1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس النبي إيليا التسبيّ 2-8-2016

إنّ إيليا النبي، لمّا شاهد آثام الناس الكثيرة، ومحبّة الله للبشر التي لا تحدّ، احتدم غيظاً، وأنشأ كلام القساوة لدى المتحنّن هاتفاً: أيها القاضي العادل، أسخط على الذين عصوك. لكن تحنّن الصالح، لم يجنح بالكلية لعقوبة الذين خالفوه، لأنّه، على الدوام، يتوقّع توبة الجميع، المحبُّ البشر وحده، هذا ما يتفوه به مرنم الكنيسة.

أيها الأخوة المحبوبون بالرب يسوع المسيح،

أيها الزوار المسيحيون الأتقياء،

إنّ الملاك بالجسم، قاعدة الأنبياء وركنهم، السابق الثاني لحضور المسيح، إيليا المجيد الموقر، قد جمعنا اليوم في هذه الكنيسة المُشيّدة على اسمهِ في هذا المكان المقدس لكي نُكَرِمُ تذكارهُ الموقر.

لم يتميز النبي إيليا فقط من أجل رتبتهِ النبوية بل من أجل غيرَتهُ الإلهية المتقدة كما يقول مُرنم الكنيسة: إنّ إيليا النبي، ذا العقل السماوي، لمّا شاهد أنّ الجميع قد ابتعدوا عن الرب الإله، وانقادوا إلى عبادة الأوثان، اضطرم بالغيرة، فمنع السحب، وجفَّف الأرض، وأغلق السماوات بكلمةٍ قائلاً: لا تكون على الأرض قطرة إلاّ بفمي.

وهذا ما يؤكِدُ عليهِ القديس يعقوب أخي الرب في رسالتهِ الجامعة قائلاً:”كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ .ثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا.”(يع 5: 17 -18).

حقاً أيها الإخوة الأحبة إنّ غِيرة القديس النبي إيليا المُتقِدة قد أهلتهُ لأن يُصبِحَ معايناً لأسرار(الله) التي لا يُنطق بها، وموبِخاً للخطأة ولمتعدّيي الشريعة، ومدافعاً عن المظلومين، وحاضراً دائماً عند المصابينَ بالأمراضِ كما يقولُ مرنم الكنيسة: “أيّها النبيُ الكارِزُ بالمسيح، إنّك غيرُ منفصلٍ البتّةَ من كرسيّ العظمة، وحاضرٌ دائماً عند كلّ أحدٍ من ذوي الأسقام. فيا أيّها الخادِمُ في الأعالي، والمبارِك المسكونة، الممجَّدُ في كلّ صقعٍ، استمدَّ الغفران لنفوسنا”.

إنَّ كرازة وأقوال القديس إيليا التسبيّ النبوية وشخصيته القوية لهما علاقةً مباشرة بإنسانِ عصرِنا الحاليّ الذي يتَصِفُ بالعولمة، وأقول هذا لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ. (افسس 5: 16)

وَالْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّير. (1يو 5: 19) ِ

إنّ القديس النبي إيليا، “قد أحرز حياة النعمة ” أي الروح القدس، فقد سبق وتنبأ بتجسد الإله الكلمة، شمس العدل أي المسيح ابن الله الحقيقي بثمانمائة وستة عشر سنة. فنحن أيها الأخوة أعضاء الكنيسة أي أعضاء جسد المسيح ” وَنَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ (كما يُبشرنا القديس يوحنا الإنجيلي) وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هذَا هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ .(1يو 5: 20). وبشكلٍ تحليلي أكثر، نحنُ نعرفُ أن ابن الله قد جاء وأعطانا نحن المؤمنين أذهاناً وعقولاً

قادرةً أن تعرف الإله الحقيقي، ونحن مُتَّحدين مع الإله الحقيقي عبر ابنهِ الوحيد يسوع المسيح الذي هو الإله الحقيقي والحياة الأبدية.

وبكلامٍ آخر إنّ كنيستنا المُقدسة تنظرُ إلى القديس إيليا النبي الذي صعد إلى السماء ليس كنبيٍّ لشمس العدل المسيح إلهنا فحسب، بل أيضاً كمثالٍ ونموذجٍ ليقظة عقولنا وأذهاننا كما يكرِزُ قائلاً القديس بطرس الرسول في رسالتهِ ” وذلك لأننا قد حصلنا على مواهب وإحسان الله العظيم فعلينا أن نكون حذرين و جامعين أفكارنا و محرريها من كل ما يُعيقُ إنساننا الداخلي من التقدم نحو المسيح وخدمتهُ وضابطين ذواتنا، راجين دون شكٍ بأننا سننال نعمة الخلاص في اليوم الرهيب، يوم مجيء ربنا و مخلصنا يسوع المسيح و استعلان مجدهِ” لِذلِكَ مَنْطِقُوا أَحْقَاءَ ذِهْنِكُمْ صَاحِينَ، فَأَلْقُوا رَجَاءَكُمْ بِالتَّمَامِ عَلَى النِّعْمَةِ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا إِلَيْكُمْ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. (1 بط 13:1)

لقد تذوق مسبقاً القديس المتوشح بالروح إيليا وتنبأ عن نعمة رجاء الخلاص كما سيكون في مجيء الرب الرهيب الثاني وذلك عند حضوره على جبل ثابور عندما تجلى ربنا يسوع المسيح أمام تلاميذه وأظهرَ لهم مجدهُ.

لقد صار القديس النبي إيليا معايناً لمجد الله وشاهداً عليهِ بعينيه وآذانه لذلك فنحنُ مدعوون أيضا اليوم لأن نكونَ مشاركين ومساهمين هذا المجد بشفاعاته. وتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ. وَإِذَا مُوسَى وَإِيلِيَّا قَدْ ظَهَرَا لَهُمْ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ. (متى 17: 2– 3)

وغنيٌّ عن القول إن مشاركة القديس النبي إيليا في حدث تجلي ربنا ومخلصنا يسوع المسيح يظهرُ ويُوَضِح نور إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح ومحبته للبشر التي لا يُسبَرُ غورها ” الذي يشاء أن الكلَ يخلُصون وإلى معرفة الحق يُقبِلون”

إن معرفة الحقيقة أي المسيح، يرتبطُ بشكلٍ مباشر بمعرفة التاريخ البشري أو بالأحرى معرفة نهاية الأمور كلها أي المجيء الثاني ومعرفة حقيقية المسيح هي التي يجب أنّ نسعى في طلبها.وذلك أيها الأخوة حَتَّى إِذَا أُظْهِرَ يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ، وَلاَ نَخْجَلُ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ (1 يو 2: 28) بحسب الرسول الإنجيلي يوحنا.

إن نهاية هذا العالم والمجيء الذي صار كارزاً نارياً لها من نعيّدُ ونقيمُ تذكارهُ اليوم القديس المجيد العظيم النبي إيليا والسابق الثاني لحضور المسيح كما يقول المرنم:

يا إيليا التسبيتيُّ، إنّ المركبة النارية التي رفعتك، كأنما بزلزالٍ، إلى السماوات، قد منحتك نعمةً نارية، ألاَّ تعاين موتاً، إلى أن تكرز بنهاية الكلّ. فلذلك احضر مانحاً لنا أن نتلقَّن فضائلك.

ختاماً نتضرع إلى ربنا ومخلصنا يسوع المسيح لكي بشفاعات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم وتضرعات القديس المجيد إيليا التسبيتيُّ أن نحظى بثقةٍ في ذلك اليوم الرهيب، يوم الدينونة العظيم.

آمين

كل عامٍ وأنتم بألف خير