1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة آوروشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث في بلدة أبوسنان20-2-2016

“ثبّت ياربُّ كنيستك التي اقتنيتها بدمك الكريم.يا ثبات المتوكّلين عليك”
اخوتنا المحبوبون بالرب يسوع المسيح،
أيها المسيحيون الأتقياء والزوار الكرام،
بنفوس مبتهجةٍ أتينا اليوم من مدينةِ آوروشليم المُقدسة أي مكان ذبيحة صليب مُخلصنا المسيح ،لكي نسبحهُ بحمدٍ و تمجيدٍ وذلك لتجديدِ هيكلِ القديس جاورجيوس في موطنكم الغالي أبوسنان ،جئنا مع صاحب المزمور مرنمين و قائلين:”أُخْبِرْ بِاسْمِكَ إِخْوَتِي.فِي وَسَطِ الكَنيسَةِ أُسَبِّحُكَ”. (مز 21 : 22 ).
وهذا لإنهُ بحسبِ القديس بولس الرسول:”إِلهُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الْمَجْدِ… أَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ ( أي المسيح)، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ،الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ”.(أفسس 1 :17 و 22-23)

ويُفسرُ هذهِ الأقوالِ القديس يوحنا الذهبي الفم إذ يقول :”ملئ المسيح الكنيسة، كما أنّ ملئ الرأس هو الجسد ،و ملئ الجسد هو الرأس، وعندما يكتملُ الرأسُ مع الجسدِ عندها يُصبحُ جسدٌ تامٌ كاملٌ، عندما نكونُ نحنُ جميعاً مجتمعين.

