1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث في بلدة الجديّدة.27-2-2016

أيها الإبنُ تيموثاوس …أُوصِيكَ أَمَامَ اللهِ الَّذِي يُحْيِي الْكُلَّ، وَالْمَسِيحِ يَسُوعَ الَّذِي شَهِدَ لَدَى بِيلاَطُسَ الْبُنْطِيِّ بِالاعْتِرَافِ الْحَسَنِ: أَنْ تَحْفَظَ الْوَصِيَّةَ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ لَوْمٍ إِلَى ظُهُورِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ،الَّذِي سَيُبَيِّنُهُ فِي أَوْقَاتِهِ الْمُبَارَكُ الْعَزِيزُ الْوَحِيدُ مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ، الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ. آمِينَ(1 تيم 6 : 13 -16 ) بهذا يُوصي الرسول بولس تلميذهُ تيموثاوس.
اخوتنا المحبوبون بالرب يسوع المسيح،
أيها المؤمنون الحسنو العبادة،
نُمجدُ الله أبينا الذي في السماوات الذي أهلنّا اليوم لأن نأتيّ إلى مدينتكم التاريخية العريقة مدينة الجديّدة لكي نرى أعمال أيديكم الصالحة ونمجدُ الله ونشكرُهُ، لكي ، كما يقول الرب لتلاميذهِ و للذين من بعدهم، أي جميع المؤمنين بهِ ، والذين يحبونَهُ و يحبّونَ كنيستهُ:” فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ”(متى 5 : 16 ).
وللخدّام المدعوون أنّ يخدموا الكنيسة نرى القديس الرسول بولس وهو يعظُ ويعلِّمُ تلميذهُ تيموثاوس حول عظمةِ و أهمية بيت الله أي الكنيسة فَلِكَيْ تَعْلَمَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي بَيْتِ اللهِ،الَّذِي هُوَ كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ،عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ.(1تيم 3 :15 )
واعلم أنهُ :عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ. .(1تيم 3 :16 )

حقاً أيها الإخوة الأحبة إن كنيستنا المقدسة هي جسد الله الحيّ عمود الحق وقاعدته ،فنحن اللذين اعتمدنا على اسم الثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس نصبحُ أعضاءً في هذا الجسد ،أي جسد المسيح، لهذا فإن الحكيم القديس بولس الرسول يدعونا “أَنْ نَحْفَظَ وَصِيَّةَ (الله) بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ لَوْمٍ إِلَى ظُهُورِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ “. (1تيم 6 : 13)
و من خلال “حفظ وصية(الله)”، يُنَبِهُنا القديس بولس الرسول إلى التعليم الرسوليّ و العقائديّ لآباءِ كنيستنا القديسين ولاسيما إلى حياتنا الطاهرة ،و يوضح القديس يوحنا الذهبيّ الفم مفسراً أقوال القديس بولس الرسول :”أنه علينا أن نكونّ متمسكين بعقائدنا و طاهرين و أن لا نلوثَ سيرة حياتنا بأيٍ من الشوائب ”
وقد عنى القديس بولس الرسول بقولهِ” إِلَى ظُهُورِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ “” أي إلى ذلك اليوم الذي سوف ترى فيهِ كل قبائل الأرض ابن الإنسانِ آتيا بقوةٍ و مجدٍ كثيرين كما يشهد بذلك القديس متى الإنجيليّ”وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ (أي المسيح) آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ”. (متى 24 : 30).
