1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة آوروشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس بُرفيريوس في مدينة غزة 13-3-2016

لقد ثبتَّ على صخرة الإيمان ولَجَّ بك الشوق لصخرة الإيمان، التي رأها دانيال،أي المسيح إلهُنا، فرفعتَ صوتكَ وذِهنكَ نحو الخالق و هزمتَ مضايقيك الذين يُحاربونك بالجسد بمُقلاعِكَ أيها الأب الجليل برفيريوس المُدافع عن غزة.
أيها الأخوة المحبوبون بالمسيح،
أيها المسيحيون الحسنو العبادة ،
نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.(1كو1 : 3 ) نشكرُ الإله الثالوثيّ القدوس الذي أهلنا اليوم في الإشتراكِ بجسدِ ودم إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الكريم المحييّ في هذا القداس الإلهي أيّ “الإجتماع الشكريّ” لكي نقيم تذكار أبينا البار القديس بُرفيريوس في هذا الدير المقدس المُشيّدِ على اسمهِ في مكانِ وموضعِ أسقفيتهِ ألا وهي مدينتكم التاريخية غزة،و التي هي دائماً وأبداً محطَ اهتمامنا الروحي والتي هي دوماً تحت الوصايةِ الكنسيّة لبطريركية المدينة المقدسة العريقة آوروشليم وسائر فلسطين .

لقد برع َ أبينا بُرفيريوس في أسقفيتهِ للكنيسة . ليس لأنه بارٌ و عجائبيٌّ وحسب، بل لأنهُ قد نجحَ أيضاً في تخليص مدينة غزة من عبادة الأوثان محطماً و داكاً جميع هياكل غزة الوثنية ، فقد برعَ في مواجهَةِ الهراطقة بطريقةٍ فعّالة وطردهم خارج غزة، و قد نجحَ في هذا لأنه كما يقول المرنم “كان ثابتاً على صخرة الإيمان، أي المسيح ، وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ.(1 كو10 :4 ).
و يعلّمنا القديس بولس الرسول قائلاً” اثبُتوا عَلَى الإِيمَانِ،مُتَأَسِّسِينَ وَرَاسِخِينَ وَغَيْرَ مُنْتَقِلِينَ عَنْ رَجَاءِ الإِنْجِيلِ(كول 1 : 23 ).
إنَّ الإِيمَانُ بالمسيح الذي هُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى (عبر 11 :1 ) و يُعتبرُ الإيمان ميتاً و مُعطّلاً إن لم يُعبَّرُ عنهُ بالأعمال الصالحة ،كما يُعلم القديس يعقوب أخو الرب:” مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ، هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟” (يع 2 : 14 ).
إنَّ الإِيمَانُ ،” إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ” (يع 2 : 17 )….. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ بِدُونَ رُوحٍ مَيِّتٌ، هكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا بِدُونِ أَعْمَال مَيِّتٌ(يع 2: 26 ).
إن الإيمان الذي نقبلهُ من السماع و الإصغاء إلى الكتب الإلهية أي من تعليم الروح القدس يكتمِلُ عن طريقِ تطبيق وصايا ربنا يسوع المسيح و يشرحُ القديس يوحنا الدمشقيّ عن أحدِ أنواع الإيمان قائلاً: “الإيمان من السماع .فنحن بإصغائنا إلى الكتب الإلهية ،نؤمن بتعليم الروح القدس .وهذا يتمّ متى آمنا بجميع الشرائع التي وضعها المسيح وكانت التقوى رائدنا ،ثم عمِلنا بوصايا من أعادَ تجديدنا .و الذي لا يؤمن بمقتضى تقليد الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية أو يشترك مع إبليس في أعماله الشريرة ،هو غير مؤمن .
هذا هو بالفعل الايمان الذي يُعبّرُ عنهُ بالأعمال الذي يُظهِرُ التقوى و حفظ وصايا المسيح الذي أعاد تجديدنا ،هذا الايمان المقرون بالأعمال يشكّلُ الكنز المدعوون نحنُ أن نكنزهُ في السماء إذ يقول الرب في انجيل متى:” اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ صَدَأٌ، وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ”(متى 6 : 20 ).
إن هذا الكنز قد حَفِظَهُ أبينا البار القديس بُرفيريوس رافعاً صوتهُ إلى ربنا و إلهنا و حافظاً ذهنهُ في شركةٍ مع الله ثابتاً دون توانٍ او انقطاع و بكلامٍ آخر إنَّ القديس بُرفيريوس قد حفظَ وصية الرب الأولى تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ (متى 22 :37 ) وبالطبع فإنَّ الوصية الثَّانِيَةُ مِثْلُ الأولى وهي أن:” تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ(متى 22 :39 ).
حقاً أيها الأخوة المحبوبون إنَّ أبينا القديس بُرفيريوس قد ظهر خادماً و كاهناً لربنا يسوع المسيح الذي يسود على الحياة و الموت.و قد نجح قديسنا بإماتة الأهواء بواسطة النسك و السهر و الصلاة مقتدياً بالرب يسوع المسيح الذي صَامَ في البريةِ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً (متى 4: 1 -2 ).
هوذا الآن زمان الفضائل ،الذي هو زمان الصوم والتوبة و زمان الخشوع و الإحسان هذا ما يصْدّحُ بهِ مُرنم الكنيسة قائلاً:”لقد انفتح ميدان الفضائل فلِجوا أيها المؤثرون الجهاد متمنطقين بجهاد الصوم الحسن لان المكافِحينَ بمفترضِ الكفاح يُكلَّلون بواجبٍ.فلنتدرَّع بالصليب و نبارزُ العدوّ محاربين، مُمتلكين الايمان كسورٍ غير منصدعٍ والصلاة كدرعٍ و الصدقةُ كخوذةٍ و عوض الحُسام ،الصيام الباتر من القلب كل رذيلةٍ .فالذي يصنع هكذا فإنهُ يقتبلُ الإكليل الحقيقي من المسيح ملك الكل في يومة الدينونة.”
عندها يهتف المُخلص نحوهُ قائلاً: “لستُ أُثِرُ هلاك جبلتي لكن أشاءُ أن تخلص و إلى معرفة الحقّ تُقبِل لأن الآتي إليّ لا أطرحهُ خارجاً”
هذا هو ما يصبو ويهدِفُ إليهِ الصوم و بالأخص الصوم الأربعيني المقدس الذي نلتقي في نهايتهِ، بالفصح ، أي بربنا و إلهنا و مخلصنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات .
فيعلّمنا القديس بولس الرسول قائلاً:” ياإخوةُ إِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ.(رومية 13 :11 -12 )
إن أسلحة النور هذه التي هي محبة المسيح والبر و السلام والمصالحة هو ما تُنادي بهِ حقاً كنيسة آوروشليم المقدسة فبشفاعات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم و بتضرعات أبينا المُحامي و المُدافع عن غزة القديس بُرفيريوس، لتكن نعمة ربنا و مخلصنا يسوع المسيح مع جميعكم .
آمين