كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس الرسول يعقوب أخي الرب أول رؤساء أساقفة آوروشليم 5-11-2016

يقول القديس يعقوب أخو الرب “طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ «إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ”. (يعقوب 1: 12)
أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،
أيها المسيحيون الزوار الأتقياء،

لقد دعتنا كنيستنا المقدسة جميعنا إلى هذا الهيكل وهذه الكنيسة المقدسة التي تحمل اسم القديس يعقوب أخي الرب وهذه الكنيسة التي تقع بالقرب من قبر ربنا ومخلصنا يسوع المسيح القابل الحياة، لكي نُعظِمُ بالأناشيد الشريفة كلنا كوكب الكنيسة وأول راعٍ ومعلمٍ لأوروشليم فقد كان رئيس كهنةٍ وكاروزاً إلهياً وقد لُقِب بالصدّيق تلميحاً بصفتهِ
ولقد استبان القديس يعقوب كما هو معروف من ربنا يسوع أول رئيس كهنة لأم جميع الكنائس كنيسة أوروشليم ويعتبر مع بطرس الرسول والقديس يوحنا الإنجيلي بأنه أحد الأعمدة الثلاثة للكنيسة الأولى. ولأجل عظم بره وصلاحه، لم يُدعَ فقط أخو الرب بل عُرِفَ بالبار أيضاً.
وأمّا من ناحية إيمانه المسيحيّ والكرازة بهِ فقد كتب القديس بوحي ٍ إلهيّ رسالته الجامعة والتي تحدّث فيها عن أهمية الصبر في المسيح قائلاً:” طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ «إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ”. (يعقوب 1: 12)

وإن أردنا أن نسهب نقول، مغبوط ذلك الرجل الذي يطيق أن يحتمل بصبرٍ وجلادة التجارب والأحزان. ولماذا هو مغبوطٌ؟ لأنه من خلال التجارب يصيرُ ثَابِتاً ومُخْتَبَراً ومُتَدرِباً لذا فهو سينال الحياة الأبدية وإكليل المجد والبهاء الذي وَعَدَ بهِ الرب لأولئك الذين يحبونه لذلك فإنَّ القديس بولس الرسول يقول ” نَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ. وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً، وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا”. (رومية 5 : 2-5).
لقد أظهر صديقا المسيح، القديس يعقوب أخو الرب تماما كالرسول بولس الحكيم، صبرهما على الأحزان والتجارب وقد بَيَّنا هذا الأمر وأثبتاه بقوةٍ لذلك كان لديهما فضيلة ودالة كبيرة أمام الله. ولهذا نجد القديس يعقوب أخي الرب يحث المؤمنين في مستهل رسالته الجامعة على الصبر قائلاً:” اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا.و َأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ”. (يعقوب 1: 2-4) عدا عن هذا فإن الرب يسوع المسيح قد أوضح لنا فائدة الصبر العظيمة قائلاً:” بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ”. (لوقا 21: 19) لذلك فإن بصبركم تربحونَ وتخلصونَ نفوسكم من مخاطر الكفر والهلاك الأبدي. وبمعنى آخر فإن الصبر يشبه النار التي تَمْتَحِنُ الذهب وتنقيه لذلك فإن الناس أو البشر يصبحون مقبولينَ أمام الله عندما يدخلون في أَتُونِ التواضع أي الصبر في الشدائد والأحزان كما تقول حكمة سيراخ: “فَإِن الذَّهَبَ يُمَتَحنُ فِي النَّارِ، وَالْمَرْضِيِّينَ مِنَ النَّاسِ يُمَحَّصُونَ فِي أَتُونِ الاِتِّضَاعِ. (2: 5) ويقول في موضعٍ آخر وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الَّذِينَ فَقَدُوا الصَّبْرَ، فَمَاذَا تَصْنَعُونَ يَوْمَ افْتِقَادِ الرَّبِّ؟”. (2: 14) وعلى العكس من ذلك ” إِنَّ الْمُتَّقِينَ لِلرَّبِّ يُهَيِّئُونَ قُلُوبَهُمْ، وَيُخْضِعُونَ أَمَامَهُ نُفُوسَهُمْ. لنَقَعْ فِي يَدَيِ الرَّبِّ لاَ فِي أَيْدِي النَّاسِ، لأَنَّ رَحْمَتَهُ عَلَى قَدْرِ عَظَمَتِهِ (2: 17-18)
يُطَوِّبُ القديس يعقوب الصابرين مُبيناً لنا مِثالاً من الأنبياء هو القديس النبي أيوب “خُذُوا يَا إِخْوَتِي مِثَالاً لاحْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ وَالأَنَاةِ: الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِاسْمِ الرَّبِّ.هَا نَحْنُ نُطَوِّبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ”. (يعقوب 5: 10-11).
إنَّ هذه الذكرى السنوية لعيد استشهاد قديس محبة المسيح والكارزَ بهِ القديس يعقوب أخي الرب في مكانِ منشئهِ وعملهِ الرسوليّ وموته الاستشهادي، يدعونا أيها الإخوة الأحباء بحسب القديس بولس الرسول “لكي نَمْتَلِئَ مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَة الله، فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ لِنسْلُكُ كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً، مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ، وَنَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ” (كولسي 1: 9-10).
لهذا فإن كنيسة أوروشليم قد دُعِيْت تحديداً وعلى وجه الدقة لما يذكرهُ القديس بولس الرسول” لأَنَّ هذَا حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا اللهِ، الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ”. (1تيم 2: 4). من خلال أول أساقفة أوروشليم القديس يعقوب أخي الرب ومن خلال أخوية القبر المقدس والذين يحيون معها بتقوى ومحبة المسيح الذين يبشِرونَ بالمسيح المصلوب والناهض من بين الأموات.
ختاماً نضرع إلى سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم أم الذي خلق العالم ربنا ومخلصنا يسوع المسيح ونمجده، ومع المرنم نهتف قائلين: لقد استنرت بشعاع الروح القدس الناري يا يعقوب أخي الربّ. فظهرت غيوراً على حسن العبادة الهياَ. ومن ثمَّ فالذي اقتبلك أخاً له ألبسك نظير هارون في القديم حلَّةً أعظم كرامةً من حلَّة الكهنوت الناموسي. فتضرَّع إليه أيها المجيد في الرسل من أجل خلاص نفوسنا.