1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد هامتي الرسل بطرس وبولس في مدينة كفرناحوم 12-7-2016

لقد وفد بازغاً يسبب الخلاص على كنيسة المسيح عيد الرسولَيْن الموقَّر. فلنتهلّل مُبتهجين ابتهاجاً روحياً. ولنهتف نحوهما قائلين: السلام عليكما يا كوكَبيْن نيّرين للذين في الظلام. وشعاعَيْ شمس البرّ. السلام عليكما يا بطرس وبولس يا قاعدتَي العقائد الإلهية الراسخَتَيْن. فيا صديقَي المسيح الإناءيْن الكريمَيْن. احضرا بيننا حضوراً غير منظورٍ. وامنحا المواهب غير الهيولية للذين يمتدحون عيدكما بالأناشيد هذا ما يقوله مرنم الكنيسة.
أيها الأخوة المحبوبون بالمسيح،
أيها الزوار المسيحيون الأتقياء،
تتهلل وتبتهج اليوم كنيسةَ المسيح المقدسة بعيد القديسيّن الرسوليّن الكلّي مدِيحِهما هامتيّ الرسل بطرس وبولس أصدقاءِ المسيح، الآنية الشريفة الكريمة قاعدتي العقائد الإلهية الراسخة. كما يقول مرنم الكنيسة.
حقاً إنَ القديسيَن الرسوليَن بطرس وبولس يُشَكّلان الأساسات الراسخة ليس فقط للبشارة في حقيقة المسيح المحيية الخلاصية بل أيضاً في إعلانهما عن قوة التوبة. فبولس يقرُّ معترفاً بأنه كان مضطهداً لكنيسة المسيح “فَإِنَّكُمْ سَمِعْتُمْ بِسِيرَتِي قَبْلاً فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ، أَنِّي كُنْتُ أَضْطَهِدُ كَنِيسَةَ اللهِ بِإِفْرَاطٍ وَأُتْلِفُهَا”. (غلاطية 1: 13) قبلَ أنّ يتلقى الإنجيل ويتعلمه وذلك من خلال رؤيا وإعلان يسوع المسيح لهُ “وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الإِنْجِيلَ الَّذِي بَشَّرْتُ بِهِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَبِ إِنْسَانٍ. لأَنِّي لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ. بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ”. (غلاطية 1: 11-12)
وأما بطرس الذي أنكر المسيح ثلاث مرات كما يشهد إنجيل البشير متى” فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ يَسُوعَ الَّذِي قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا”. (متى 26: 75).

فكما بولس كذلك بطرس أيضاً أظهرا وأبانا من خلال توبتهما محبةً وتواضعاً وغيرةً فحصلا من المسيح الإله والمخلص العادل على الجوائز والأكاليل كما يقول القديس غريغوريوس بالاماس: إذ قال لبطرس: “وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا”. (متى 16: 18)
وأما لبولس “فَقَالَ الرَّبُّ لحنانيا: «اذْهَبْ! لأَنَّ هذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ”. (أعمال 9: 15)
ويكملُ القديس غريغوريوس بالاماس قائلاً: أنظرتم كم هو البهاء والشرف والمساواة في الكرامة التي تُظهرها كنيسة المسيح لبولس ولبطرس؟ لهذا فإن الكنيسة عبر تعييدنا لهما اليوم معاً في آنٍ واحد تُوضِح أنّها منحت الشرف والكرامة لكليهما بالتساوي.

