1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة إعادة رفات القديس سابا المتقدس إلى ديره 26 -10-2016

 يقول سليمان الحكيم: “أمَّا الأبرار فَسَيَحْيَوْنَ إِلَى الأَبَدِ، وَعِنْدَ الرَّبِّ ثَوَابُهُمْ، وَلَهُمْ عِنَايَةٌ مِنْ لَدُنِ الْعَلِيِّ. فَلِذلِكَ سَيَنَالُونَ مُلْكَ البَهاءِ، وَتَاجَ الْجَمَالِ مِنْ يَدِ الرَّبِّ، لأَنَّهُ يَسْتُرُهُمْ بِيَمِينِهِ وَبِذِرَاعِهِ يَقِيهِم” (حكمة5 :15 _ 16) 
أيها الآباء الأجلاء والإخوة المحبوبون في المسيح،
أيها المسيحيون الزوار الأتقياء،
إن النعمة المقدسة لأبينا البار المتوشح بالله سابا قد جمعتنا اليوم لكي نعيّد اليوم لاستعادة رفات القديس سابا الغير البالية إلى مكان وموضع تنسكه في البرية. 
إن ربنا يسوع المسيح الذي هو النور والحياة ” الَّذِي وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ” (1بطرس 1: 3) قد أظهر وأنار مجده على الأبرار أي قديسيه الذين عاشوا على مدى الدهور.

لقد استبان أبينا البار سابا متفق الرأي لأبرار الله فقد سلك على نفس منوال سير القديسين والذي نال مُلكَ البهاء وتاج الجمال من يد الرب. “فمُلكُ البهاء” هو ملكوت السماوات وأما تاجُ الجمال فهو إكليلُ مجدِ الربِ البهيّ أي مكافأة الأبرار القديسين كما يقول القديس بطرس الرسول “وَمَتَى ظَهَرَ رَئِيسُ الرُّعَاةِ (أي المسيح) تَنَالُونَ إِكْلِيلَ الْمَجْدِ الَّذِي لاَ يَبْلَى”. (1 بطرس 5: 4) وأيضاً بحسب القديس النبي إشعياء” فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ رَبُّ الْجُنُودِ إِكْلِيلَ جَمَال وَتَاجَ بَهَاءٍ لِبَقِيَّةِ شَعْبِهِ”. (إش 28 :5)
ويذكر القديس بولس الرسول مكافأة الأبرار من قبل الرب قائلاً “قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا. “(2 تيم 7:4) ويفسر القديس يوحنا الذهبي الفم أقوال القديس بولس الرسول هذه بأن البِرّ يعني كل الفضائل معاً أي حفظ جميع وصايا الرب وأما البار الذي يترجى ويرغب بظهور الرب في حضوره الثاني المجيد فإنه سيفعل كل شيءٍ قبل مجيء الرب الثاني الرهيب. ويدعّم القديس يوحنا الذهبي الفم كلامه بقول الرب “إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً”. (يوحنا 23:14)
ويفسر القديس كيرلّس الاسكندري قول الرب هذا إذ يقول: “عندما يسكن فينا مخلصنا يسوع المسيح من خلال الروح القدس فإنه حتماً يسكن معه ذلك الذي ولدهُ، الآب الذي له نفس الروح أي روح المسيح”. وبكلام آخر فإن أبينا البار سابا قد أحبَّ المسيح حتى أنَّ ابنَ الله أي كلمته المساوي للآب في الجوهر مع الروح القدس أي
الألوهة الواحدة للثالوث القدوس قد سكنت في قلبه. لهذا فإن القديس سابا قد أدرك جيداً أن جسدهُ أضحى هيكلاً للروح القدس كما يؤكد هذا القديس الحكيم بولس الذي يقول:” أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ “(1كور 19:6) لهذا فإن مرنم الكنيسة يمدحَهُ قائلاً: لقد قضيت حياتك على الأرض في حسن العبادة يا أبانا المغبوط سابا المتأله اللُّبّ. فأصبحت إناءً للروح القدس طاهراً. ينير المتقدمين إليه عن إيمانٍ. فاطلب إلى سيدك أن ينير نفوسنا نحن ممتدحيك.
لهذا فإن المغبوط أبينا البار سابا يمنح الاستنارة الإلهية ونعمة الروح القدس وذلك من خلال سراجه أي رفاته المقدسة غير البالية التي تشهد دوماً على تجلي المسيح وقيامته المقدسة” نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ”(عبر 2:12)
لذلك فإن الصلاة المستمرة ليست فقط تلك التي يمارسها الرهبان هنا بل أيضاً يمارسها الذين يرغبون في خلاص نفوسهم والتي تهدف لهذا السبب عينه أي التجلي في المسيح والقيامة. عدا عن ذلك فإن أبينا البار سابا يوضح ويُبين لنا من خلال نموذج حياته الفائدة والمنفعة التي تصير لنا من خلال المحن والتجارب وتأديب الرب كما يقول بولس الرسول نقلا عن الحكيم سليمان” وَقَدْ نَسِيتُمُ الْوَعْظَ الَّذِي يُخَاطِبُكُمْ كَبَنِينَ: «يَا ابْنِي لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ، وَلاَ تَخُرْ إِذَا وَبَّخَكَ. لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ”. (عبر 12: 5-6) (أمثال 3: 11-12)
ومثل هؤلاء العاملين بتأديب الرب وتعليمهِ الإخوة الآباء الأجلاء أعضاء أخوية القبر المقدس أي الرهبان الذين يتنسكون هنا مع أبيهم الروحي تحت كنف وستر سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم الفائقة البركة وتحت إرشاد القيادة العقلية لمن نكرمه اليوم معلم الصحراء أبينا البار سابا المتقدس الذي غادر الأرضيات كلّها كما يقول المرنم: وشارك الملائكة بالروح مع وجوده في العالم بالجسد. وأمات ما حضر من أهواءِ الجسد. فصار خادماً للثالوث القدوس. ومن ثم أصبح يشفي بالنعمة أسقام المرضى. ويطرد الأرواح الشريرة بكلمةٍ. فتشفع إلى المسيح الإله. طالباً أن يهب غفران الزلات للمُعَيّدين بلهفةٍ لتذكارك المقدس. آمين