1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد تجلي ربنا ومخلصنا يسوع المسيح على جبل ثابور 19-8-2016

لقد تجلَّيت أيها المسيح الإله على الجبل، فعاين تلاميذك مجدك بحسب ما استطاعوا. حتى أنهم لما أبصروك مصلوبا أدركوا أن موتك طوعيُّ باختيارك. وكرزوا للعالم بأنك أنت شعاع الآب حقاً. هذا ما يتفوه به مرنم الكنيسة،

أيّها الأخوة الأحباء،

أيّها الزّوار الأتقياء الحسنو العبادة،

هلمّوا يا جميع معاشر أهل العالم ومَن فوق العالم. انهضوا بنشاطٍ لتسبيح المسيح إلهنا الذي أهلنا أن نجتمع اليوم على جبل ثابور لكي بشكرٍ وابتهالٍ نُعَيِّد لتجلي ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح.

لقد أقامت كنيستنا الأرثوذكسية المقدسة تذكار تجلي مخلصنا يسوع المسيح الإلهي الذي بحقٍ يدعو معاشر أهل العالم ومَن فوق العالم لتسبيح إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح. وهذا بسبب سمو وأهمية هذا العيد لطبيعة جنسنا البشري وذلك لأن المسيح اليوم على جبل ثابور غيَّر طبيعة آدم التي كانت قد أظلمت فجعلها تتلألأُ وألَّهها.

إن المسيح بكلامٍ آخر قد ألّه طبيعة البشر التي كانت مظلمة وفاسدة وذلك عبر قيامته الثلاثية الأيام من بين الأموات صائراً سيداً على الحياة والموت. وذلك لأنه عندما اتخذ طبيعة جنسنا البشري، أدخلها من خلال آلامه المحيية الخلاصية وقيامته إلى مملكته الإلهية ومجده الذي لا يُسبر غوره.

ويوضح مرنم الكنيسة بأن تلاميذ المسيح قد صاروا مشاركين ومُعاينين لنور هذا المجد الإلهي وذلك قبل آلامه بقليل إذ يقول: “حتى أنهم (أي التلاميذ) عندما يبصروك مصلوباً يدركون أن موتك طوعيُّ باختيارك. ويكرزوا للعالم بأنك أنت شعاع الآب حقاً”. إنّ بهاء النور الذي لا يوصف الذي تلألأ على جبل ثابور ليس هو إلا لاهوتهِ الذي كشفهُ المسيح لملقَّني أسرارهِ.

وبكلامٍ آخر إن المسيح قد أظهر لتلاميذه أنه ليس فقط إنسانٌ تامٌ بل إلهٌ تامٌ مساوٍ للآب والروح القدس في الجوهر. لهذا فقد أظهر مجد ألوهيته لتلاميذه كما يشهد القديس لوقا الإنجيلي: “وَفِيمَا هُوَ (المسيح) يُصَلِّي صَارَتْ هَيْئَةُ وَجْهِهِ مُتَغَيِّرَةً، وَلِبَاسُهُ مُبْيَضًّا لاَمِعًا. وَأَمَّا بُطْرُسُ وَاللَّذَانِ مَعَهُ فَكَانُوا قَدْ تَثَقَّلُوا بِالنَّوْمِ. فَلَمَّا اسْتَيْقَظُوا رَأَوْا مَجْدَهُ”. (لوقا 9: 29-32)

وبحسب شهادة القديس متى الإنجيلي فإن المسيح: “تَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ (أي أمام تلاميذه)، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ”. (متى 17: 2).

إن هذا النور هو نور الآب الأزلي غير المخلوق والمسيح ابن الله هو في “الحقيقة شعاع الآب” كما يقول مرنم الكنيسة وكما يقول القديس يوحنا الإنجيلي “: إِنَّ اللهَ نُورٌ

وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ.”(1يوحنا 1: 5) والقديس بولس الرسول الحكيم يُوضِح قائلاً بأن الله” الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ. آمِينَ”. ( 1تيمو 6 : 16)

وهذا ما يُؤكد عليه مرنم الكنيسة إذ يقول: إننا بنورك الذي ظهر اليوم على ثابور أيها الكلمة النور الذي لا يستحيل. المولود من الآب النور الغير المولود. رأينا الآب النور والروح القدس النور الذي ينير الخليقة كلَّها.

أيها الإخوة الأحبة نحن مدعوون اليوم من خلال هذا العيد الحاضر البهيج لكي نُعاين نور ثابور ونشترك في مجد هذا النور الأزلي غير المخلوق لإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح. لهذا فلنعمل كما يُكرِزُ بنا القديس يوحنا الدمشقي إذ يقول:

فلنُبعد عنا كل ما يُغشي ويُظلم عقولنا ويحزننا ولا يتركنا نرتفع ونسمو إلى السماوات فلنطرح عنا إذن الأرضيات لأن موطننا ليس على الأرض، ولنرتفع بعقولنا إلى السماوات حيث منها ننتظر المسيح ربنا ومخلصنا.

كل عام وأنتم بخير