1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة الفصح المجيد 1-5-2016

ثيوفيلوسُ الثالثُ
برحمةِ اللهِ بطريركُ المدينةِ المقدسةِ آوروشليمَ
وسائرِ أعمالِ فلسطينَ
إلى أبناء الكنيسةِ أجمعينَ، نعمةٌ ورحمةٌ وسلامٌ لكم من القبرِ المقدّسِ المانحِ الحياةِ
قبرِ المسيحِ القائمِ منَ بين الأمواتِ.

السلام عليكِ يا صهيون المقدَّسة أمُّ الكنائس ومسكن الله.
فأنتِ أول من اقتبل مغفرة الخطايا بالقيامة.
(استيشرات القيامة اللحن الثامن)

سحراً جداً والظلام مازال يغشى القبر حيثُ دُفِن فيهِ يسوع المسيح الناصري المصلوب ملك اليهود. أسرعت النسوة ومعهنَّ مريمُ إلى القبر والظلمة تخيّم على عقولُهنَّ والحزنُ يكتنفهنَّ من حدث صلبِ الرب، تسللت الحيرةُ إليهنَّ عندما وجدنَ الحجرَ مدُحرجاً عن باب القبر، فاندهشنَّ من منظر القبر الفارغ وأخذَتهنَّ الرِّعدة عندما ظنّن: أنهم أَخَذُوا السَّيِّدَ مِنَ الْقَبْرِ، فبادرن قائلات: لَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ! (يو 20: 2)

أمينٌ هو الله “الذي صَنعَ الخلاصَ في وسطِ الأرضِ ” فقد سُرَّ الله بأنَّ يُخلّص جِنس البشر عبرَ ابنهِ الوحيد تَجسدَ وصُلِبَ، ولم يتركه في القبر ولم يَدَعهُ يرى فساداً. فالمسيح المصلوب والمدفون في القبر قد قام بقوة الآب الإلهية. قام منتصراً على قوى الظلام والجحيم وسلطانه، أي الشيطان، قام من بين الأموات مُنهضاً آدمَ وكلَّ ذُرِيَتهِ معه.
لهذا نوقن بأنّ رسالة الرجاء الخلاصيّة التي تفوّه بها “الملاكان المتّشحان الضياء” لمريم المجدلية والنسوة اللواتي كن معها قد حولّت حزنهن فرحاً وقد امتلأن بهجة وسروراً عند مشاهدتهنَ المسيح المصلوب وعليه آثار المسامير ناهِضاً من بين الأموات بجسدهِ المُمجد البهيّ يقولُ لهنَّ “افرحنّ”. فَتَقَدَّمَتَا وَأَمْسَكَتَا بِقَدَمَيْهِ وَسَجَدَتَا لَهُ (متى 28: 9)
وكشهود عيانٍ لهذا الحدث الفائق الطبيعة ألا وهو قيامة يسوع المسيح المصلوب من بين الأموات لم تكن النسوة حاملات الطيب من عاين الحدث فقط بل الرسل القديسون أيضاً تذوّقوا طعم هذا الفرح فأسرعوا إلى القبر ورأوا وأبصروا بأعينهم: الْمِنْدِيلَ الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ لَيْسَ مَوْضُوعًا مَعَ الأَكْفَانِ، بَلْ مَلْفُوفًا فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ (يوحنا 20: 7).
وقد أكدَّ الرب يسوع المسيح قيامتهِ لرسلهِ القديسين مراتٍ عديدةٍ” اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ (أعمال 1: 2) فعندما كانت الأبواب مغلقة وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ، حَيْثُ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ، جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ، وَقَالَ لَهُمْ: “سَلاَمٌ لَكُمْ!” (يوحنا 20: 19) وأيضاً وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تَلاَمِيذُهُ أَيْضًا دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ. (يوحنا 20: 26). وفي الطريقِ إلى عمواس ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ. (لوقا 24: 27) وأيضاً عندما اتَّكَأَ مَعَهُمَا، أَخَذَ خُبْزًا وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَنَاوَلَهُمَا، (لوقا 24: 30)
وعلى بحر طبريا عندما سأل تلاميذه ُ شيئاً من “المأكول ” وبأمرهِ “اصطادوا الكثير من السمك”. (يوحنا 21: 5-6) وأَخَذَ الْخُبْزَ وَأَعْطَاهُمْ وَكَذلِكَ السَّمَكَ. (يوحنا 21: 13)
وأيضاُ عندما أَخْرَجَهُمْ خَارِجًا إِلَى بَيْتِ عَنْيَا. (لوقا 24: 50) ارْتَفَعَ “إلى السماء” وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ. (أع 1: 9) وجلس عن يمين الآب ومجّد وألّه طبيعتنا البشرية
وقد تمم الرب مواعيده وأرسل من الآب مُعزياً آخر مُنيراً أذهان التلاميذ حيث: ظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ. وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا (أع 2: 3) بعظائم الله في آوروشليم أولاً ومن ثم إلى أقاصي الأرض فاقتنصوا المسكونة وجذبوا الكثير من الشعوب إلى حضن الكنيسة بصنارة تعاليمهم.
إنّ الكنيسة هي جسد المسيح المقدس التي اشتراها بدمهِ الكريم مثبتاً إياها في الأرض وخاتماً إياها بالروح القدس. لذا فهي تصنع عمله الخلاصي في كل العالم إلى اليوم مقتدية بأوامرهِ، وتحرص على أن تُكرِزُ دوماً للتعايش والمصالحة والسلام، شافيةً جروح الإنسان ومقدسةً ومخلصةً ومعزيةً إياه روحياً ومسددةً احتياجاته المادية، ومتقاسمةً خبزها مع الفقراء والمعوزين ومتعاطفة بمحبةٍ ونشاط حقيقي مع المُهمشين واللاجئين وضحايا العنف والإرهاب.
وختاماً يا أحبائي فإننا نؤكّد أنّ كنيسة آوروشليم صهيون المقدسة، هي أول من اقتبل مغفرة الخطايا بالقيامة تحافظ على هذه الأرض المقدسة ومزاراتها التي تعدّ شاهداً ناطقاً ودليلاً حيّاً لظهور المسيح على الأرض.
وتصلي وتتمنى لرعاياها ولزوارها الأتقياء من داخل القبر المقدس المانح الحياة الصحة والسلام والاستقرار والازدهار وزمان فصح سعيدٍ مقدس هاتفين بفرحٍ لا يوصف المسيح قام.

مع أدعيتنا وبركاتنا الأبوية
الداعي لكم بحرارةٍ من أعماق القلب
ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة آوروشليم