن الذي لما أبصره الملائكة انذهلوا، فمن جهة إنَّ هذا السر غير المدرك والذي لا يُعَبَر عنه قد صار لكي يتم ما هو مكتوب بشريعة موسى وأقوال الأنبياء “هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ”. (أشعياء 7 : 14). ومن جهةٍ أخرى لكي كما يقول المرنم:” والغير الموسوع في مكان يوسَعُ على ذراعَيّ الشيخ والمُستقرّ في حضن الآب غيرَ متحيزٍ يتحيَّز طوعاً بالجسدلا باللاهوت . وذلك لتفرُّده بمحبة البَشَر”.

حقاً لقد عاش سمعان البار هذه الخبرة فقد رأى بعينيهِ خلاص الله الآب أي ، المسيح الإله متجسداً ،كما يشهد بذلك القديس لوقا الإنجيلي و بالمقابل أيضاً يقول القديسين باسيليوس الكبير و أثناسيوس الكبير :”لقد اعتاد الكتاب أن يُسمي المسيح ابن الله ،بالمُخلص، و الخلاص بالنسبة لنا هو حضورهِ بالجسد”
وبكلام آخر إن قوة الروح القدس المُنيرة قد جعلت القديس سمعان الشيخ يرى مسبقاً بأن هذا هو المسيح نور العالم أجمع ومخلصه:”الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ.نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ (لوقا 2 : 31- 32).
لقد قال سمعان الشيخ للعذراء مريم أم يسوع بأنّ هذا هو النور الخلاصي الذي وُضِعَ لسقوط وقيام كثيرين:” وَقَالَ لِمَرْيَمَ أُمِّهِ: «هَا إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ”.(لوقا 2 34).
وأيضاً سبق القديس سمعان الشيخ وقال لوالدة الإله العذراء مريم عن الأحزان والآلام التي ستعانيها عند مشاهدتها الآلام وصلب وموت ابنها: “وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ” (لوقا 2 : 35)
ويتحدث القديس لوقا الانجيلي عن حنة النبية التي كانت في هيكل الرب وهي ابنة فنوئيل من سبط أشير والتي كانت مستنيرة بالروح القدس وقد كانت تسبح الله وتشكرهُ وكانت تقول بأنه سيأتي الفداء والتحرر من الأحزان والخطايا لجميع اللذين ينتظرون الخلاص كما يقول المرنم :”اليوم يدخل سمعان الشيخ إلى الهيكل مسروراً بالروح ليقبل على ذراعَيهِ المعطي الشريعة لموسى والمُتمّمها .أمّا ذاك فقد استحقَّ أن يعاين الله بالغمام ويكّلمهُ بصوت المناجاة . ووبَّخ قلوب العبرانيين بوجهٍ محجَّبٍ على كفرهم .وأمَّا سمعان فقد حمل كلمة الآب الذي قبل الدهور متجسّداً . وأعلن للأُمَم (الوثنيين) النور والصليب والقيامة . وحنَّة النبيّة ظهرت كارزةً بالمخلّص منقذ العالم . فلنهتفنّ نحوهُ قائلين : أيها المسيح الهنا بواسطة والدة الاله ارحمنا”.
ويُفسر القديس غريغوريوس بالاماس أقوال القديسة حنة النبية:” وَتَكَلَّمَتْ عَنْهُ (عن الطفل الإلهي ) مَعَ جَمِيعِ الْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ. (لوقا 2 : 38)
ويقول :إن خلاص وفداء الانسان يجب أن يقترِن بالتوبة الحقيقية التي تُقاوم أهوائنا وضعفاتنا . إن هذا الجهاد عليه أن يتصف بكونه “طريقة حياتنا” كصلب الجسد أي إماتة الملذات و الأهواء والرغبات كما يقول القديس بولس الرسول:”وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ”(غلاطية 5 : 24)
ويكمِل القديس قائلاً :إن الأهواء هي التي تدفع الانسان إلى عدم التقوى و الإثم و عدم الايمان لهذا فمن الواجب على المسيحي أن يحيا بطهارةٍ داخلية حتى يسكُن ويقيمُ روح الله فيه. كما يعلم القديس الحكيم بولس الرسول :” إِنْ كُنَّا نَعِيشُ بِالرُّوحِ، فَلْنَسْلُكْ أَيْضًا بِحَسَبِ الرُّوحِ”. (غلاطية 5 : 25)
وبكلامٍ آخر إن عِشنا بحسب الروح القدس فلنتصرف ونعيش إذن بحسب ما يُريدُه ويطلبهُ الروح القدس وليس مندفعين ومتحركين من أنانيتنا و غرور المجد الباطل و يُضيف القديس غريغوريوس بالاماس قائلاً:” علينا أيها الإخوة أن نبتعد عن الأعمال والأقوال غير الطاهرة لكي نستطيع بدالةٍ أن ندعو الله أبانا ، فعندما نعود إليه بحقٍ ، سينظر إلينا ويطهرنا من كل خطيئةٍ ومن كل دنسٍ وعندها سنظهرُ مستحقين لنعمته الإلهية ،لهذا فليكن زمان حياتنا، زمان توبة لأن الله لا يشاء موت الخاطئ “.
إننا نعيّد اليوم أيها الإخوة الأحبة لتذكار القديس سمعان الصدّيق القابل الإله والنبية حنة الذائعين بقوة عن محبة الله الآب التي لا يُسبر غورها في شخص ربنا يسوع المسيح “الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ”. (فيلبي 2: 6-7) “الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْبًا خَاصًّا غَيُورًا فِي أَعْمَال حَسَنَةٍ”. (تيطس 2 : 14)
إن الخلاص الذي رأته أعين الشيخ سمعان” لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ” (لوقا 2 : 30) هو شخص المسيح .
وعليه فإن القديس بولس الرسول يوضِّح من جهةٍ أن الخلاص المنتظر الذي نراهُ نحنُ كأعضاء جسد المسيح هو كنيسته .وذلك لأن الخلاص هو نعمة الله التي ظهرت من خلال تجسد ابن الله . ومن جهةٍ أخرى فهي التي تدربنا حتى نرفض الملذات والرغبات الباطلة لهذا العالم الفاني حتى نحيا حياة البر والعفة ومحبة القريب وتقوى الله . وبهذه الطريقة نستطيع أن نتمتع بخيرات الخلاص التي وهبها المسيح مستمتعين في الغبطة المبهجة بشفاعات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم والبار القديس سمعان القابل الإله . آمين