إن كنيستنا المقدسة أيها الإخوة الأحباء تكرم بالتساوي هامتي الرسل بطرس وبولس وذلك لأنهما لم يكونا فقط ممتلئين بالروح القدس والنعمة الإلهية ولكن لأنهما أيضاً أصبحا شاهدين على آلام الصليب الذي دعاهما إلى بشارة الإنجيل كما يقول مرنم الكنيسة: “لقد أقمت نفس المسيح الكلمة الإله العالم بكلّ شيءٍ شاهداً على محبَّتك له يا بطرس. ومن ثم سلَّمك الرعيةَ المحبوبة”.
وأيضاً: ” لقد كرزت من آوروشليم بالإنجيل لكل الناس يا بولس. ودرت تجوب الأرض كلّها حتى أقاصي الإلّيريكون. وعلَّمت صارخاً: مباركٌ أنت يا إله آبائنا”.
فلا يوجدُ أدنى شك بأنّ المسكونة قاطبةً قد استنارت بنورِ إنجيل المسيح عبر الرسل القديسين وبالأخص القديس بولس الرسول والذي دُعيَّ رسول الأمم (أي الوثنيين). “فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا الأُمَمُ: بِمَا أَنِّي أَنَا رَسُولٌ لِلأُمَمِ أُمَجِّدُ خِدْمَتِي” (رومية 11: 13).
إن عيد القديسَيْن هامتيّ الرسل “الجالبةً لنا الخلاص” قد جمعتنا اليوم في مدينة كفرناحوم هذه المدينة التاريخية التي ورَد ذِكرها في الإنجيل والتي هي منشأُ القديس بطرس الرسول ومسقِطَ رأسه لكي نُكرم مبشري الإنجيل من جهةٍ ومن الجهةِ الأخرى نُصبِحُ مشاركي الروح القدس ومستنيرين بنعمة الرسل وبركتهم من الجهةِ الأخرى.
ويحُثُنا القديس غريغوريوس بالاماس في عظته على أن نتمثل اليوم بالرسل الذين نكرمهم وإذا كان من الصعب علينا التمثل بهم في كل شيء فعلى الأقل أن نتمثل بتوبتهم وتواضعهم وذلك لأن تقويمنا وتصحيحنا عبر التوبة يناسبنا بالأكثر إذ إننا نجترم الخطايا في كل يوم ولا يوجد لنا رجاء بالخلاص إلا التوبة المستمرة. فالقديس النبي داوود عندما شعر بثقل خطيئته قال:” اِرْحَمْنِي يَا اَللهُ، لأَنِّي أنا عَارِفٌ بإثمي، وَخَطِيَّتِي أَمَامِي في كلِ حين (مزمور 50: 5)
وذلك لأننّا بمعرفتنا خطايانا نجتذُب رحمة الله، ويتبع معرفتنا لخطايانا، توبيخنا لأنفسنا وتقريع ذواتنا وهذا ينتِجُ حزناً وهذا الحزن هو الذي دعاه القديس بولس الرسول “الحزن بحسب الله ” “لأَنَّ الْحُزْنَ الَّذِي بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يُنْشِئُ تَوْبَةً لِخَلاَصٍ بِلاَ نَدَامَةٍ، وَأَمَّا حُزْنُ الْعَالَمِ فَيُنْشِئُ مَوْتًا”. (2كور 7: 10)
وبمعنى آخر أيها الإخوة الأحباء إن هامتي الرسل ومعلمي المسكونة بطرس وبولس المتشفعَيْن لكنيستنا دائماً يدعوان الجميع للقداسة عبر التواضع والتوبة اللتين يكرزان بهما بالقول والفعل” كَأَوْلاَدِ الطَّاعَةِ، لاَ تُشَاكِلُوا شَهَوَاتِكُمُ السَّابِقَةَ فِي جَهَالَتِكُمْ، بَلْ نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ.لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ”. (1 بطرس 1: 14-16) وأيضاً “فَإِذْ نِلْنَا هذِهِ الْمَوَاعِيدُ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ، مُكَمِّلِينَ الْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ اللهِ.” (2كور 7: 1)
ختاماً نتضرع إلى ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح ومع المرتل نهتف قائلين: أيتها العذراء النقية والدة الإله تضرعي إلى الرب أن يهِبنا بشفاعاتك أيتها النقية غفران الزلات وخلاص نفوسنا لأنه رحيمٌ ومحبٌ للبشر، فيا بطرس صخرة الإيمان ويا بولس فخر المسكونة ثبتا الرعية التي اقتنيتماها بتعاليمكما”
آمين