1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة آوروشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد الرسل الاثني عشر الأطهار13-7-2016

فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ.وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ. (متى 28 :18-20)

لقد أشرقَ عيدٌ بهيج على شاطئ بحر طبريا حيث أظهر يسوع المسيح نفسهُ لتلاميذه. إن هذا العيد وهذا الحدث البهيج يعود إلى الأمس ويرتبط به ألا وهو عيد هامتي الرسل بطرس وبولس عند ساحل كفرناحوم.

وأما اليوم فهو عيدٌ جامع للرسل الاثني عشر القديسين المجيدين الأطهار هذا المكان المقدس الذي وطأته قدما ربنا ومخلصنا يسوع المسيح.

إنَّ كنيسة المسيح المقدسة تُكرِّم بشكلٍ خاص الرسل القديسين أي تلاميذ المسيح لأنّهم من جهةٍ أصبحوا شهوداً بأعينهم وآذانهم على كلمة الله المتجسد ومن جهة أخرى لأنهم أخذوا الروح القدس وقَبِلوه “وَلَمَّا قَالَ هذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ.” (يوحنا 20 :22) وأُرسِلوا إلى أقاصي المسكونة لكي ينشروا إنجيل الحقيقة والنور ويُذيعوه “فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا: سَلاَمٌ لَكُمْ! كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا. وَلَمَّا قَالَ

هذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ.مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ”. (يوحنا 20: 21-23)

وبحسب شهادة القديس متى الإنجيلي فإنَّ يسوع ” دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ حَتَّى يُخْرِجُوهَا، وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ.” (متى 10: 1)

إنَّ الروح القدس والسلطان الذي أخَذهُ التلاميذ على طرد الأرواح الشريرة وشفاءَ كُلَّ مرضٍ وكُلَّ ضُعفٍ يشكِّلُ الخصائصَ والملامح المعروفة للرتبة الرسولية والتي تأسس عليها من بعدهم خلفاؤهم من الأساقفة ورعاة الكنائس.

وكما يقول القديس كليمص الرومي:

لقد كان للرسل القديسين الإرشاد من الروح القدس لكي يذيعوا البشارة وينشروها ويخبروا بأنه قد اقترب ملكوت السماوات في المدن والبلدان، وكل الذين سمعوا وأطاعوا مشيئة الله فبعد أن امتحنهم الرسل عمدوهم وقدموهم بواكير لله وساموهم أساقفة لكي يخدموا هم بدورهم أيضاً أولئك المزمعين أن يؤمنوا فيما بعد.

وبمعنى آخر إنّ القديسين هم الأساس الذي بُنيت الكنائس عليه وشيدت وسِيمَ فيها أساقفةٌ وخدامٌ كما يقول مرتل الكنيسة: فيما أنت ابن الله بالطبع. أيها الإله السيّد الفائق الصلاح. تبنَّيت تلاميذك أولاً. ثم جعلتهم وَرَثةً بالوضع للميراث الأبويّ. وارتضيت بأن يجالسوك.

ويُشير القديس بولس الرسول إلى المصالحة والاتحاد الذي تمّ من الله الآب في يسوع المسيح بين الأمم واليهود موضحاً ومشدداً على أنّ عمل الرسل القديسين الاثني

عشر في مؤسسة الكنيسة كان من خلال الروح القدس وبالاستنارة منه إذ يقول:” لأَنَّ بِهِ لَنَا كِلَيْنَا قُدُومًا فِي رُوحٍ وَاحِدٍ إِلَى الآبِ. فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ، مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا، يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّسًا فِي الرَّبِّ.” (أفسس 2 :18-21)

حقاً يا إخوتي إن الرسل القديسين هم أولئك الذين أرسوا قواعد الإدارة ونظام السلطة في الكنيسة وذلك عبر المجمع الذي حصل في آوروشليم بإرشاد القديس يعقوب أخو الرب “فَاجْتَمَعَ الرُّسُلُ وَالْمَشَايخُ لِيَنْظُرُوا فِي هذَا الأَمْرِ.” والمقصود (فِي هذَا الأَمْرِ) أي تلك الأمور العالقة والتي ظهرت حديثاً وقد أخذ المجمع الأول المنعقد في آوروشليم على عاتقهِ حل هذه الأمور العالقة (أعمال 15: 6)

لقد كان الروح القدس هو الذي يُحرك الرسل القديسين وباستنارة الروح القدس خطّوا ونقشوا عقائد الكنيسة التي هي صحة الإيمان (تيطس 1: 13) وكما يشهد سفر أعمال الرسل رَأَيْنَا وَقَدْ صِرْنَا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ (أعمال 15: 25) وأيضاً لأَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ (أعمال 15: 28).

فها قد عرفنا لماذا يدعو الحكيم بولس الرسول الرسل القديسين بأنهم الأساس وأنّ ربنا يسوع المسيح نفسه هو حجر الزاوية وهذا ما يؤكده ناظِم تسابيحِ الرسل القديسين إذ يقول:

لقد اقتبلتم جميعاً أيها الحكماءُ نور الروح القدس كلَّه. ظاهراً فيكم ظهوراً جوهرياً في العليّة. فتلقنتم “أيها الرسل” أسرار التعليم السامي. فتُغبَّطون الآن عن استحقاق.

إنّ من نكرمهم اليوم من الرسل القديسين وبالأخص هامتي الرسل بطرس وبولس اللذين أصبحا صياديّ الناس فهما يدعواننا مع الرسل القديسين أنّ نصيرَ عاملين مستحقين في كرم ربنا يسوع المسيح الخلاصي بشفاعات سيدتنا والدة الإله الفائقة البركات الدائمة البتولية مريم ونتضرع ختاماً إلى حجر زاوية الكنيسة أي ربنا ومخلصنا يسوع المسيح ومع ناظم تسابيحِ الرسل القديسين نقول:

أطلق لساني يا مخلّصي. ووسع فمي واملأْهُ كلاماً. وأفعم قلبي خشوعاً. حتى أتَّبع ما أقول. وأعمل أنا أولاً بما أعلّم. فقد قيل أنّ من يعمل ويُعلم فذاك يكون عظيماً. فإني إن كنتُ أقول ولا أعمل بما أقول أُحسَب كنحاسٍ يطنُّ. فلذلك امنحني أن أنطق بما يجب وأعملُ بما يوافق. يا متفرّداً بمعرفة خفايا القلوب.

آمين