إن المسيح أيها الإخوة الأحبة هو “الآتي” فهكذا دعاهُ الأنبياءِ قديماً وهكذا دعاهُ أيضاً القديس يوحنا السابق قائلاً:”إِنَّ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي صَارَ قُدَّامِي،لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي (يوحنا 1 : 15) وهكذا هتف إليهِ الجمع عندما سمعوا بقدوم يسوع المسيح إلى آوروشليم:”أُوصَنَّا مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ (يوحنا 12 : 13 ).وفي سفر الرؤيا يدعو القديس يوحنا الإنجيليّ ربنا يسوع المسيح بأنهُ:الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي(رؤ 1: 4 )
وربما يتبادر إلى الذهن السؤال التالي، لماذا حضر الله إلى هذا العالم؟
فنجيبُ :إن مجيء الله أي حضورهُ في هذا العالم يعود لأمرين،
أولاً: إلى إدراكنا البشريّ المحدود و الضعيف لعظمة الخليقة، كما يردد النبي داوود، مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ ،كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ (مز104 : 24 )
وثانياً : لمحبتهِ للبشر اللامحدودة ،تأنس و تجسد كلمة الله لأجل خلاص جنس البشر:”لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ(متى 9 : 13 ). فالتوبة أيها الأحبة هي عبور الذهن من الخطيئة إلى البر و من المرض إلى الصحة كما يقول القديس يوحنا السلمي:” التوبة هي تعهّد لله بحياةٍ ثانية” و كما يقول القديس كليمنضس الاسكندري :”إن الخطيئة إثمٌ طوعيّ، والإثمُ الطوعي شرٌ هو” وبحسب القديس يوحنا الإنجيليّ كُلُّ إِثْمٍ هُوَ خَطِيَّةٌ، وَتُوجَدُ خَطِيَّةٌ لَيْسَتْ لِلْمَوْت(1 يو 5 : 17 ) . بكلامٍ آخر أيها الإخوة الأحبة،إن ظهور ربنا يسوع المسيح بالمجد ،ليس هو إلا يوم الدينونة كما يقول القديس يوحنا الإنجيليّ: وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ ( يو 3: 19)
إن هذا النور هو، حقيقة المسيح المحييّة، والذي لم يستطع الناس أن يقبلوا هذه الحقيقة بسبب عدم إيمانهم، لهذا فقد سبق القديس بولس الرسول وأنبأ قائلاً:” لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ (2 تس 2 : 12 )
إن كنيستنا المُقدسة هي سفينة الخلاص وهي تدعونا اليوم عبرَ فم القديس بولس الرسول قائلاً:” وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ اللهِ فَاهْرُبْ مِنْ هذَا، وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالصَّبْرَ وَالْوَدَاعَةَ.جَاهِدْ جِهَادَ الإِيمَانِ الْحَسَنَ، وَأَمْسِكْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي إِلَيْهَا دُعِيتَ أَيْضًا، وَاعْتَرَفْتَ الاعْتِرَافَ الْحَسَنَ أَمَامَ شُهُودٍ كَثِيرِينَ.(1تيم 6 : 11 -12).
إنَّ “الإعتراف الحسن ” هوأسلحةُ النور(أي المسيح)”(رو 13 : 12 ) والذي تسربلناهُ عند معموديتنا المقدسة كما يقول بولس الرسول” لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ (غلا 3 : 27 ).إن المسيح هو نور البر لذلك فإن القديس بولس العظيم يحثُنا قائلاً: فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ(افسس 6 : 14 ) أي قفوا مصطفين في الجهاد ،و اربطوا الحقيقة حولكم كحزامٍ،حتى يمنحكم نور الحقيقة القوة الروحية و البسوا درع البر لكي تستطيعوا أن تنجوا من سهام الشريرو لا تنجرفوا في أي عمل أثيم ضد قريبك.
هذا أيها الأحبة هو هدف زمان الإستعداد للدخول في زمن الصوم الأربعيني المبارك لكي يَكُونَ لَنَا ثِقَةٌ فِي يَوْمِ الدِّينِ (1 يو 4 : 17 ) أي في يوم ظهور ربنا و مخلصنا يسوع المسيح .
ختاماً نتضرع إلى إلهنا و مخلصنا يسوع المسيح بشفاعات سيدتنا و الدة الإله الدائمة البتولية مريم و بتضرعات من نقيم تذكارهُ اليوم القديس أبينا البار أفسكنديوس الذي في الجبل و نهتف إليه مع المرنم قائلين :” إذا تصورت كثرة أفعالي الرديئة أنا الشقي،فإني أرتعدُ من يوم الدينونة الرهيب لكنّي إذ أنا واثقٌ بتحنُّن اشفاقك أهتف إليك مثل داوود ارحمني يالله كعظيم رحمتك”.
آمين