1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أوروشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس جاورجيوس اللابس الظفر في مدينة عكا

هلمّوا كلُّنا بعد تعييدنا عيد القيامة المجيدة البهيجة الحافل. نعيّد لموسم الشهيد جاورجيوس البهيج الذي ظهرَ صنديداً غير مقهورٍ، ونتوّجَهُ بأزهارٍ ربيعية. لكي ننالَ بتضرعاته النجاة من الذنوب والضيقات. هذا ما يقوله مرنم الكنيسة،
أيها الإخوة المحبوبون المسيحيون،
أيها الزوار المسيحيون الحسني العبادة،
إنّ ذكرى شهيد محبةِ المسيح القديس جاورجيوس قد جمعتنا اليوم في عكا في هذه الكنيسة المقدسة التي تحمل اسمهُ حتى نحيي هذه الذكرى الإلهية بفرحٍ وابتهاجٍ ونحصل على نعمةٍ من لَدُنِ مُخلصنا يسوع المسيح من جهةٍ ومن جهةٍ أخرى لكي نحتفل سويةً بالقيامة المجيدة.
إنّ القديس جاورجيوس الذي نُكّرِمُهُ اليوم قد اقتدى بآلام صليب المسيح فاستبان كصّدّيقٍ وأزهر كالنخلة في سماء الكنيسة وزُرع في بيت الرب في أيام الاضطهادات الصعبة على زمان الامبراطور الروماني ديكلتيانوس.

فوقف قِديسُنا بشجاعةٍ، مذيعاً بجهارةٍ عن إيمانه المسيحيّ أمامَ الإمبراطور الوثنيّ زاجِراً إياهُ على عبادة الأوثان وعلى بُطلانِها وموبِخاً الذين يؤمنون بها، فبكّتَ ظلم ولاة عصرهِ لذلك فنحن نكرمه اليوم كصّدّيقٍ اقتدى “بذلِكَ الانسان الْبَارَّ” (لو 23: 47)
هلمّ يا ناظمَ الترانيم المتقدّم في الأنبياء. عبّر لنا عن الصديّق الذي أزهَرَ مثل النخلة. من يكونُ هو؟ أنه الشهيد جاورجيوس العظيم المقال. إذ يقول القديس النبي داود” اَلصِّدِّيقُ كَالنَّخْلَةِ يَزْهُو، كَالأَرْزِ فِي لُبْنَانَ يَنْمُو. مَغْرُوسِينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ، فِي دِيَارِ إِلهِنَا يُزْهِرُونَ. أَيْضًا يُثْمِرُونَ فِي الشَّيْبَةِ. يَكُونُونَ دِسَامًا وَخُضْرًا، لِيُخْبِرُوا بِأَنَّ الرَّبَّ مُسْتَقِيمٌ. صَخْرَتِي هُوَ وَلاَ ظُلْمَ فِيهِ. (مزمور 91: 13-16)
الله قادرٌ…بِرُّهُ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ (2 كو 9: 9) لقد ظهر لنا برُّ المسيح الإلهيّ أيها الاخوة بصليب المسيح وقيامته وذلك لإنّ صليب المسيح والقبر الفارغ هما اللذان أظهرها القديس جاورجيوس اللابس الظفر شهيداً عظيماً لمحبة المسيح.
مَمْلُوئِينَ مِنْ ثَمَرِ الْبِرِّ (فيلبي 11:1) ومحبة، مخلصنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات، للبشر التي لا حدّ لها. لهذا فإنّ صديق المسيح، الشهيد جاورجيوس، مع الرسل وسائر القديسين والأنبياء قد بشروا البشر أجمعين أنّنا في المسيح خليقةً جديدةً. وهذه الخليقة الجديدة هي ظهور كنيسة المسيح في العالم والتي هي على مثال الملكوت في السماوات. إنّ ملكوت السماوات هو بِرُ المسيح، وبِرُ المسيح هو نور القيامة، أي نور الحقيقة. لأنّ الرب يقول” أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ (يوحنا 11: 25-26)
وفي موضعٍ آخر يقول:” أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ». (يوحنا 8: 12) فهذا هو السبب الذي لأجله يقول مرنم الكنيسة القديس يوحنا الدمشقي” أيها المسيح المخلص. إننا أمس قد دفنا معك فنقوم اليوم معك بقيامتك. أمس قد صلبنا معك. فأنت مَجدنا معك في ملكوتك.
إنّ ذكرى القديس جاورجيوس تؤكّد على الحدث العالميّ ألا وهو قيامة إلهنا ومخلصنا المسيح من بين الأموات. ويعلّم القديس يوحنا الذهبي الفم قائلاً: “لا تخشى الموت، لأن موت المسيح مخلصنا قد حررنا”. وهذا لأنه كما يقول القديس بولس الرسول الحكيم أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ؟ لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ. (رومية 6: 3-5)
إنّ كنيسة أورشليم المقدسة تعلّم وتبشرُ على مرِ العصور بهذا الحدث الخلاصيّ ألا وهو قيامة مخلصنا المسيح وتحافظ على هذا التعليم بدون زيغٍ أو غشٍ، نقياً من أي احتيالٍ أو اختلاط.
وإنّ أردنا أن نكون على مثال القديس جاورجيوس اللابس الظفر، علينا أيها الإخوة الأحبة أن نحافظ على هذا التعليم المقدس وتقليد الرسل القديسين الذي تسلمناهُ منهم منِ كل سهام الشرير المتطايرة، هذه السهام التي هي اليوم بمثابة ديكلتيانوس وبيلاطس معاصرين لنا.
فليكن لنا فكر المسيح. هذا ما يقولهُ الرسول بولس إلى تلميذه تيموثاوس “لأَنَّهُ سَيَكُونُ وَقْتٌ لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ الْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ، فَيَصْرِفُونَ مَسَامِعَهُمْ عَنِ الْحَقِّ، وَيَنْحَرِفُونَ إِلَى الْخُرَافَاتِ. (2تيم 4: 3-4)
إنّ هذا التعليم الصحيح الصادق أي تعليم الرسل القديسين قد حافظ عليه حتى الدم القديس جاورجيوس اللابس الظفر كما يقول مرنم الكنيسة” كشهيدٍ ومجاهدٍ لا يُهزم ومدافعٍ ومحارب عن الإيمان حارٌ وكسورٍ لا يتزعزع احفظ الآن وخلص أيها الحكيم جاورجيوس الذين يكرمونك بتضرعاتك
ختاماً أتضرع أيها الإخوة الأحبة إلى إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات وبشفاعات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم وبتضرعات القديس جاورجيوس اللابس الظفر العظيم في الشهداء أن يؤهلنا لنور المسيح القائم من بين الأموات الذي لا يعروه مساءٌ.
المسيح قام… حقاً قام.