1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة تدشين كنيسة القديس جاورجيوس اللابس الظفر في مدينة البقيعة 26-11-2016

أنت أيها المسيح قد أظهرت في سيناء قديماً لموسى الإلهي الخيمة غير المصنوعة بيدٍ الذي أردتَ به أنَ تُظهرَ كنيستكَ، أنت يا رب قد شيّدتَ الهيكلَ على الأرض ووحدت الملائكة مع البشر بقدرتكَ، فندركُ أنّك أنت نبعُ الحياةِ وأنتَ يا قدوس أيّها المسيحُ عندما أتيتَ على الأرضِ بشّرتَ كنيستك بالسّلامِ

أيها الأخوة المحبوبون في المسيح،

أيها المسيحيون الأتقياء،

لقد جمعتنا نعمة الروح القدس كلنا في هذه المدينة (البقيعة) التي ورد ذِكرُها في الكتاب المقدس لكي بفرحٍ وإيمانٍ نتمم بشكرٍ تدشين بيت الله المُقام لإكرام القديس العظيم في الشهداء جاورجيوس اللابس الظفر.

إن بيت الله هو موضع تقديس مجد الله، أي هيكل عبادة الضابط الكل وصانع كل البرايا. إنه مكانٌ مقدسٌ حيث المسيح إلهنا وحد العدل والسلام كما يقول صاحب المزمور الْحَقُّ مِنَ الأَرْضِ يَنْبُتُ، وَالْبِرُّ مِنَ السَّمَاءِ يَطَّلِعُ (مزمور 85: 12).

بالطبع وكما ينادي القديس بولس الرسول “الإِلهُ الَّذِي خَلَقَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ، هذَا، إِذْ هُوَ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَةٍ بِالأَيَادِي” (اع 17: 24) وذلك لأن القديس يوحنا الإنجيلي يقول: “اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا (يو 4: 24) ولأن الله بحسب أيضاً شهادة القديس يوحنا الإنجيلي: “الْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا، وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعًا أَخَذْنَا، وَنِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ (يو 1 :14، 16)

وبتأييدٍ، وقوةٍ من الروح القدس أنشأنا بيتَ عبادةٍ وصلاة على الأرض من خلال إقامة الدرجات الكهنوتية في المسيح والذي هو صورةُ عن عمل الملائكة في السماء والذي يتكلم عنه صاحب المزمور قائلاً: أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ، أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ (عب 7: 21)

لهذا فإنّنا بالمسيحِ رئيسُ كهنتنا نقدّمُ لله الآبِ دوماً وبلا انقطاعٍ ذبيحة حمد وتمجيدٍ وعندما نقول ذبيحةً، لا نقصدُ بها ذبيحة حيوان ودمٍ، بل ذبيحةُ ثمرِ شفاهٍ معترفةٍ بشكر ٍلله الذي نسبّح ونمجّد اسمه على الدوام كما يقول القديس بولس الرّسول: فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ للهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيّ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ. (عب 13: 15)

وهذا ما يؤكّد عليه مرتّل الكنيسة قائلاً: لمّا جدّد سليمان الهيكل قديماً قرّب لك يا ربّ ذبائح ومحرقاتٍ من حيوانات غير ناطقة. ولمّا ارتضيتَ أيّها المخلّص أن تبطل الرسوم وتعلن الحقائق أصبح أقطار العالم تقرّبُ لمجدك ذبائح غير دمويّة. فإنّك أنتَ سيّد كلّ الأشياء فتقدّسها كلّها بالرّوحِ القدس.

حقّاً أيّها الإخوة الأحبّة إنَّ كنيسة المسيح المنتشرة في كلّ أقطارِ الأرضِ تقدّمُ الذبيحة غير الدّمويّة، في كلّ موضعٍ بهِ مذبحُ المسيح مكرّسٌ ومدشّنٌ، وهذه الذبيحة غير الدموية هي نسخةٌ وصورةٌ مطابقة لدمِ وجسد المسيح المقدّسيْن.

إنّ تدشين الكنيسة بحسب القديس يوحنا الدمشقيّ يصير من دماء جنبِ المسيح الطّاهر المتجسّد من العذراء البتول القديسة والذي دشّنَ وطرّق لنا، الطّريق المؤدّي للحياة الأبدية. فإنَ المسيح الذي دخل إلى بيت الله الآب أيّ الكنيسة السماويّة من خلال الحجابِ، الذي هو جسده ودمه الطّاهرين كما يقول بولس المُلهم من الله: فَإِذْ لَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إِلَى «الأَقْدَاسِ» بِدَمِ يَسُوعَ، طَرِيقًا كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثًا حَيًّا، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ (عب 10: 19)

أتَ يا ربّ نبع الحياة، وأنتَ يا قدّوس قد بشّرتَ كنيستك بالسّلامِ، هذا ما يقوله المرنّم: إنّ القديس جاورجيوس اللابس الظفر قد شَهِدَ لنبع الحياة أي المسيح إلهنا وبشّر بسلامه في أقطار المسكونة والذي لأجل إكرامه تُكرّسُ هذه الكنيسة الفائقة الرّوعة والجمال. فقد شَهِدَ القديس جاورجيوس بدمهِ أّنَّ الله المحبّ البشر إله البرّ والسّلام والرحمة التي لا تُحدّ هو عجيبُ في قدّيسيه. وأيضاً من نُعيّد له اليوم أبينا الجليل في القديسين يوحنا ذهبيّ الفمّ رئيس أساقفة القسطنطينية والذي نصنع تذكاره اليوم فقد استبان أبينا القديس يوحنا الذهبي الفم ليس فقط صديقاً أميناً للراعي العظيم ربّنا يسوع المسيح بل أيضاً مقتدياً بشهادته أي شهادة ضميره. ونقول هذا لأنّ أبينا القديس يوحنا الذهبي الفم كراعٍ روحيّ، قد وضعَ نفسهُ من أجل رعيّته كما يقول الرب:” أنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ. (يو10: 11)

وعلى نفس المنوال أيّ متمثلين بالرّاعي الصّالح، قد كانوا أسلافنا بطاركة القدس الذين جلسوا على عرشِ القدّيس أخي الرّب والقديس صفرونيوس.

أرسلنا اليوم مجداً وشكراً للثالوث القدّوس، الذي أهلنا بشفاعات القديس جاورجيوس اللابس الظّفر وأبينا الجليل في القدّيسين يوحنا الذهبي الفمّ وخاصّةً سيّدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم الطّاهرة لهذا العيد البهيج ولتدشين هذه الكنيسة المقدسة.

إنّ تدشين هذا الهيكل يعود بالأحرى إلى تدشين هيكلنا نحن، كما يوصي القدّيس بولس الرّسول أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ (1كو 16:19)، لهذا فنحن مدعوون عبر فم مرنّم الكنيسة الذي يقول: ارجعْ إلى نفسك أيّها الإنسان وصِرْ جديداً بدلاً من عتيق وعيّد لتجديد نفسك. وما دام لك أجلٌ في الحياة جدّد كلّ منهج سيرتك. إنّ العتيق قد مضى وكلّ شيء تجدّد لتكن ثمرة تعيّيدك تغيّرك تغيّراً حميداً، فإنّ الإنسان هكذا يتجدد ويوم التكريم هكذا يكرّم.

آمين