كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة آورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد رقاد والدة الإله العذراء مريم 2016-08-28

أيتها البتول الطاهرة، إن حدود الطبيعة قد غلبت فيك، لأنّ المولد بتوليّ، والموت قد صار عربوناً للحياة. فيا من هي بعد الولادة بتولٌ، وبعد الموت حيَّة، يا والدة الإله، أنتِ تخلِّصين ميراثك دائماً. هذا ما ينظمهُ مرنم الكنيسة.

أيها الأخوة الأحباء

أيها المؤمنون، والزوار الحسنو العبادة،

لقد تجمعنا اليوم من الأقطار كافةً، من جميع أجناس البشر، من بقاع الأرض ومن مختلف اللغات والأعمار في ذكرى هذا العيد الموقر، عيد انتقال سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم لكي بابتهاجٍ وحبور نعيُّد لهذا الحدث الذي يفوق الوصف في هذا المكان المقدس عند قبر والدة الإله الفارغ.

يقول المرنم: “أيتها البتول الطاهرة، إنَّ حدود الطبيعة قد غلبت فيك” ففي شخص العذراء مريم الطاهرة قد غُلِبتْ ونُقِضت فيها القوانين أي نواميس الطبيعة، فهذا ما قد حصل عند الحبل وولادة كلمة الله ربنا ومُخلصنا يسوع المسيح من العذراء مريم. فإنه لم يفُسد بتوليتها برهاناً ودليلاً على أنه فيها قد غلبت نواميس الطبيعة كما يقول

القديس مكسيموس المعترف، وكذلك الأمر عند رقاد والدة الإله فإنهُ لم يخامر جسدها فساداً أو إنحلالاً عند الموت. ويؤكد القديس كوزماس ناظم التسابيح إذ يقول: “إن موتكِ يا نقية صار مرقاةً إلى الحياة السرمدية الفُضلى. فإنهُ نقلكِ يا طاهرة من الحياة الوقتية إلى الحياة الإلهية التي حقاً لا تزول. لكي تُشاهدي ربكِ وابنكِ مبتهجة.

ولابدَّ لنا أنّ نصغي إلى القديس يوحنا الدمشقيّ مادحاً رقاد والدة الإله، ومُشيداً بها فنسمعه قائلاً:

” لأن نفسك بالتأكيد لم تنزل “إلى الجحيم” أيتها العذراء، بل أكثر من ذلك، إن جسدك نفسه “لم يرى الفساد”. لم يُترَك جسدكِ البريء من الدنس والفائق الطُهر للأرض، بل حُملتِ إلى المساكن المَلَكية في السماوات، أنت الملكة والسيدة والمعلمة، أم الله ووالدة الإله الحقيقية.

إن كنيستنا المقدسة تُكَرّم وتُغَبِّطُ بشكلٍ خاص سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم وذلك لأنها أصبحت إناءً لنعمة الروح القدس، كما يؤكد على هذا القديس لوقا الإنجيلي: فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ” (لو 1: 35) . وهذا يعني أنّ سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم: هي التُخْم (أي الحدّ الفاصل) بين الطبيعة الإلهية غير المخلوقة والطبيعة البشرية المخلوقة، وهذا لأنه لا يستطيع أحد أن يأتي إلى الله إلا من خلالها ومن خلال وساطتها وشفاعتها للذي وُلِدَ منها أي ربنا وإلهنا يسوع المسيح. لهذا فإن المرنم يقول: يا والدةَ الإله. يا مَن هي بعدَ الولادةِ بتول، وبعدَ الموتِ حيَّة. خلِّصي ميراثَكِ دائماً.

إنّ المقصود بالميراث هو شَعبُ الله المؤمن أي كل المسيحيين الذين اعتمدوا على اسم الثالوث القدوس الذين: يَنَالُونَ وَعْدَ الْمِيرَاثِ الأَبَدِيِّ. (عبر9: 15)

لذلك فإن ميراث ابن الله مخلصنا المسيح هو أيضاً ميراث أُمهِ العذراء مريم والدة الإله، وعليه فإن المرنم يهتفُ قائلاً: إنَّ رهط الرسل دفنوا جسدكِ القابل الإله. وهم ينظرونَ إليهِ بخشيةٍ ورهبة. ويهتفون نحوك بأنغامٍ شجيّةٍ قائلين: أنتِ يا والدة الإله في انطلاقكِ إلى ابنكِ إلى الأخدار السماوية خلصي ميراثكِ دائماً.

فنحن الذين نُكَرّم هذه الذكرى المجيدة المقدسة لرقاد وانتقال سيدتنا والدة الإله نتضرع إليها قائلين: كوني معنا يا أم الرجاء يا فرحنا وتعزيتنا على الأرض فلا تتركينا يتامى.

آمين