وبكلامٍ آخر أيها الإخوة الأحبة إن الكنيسة هي جسد الإله المتأنس والذي من دماء الطاهرة النقية والدة الإله العذراء مريم تجَسَد منها لأجلنا كلمة الله، ربنا و مخلصنا يسوع المسيح .
إن الرب هو الذي يَقُوتُ جسدهُ وَيُرَبِّيهِ: “لأَنَّنَا(نحن) أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ”.(أفسس 5 : 29- 30) فإنّنا نحن المؤمنينُ أعضاء جسد المسيح ويؤكٍّدُ على هذا القديس بولس الرسول في رسالته لأهل كوررنثوس قائلاُ :”فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَادًا”. (1كورنثوس 12 :26 -27)
فمن خلال سر الشكر الإلهي أي “القداس الإلهي” يتمُ تفعّيل جسد الكنيسة وذلك لأن الروح القدس أي روح إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح يفعلُ ويعملُ في الجميع ” وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ، قَاسِمًا لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ، كَمَا يَشَاءُ.”(1كورنثوس 12 : 11)
ويُنبِهُنا القديس بولس الرسول حول عمل الروح القدس فينا إذ يقول :” أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ، لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ.” (1 كورنثوس 3 : 16 -17 )
وهذا يعني أيها الإخوة الأحبة بأنّ الكنيسةَ ، كمكانٍ وكموضع عبادةٍ هي هيكلٌ. فكما هي تلك الهياكل المصنوعة، كذلك فإن أجسادنا هي هياكل و لكنها غير مصنوعة بيدٍ و هي مكان العبادة الطبيعي لذلك فهو يقول:” الإِلهُ الَّذِي خَلَقَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ، هذَا، إِذْ هُوَ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَةٍ بِالأَيَادِي”. (أعمال 17: 24)
ولأنّ نفس الإنسان المؤمنة والمتعبدة تقترنُ وترتبطُ بعلاقةٍ حيّةٍ و شخصيّةٍ بالإله القدوس ، فإذاً من هنا يُصبحُ مكانُ وموضع العبادة ضروريّ ، ولنقرأ هنا من سفر التكوين:” فَاسْتَيْقَظَ يَعْقُوبُ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: حَقًّا إِنَّ الرَّبَّ فِي هذَا الْمَكَانِ وَأَنَا لَمْ أَعْلَمْ .وَخَافَ وَقَالَ: «مَا أَرْهَبَ هذَا الْمَكَانَ! مَا هذَا إِلاَّ بَيْتُ اللهِ، وَهذَا بَابُ السَّمَاءِ».وَبَكَّرَ يَعْقُوبُ فِي الصَّبَاحِ وَأَخَذَ الْحَجَرَ الَّذِي وَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ وَأَقَامَهُ عَمُودًا، وَصَبَّ زَيْتًا عَلَى رَأْسِهِ.وَدَعَا اسْمَ ذلِكَ الْمَكَانِ «بَيْتَ إِيلَ»، وَهذَا الْحَجَرُ الَّذِي أَقَمْتُهُ عَمُودًا يَكُونُ بَيْتَ اللهِ “. (تكوين 28 : 16-19، 22)
وفي سفر أعمال الرسل نقرأ عن:”«هذَا الرَّجُلُ ( أي القديس استفانوس أول الشهداء) لاَ يَفْتُرُ عَنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ كَلاَّمًا تَجْدِيفًا ضِدَّ هذَا الْمَوْضِعِ الْمُقَدَّسِ”. (أعمال 6 : 13)
وبكلامٍ آخر إن العبادة الروحية والعقلية دائماً لها حاجة من الأنواعِ و الأنماط والرموز الخارجية ، فكما أن الأشجار تلتحفُ بالأوراق وكما أن الجسم يغطيهِ الجلد والقشور تغطي البذور، و كما للسيف غمدهِ وكما يشع النور من السراج فبهذة الطريقة علينا أن ننحني و نسجدُ بأجسادنا ،التي هي الهيكل غير المصنوع بيدٍ، في داخل الهياكل المصنوعة بالأيدي لكي كما يقول الرسول يتمجد الله بأجسادنا و أرواحنا التي هي لله.”قسطنطين كلينيكوس من كتاب الهيكل المسيحي”
حقاً إن الله الآب يتمجد بالجسد والروح :”لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيِ للهِ”.(1 كورنثوس 6 : 20) ، من أولئك اللذين يحبون بهاء بيتهِ من خلال المشاركة في جميع ما يتمُّ في بيت الله ،أي الهيكل، إن كانَ من جهةٍ قداس إلهي أو الإشتراك في القرابين السرية المحيية أي جسد و دم ربنا يسوع المسيح الإلهيين من جهةٍ اُخرى.
ونقول هذا لأن بيت الله يشكَّلُ موضع تقديسٍ و نبع تقديس في المسيح لا يفرُغ للمؤمنين لأن في بيت الله يتمُّ سرٌّ عظيم ألا و هو سر الشكر العظيم ” أي القداس الإلهيّ” فبهذا المعنى يتوضح بأن هيكل الله هو المذبح الحقيقي لمجده الذي لا يُدرك.
وهذا أيضا ما نشهدُهُ في هذه الأيام المباركة التي نُعيِّد فيها لعيد دخول السيد إلى الهيكل أو وما يسمى أيضاً بعيد اللقاء لربنا و مخلصنا يسوع المسيح الذى حُمل على ذِراعيّ الشيخ سمعان في هيكل سليمان.
فاليوم تفرُح كنيسة آوروشليم مع أبنائها الروحيين المجتمعيين معها في تجديد بيت الله و مع المرنم نهتفُ قائلين “لقد قدَّمتك إلى الهيكل ياربُّ أمُّك التي لم تعرف رجلاً.لكي تُتِمَّ تدبيرك الذي لا يُفسَّر .فلمَّا أبصرك الشيخُ هتف يقول :الآن اطلق عبدك أيها السيّد .لأنَّك أتيت لتخلّص العالمَ أيها المسيح النور الأبوي.
ختاماً نتضرعُ إلى ربنا و إلهنا لكي بشفاعات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم وتضرعات أبينا البار القديس برثينيوس اسقف لمباسكة نقبل في قلوبنا و عقولنا نور الخلاص الذي رأتهما أعين الشيخ سمعان الصدّيق. آمين