1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد بشارة سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم في مدينة الناصرة.7-4-2016

يقول مرنم الكنيسة:”إنَّ كلمةَ الآب انحدرَ إلى الأرضِ وملاكاً منيراً هتفَ نحو والدة الإله افرحي أيتها المباركةُ التي حفظتِ وحدكِ الخدر لمَّا قبلتِ الحبَل بالرب الإله الذي قبل الدهور لكيما يخلص جنس البشر من الطغيان بما أنَّهُ الإله” .
إخوتنا المحبوبون بالرب يسوع المسيح،
أيها المسيحيون الأتقياء والزوار الكرام،
لقد ظهرَ لنا اليوم في عيد بشارة والدة الإله البهيج ، بريق الخلاص ، مرسلاً علينا كُلنا نوراً ساطع الضياء في هذا المكان الفائق القداسة أي مدينة الناصرة حيث اجتمعنا اليوم ، لكي بشكرٍ نُسَبِّحُ مُطوِّبين مع رئيس الملائكة جبرائيل منبع النور والحياة ربنا يسوع المسيح .
إن كنيسة المسيح المقدسة تفرح بعدلٍ اليوم وذلك لأنَّ السر الخفي منذ الدهور و الذي أنبأ عنهُ و أذاعهُ النبي العظيم الصوت إشعياء عن تجسد كلمة الله من دماء النقيةِ الطاهرة العذراء مريم ،كما يقول مرنمُ الكنيسة:”إن السرَّ الذي قبل الدهور قد عُرف اليوم لأن الإله كلمة الله صار بتحننه ابناً لمريم البتول وجبرائيل ينذر ببشائر الفرح فمعهُ لنهتف بأَسرِنا :افرحي يا أم الرب .

إنّ حدثَ بشارةُ الفرحِ هذه قد أكّدت عليها شهادة القديس لوقا الإنجيليّ الصادقة إذ يقول :” أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ… ، إِلَى العَذْرَاءَ مَرْيَمُ. . فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ: ” إِفْرَحِي، أيَّتُها الُمْمَتِلئَةُ نِعْمَةً”، اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ.. »فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً…. فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَقَالَتْ مَرْيَمُ:هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ”(لوقا 1: 26-38).
إنّ العطاء الذي لا يُمكنُ إنكارهُ الذي قدمتهُ والدة الإله للجنس البشري، يعود لأنّه منها قد تجسد كلمة الله ربنا يسوع المسيح بدون تحول ولا تغّير . وخلّص جنسنا البشري من ضلال الشيطان ومن اللعنةِ القديمة .وبكلامٍ آخر إنّ القديسة مريم العذراء النقية قد حَررت جنس البشر من قيود الخطيئة ومن الموت والفساد .
إنّ اسم العذراء مريم يعني السيدة وهذا لأنّ والدةَ الإله تسود على الجميع وهي أيضا المُحرِرَة وسبب وعلة حريةِ جنس البشر ،كما يؤكِدُ هذا القديس غريغوريوس بالاماس الذي يقول:” إن الفائقة القداسة هي سيدة بمعنى الكلمة وذلك لأنها تسود على الجميع :ولماذا؟؟ أولاً : لأنها حَمَلتْ و ولدت بطريقةٍ إلهية سيّدُ الجميع بالحقيقة ، ثانياً : لأنّها المُحرِّرة من العبودية .ثالثاً : لأنها استلمت سيادةً وسلطاناً روحياً. و رابعاً : لأنها منذ ولادتها الرب يسوع المسيح ،أصبحت منبع وعلة الحرية لجنس البشر.
وحتى نوجز ما سبق، فإنّ السيدة العذراء والدة الإله هي علّة ومنبعِ حريةَ جنس البشر وذلك لأنها ولدت المسيح مُحَرِرُ نفوسنا كما يقول الحكيم القديس بولس الرسول:” “فَاثْبُتُوا إِذًا فِي الْحُرِّيَّةِ الَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا الْمَسِيحُ بِهَا، وَلاَ تَرْتَبِكُوا أَيْضًا بِنِيرِ عُبُودِيَّةٍ”.(غلاطية 5 :1) .
إنَّ تَحُررَنا من عبوديةِ الخطيئة والموت والفساد كما يقول القديس بولس الرسول: “لأَنَّهُ مَنْ دُعِيَ فِي الرَّبِّ وَهُوَ عَبْدٌ، فَهُوَ مُعْتَقٌ للرَّبِّ، وكَذلِكَ مَنْ دُعِيَ وهُوَ حُرٌّ فَهُوَ عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ”. (1كورثوس 7: 22) ، هو أيها الإخوة الأحبة فحوى رسالة عيد اليوم عيد بشارة سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم .
إن حقيقة الكرازة و السر الفائق الطبيعة الذي لايُدرك لحلول الروح القدس على العذراء مريم وتظليلها بقوة العلي عند حبلها :”هَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ” (لوقا 1 : 31-32 )قد أكّد عليهِ مخلصنا الرب يسوع المسيح عبر أعمالهِ وعجائبه و أكملهُ من خلال آلام صليبهِ و بيّن لنا الفائدة الخلاصية العظيمة للكرازة والتبشير عبر قيامته من بين الأموات وصعوده إلى السموات وإرساله الروح القدس على تلاميذه الرسل القديسين في اليوم الخمسين .
“إذ قد رأينا ولادةً غريبة فلنتغرَب عن العالم وننقلَ عُقُولنا الى السموات ” هذا ما يقولهُ كاتب خدمة المديح الذي لا يجلس فيه، إذّ يَحُثنا أنهُ لو أردنا أن نفهمَ هذه “الولادة الغريبة” وهذا السر العجيب هناك طريقةً واحدةً لفهم وإدراك هذا ألا وهي أن نتغرب عن” سِيرَة العالم الْبَاطِلَةِ (1بطرس 1: 18) التي تحيط بنا ” وذلك لأنّ :الْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ”. (1 يوحنا 2 :17) وبحسب القديس يوحنا الإنجيلي هذا ما فعلتهُ تماماً العذراء مريم والدة الإله قائلةً للملاك :”هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ” (لوقا 1 :38)
إن التغربَ عن العالم لا يعني أن نتنكر ونرفض الحياة والخليقة التي هي عطية الله “الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ”.(عبرانيين 11 :10) بل أن ننقل عقولنا إلى السموات إلى الإله الكلمة المسيح لأنه بحسب القديس يوحنا الإنجيلي”لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ”.(1 يوحنا 2 :16)
ختاما نتضرع نحن اللذين كرَّمنا اليوم الكلمة الأقدس من كل القديسين الذي حملته في أحشائها الفائقة على كل البركات العذراء مريم والدة الإله ،ومع رئيس الملائكة جبرائيل نهتف مع المرنم ونقول ” افرحي يا ممتلئة نعمه الرب معك , لانه منك قد جاء الخلاص المسيح إلهنا الذي أخذ طبيعتنا واتحدها به تضرعي به لكي يخلص نفوسنا ويهبنا السلام وللعالم أجمع.
آمين
كل عام و أنتم بألف خير