1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس نيقولاوس العجائبيّ في مدينة بيت جالا 19-12-2016

افرَحْ يا رئيسَ الكهنةِ نيقولاوس. يا عقلاً طاهراً ومسكِناً للثالوثِ نقيّاً. وقاعدةً للكنيسة. وثباتاً للمؤْمنين. ونَصراً للمغلوبين. أَيها الكوكبُ المبدِّدُ دائماً بأشعَّةِ تَوَسُّلاتِهِ المقبولة، قَتامَ التجارِبِ والأَحزان، والميناءُ الهادئ. الذي إِذ يَلتجئُ إِليهِ المُكتنَفونَ بعواصفِ الحياةِ يَنجُون. فابتهلْ إِلى المسيح. أَن يَمنحَ نفوسَنا الرحمةَ العُظمى. هذا ما يصرَّحُ بهِ مرنمُ الكنيسة.

أيها الإخوة المسيحيون،

أيها الزوار الحسنو العبادة الأتقياء،

إنَّ “قانون الإيمان وصورة الوداعة ” أي أبينا الجليل في القديسين نيقولاوس رئيس كهنة ميرا ليكيا العجائبيّ قد جمَعنا اليوم في هذهِ الكنيسة المُشيّدة على اسمهِ لكي بوقارٍ نُكَّرِمُ ذكراهُ الطاهرة ذكرى عيدهِ والتي تصادف في هذه الأيام المقدسة السابقة للسرِّ العظيم أي عيد تجسدِ كلمة الله ربنا ومخلصنا يسوع المسيح في مغارةٍ مجاورةٍ في مدينة بيت لحم.

لقد دُعيَّ أبونا القديس نيقولاوس بحقٍ “قانوناً للإيمان” وذلك لأنه واجهَ بشجاعةٍ وتصميم حماقة آريوس الهرطوقيّ وجهل تعاليمه الجنونيَّة التي كانت ضد المسيح وذلك خلال أعمال المجمع المسكوني الأول والذي انعقد بأمرٍ من قسطنطين الكبير في نيقيه عام 325. وبناءً على ذلك فقد ظهر قديسُنا نيقولاوس رئيس أساقفة ميرا رجلاً للهِ ومدبراً لأسرارهِ المقدسة كما يقول المرنم:” يا إِنسانَ الله. الخادمَ الأَمين. المدبِّرَ أَسرارَهُ. يا رجلَ رغائبِ الروح. العمودَ النَّاطق. والتمثالَ الحيّ. إِن كنيسةَ ميرا أكرمَتْكَ وقدَّمَتْكَ لنا كنزاً إِلهيّاً وشفيعاً لنفوسنا”.

عُرِف القديس نيقولاوس بأنهُ “معلمٌ للعفة أي الإمساك” وهذا يعني أنهُ كان مُربّياً ومعلماً للمؤمنين في كيفية الكمال في المسيح وخلاصِ نفوسهم. وعليهِ وجبَ علينا نحنُ، المسيحيين المؤمنين، التقدَّم في الفضيلة كما يوصيّنا القديس بطرس الرسول في رسالته الثانية قائلاً: وَلِهذَا عَيْنِهِ وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي الْفَضِيلَةِ معرفة وفي الْمَعْرِفَةِ تَعَفُّفًا، وَفِي التَّعَفُّفِ صَبْرًا، وَفِي الصَّبْرِ تقوى وفي التَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي الْمَوَدَّةِ الأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً. (2 بط 1: 5 – 7).

لهذا فإن القديس يوحنا السلميُّ في كتابهِ “سلم السماء” يوضّح أنّ العفيف هو من يجاهدُ وسط التجارب والفخاخِ والضوضاءِ بكلِ قوتهِ لكي يقتدي بسيرة المُعتقين من ضوضاء العالم.

إذن أيها الإخوة الأحباء فإنَّ القديس نيقولاوس لم يحيَ بحسب مقتضى ومتطلبات الجسد بل بحسبِ إرادة الروح القدس كما يكرزُ القديس بولس الرسول قائلاً: فَإِنَّ الَّذِينَ هُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَبِمَا لِلْجَسَدِ يَهْتَمُّونَ، وَلكِنَّ الَّذِينَ حَسَبَ الرُّوحِ فَبِمَا لِلرُّوحِ.لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ، وَلكِنَّ اهْتِمَامَ الرُّوحِ هُوَ حَيَاةٌ وَسَلاَمٌ. (رو 8: 5 -6)

ومن هنا فإنّه للحياةِ الحقيقية في الروح القدس ولسلامِ المسيح صار أبونا القديس نيقولاوس عاشقاً وكارزاً ومبشراً بهم، لهذا فإن تذكارهُ الموقر اليوم يبُشرنا بالسلام والحياة في المسيح. ونقول هذا لأنّ أبينا القديس نيقولاوس قد استنارَ بمصابيح نعمة الروح القدس وأدرك السر الخفيّ منذ الدهر والذي ظهر على الأرض للبشر من خلال والدة الإله الدائمة البتولية مريم. ربما يتساءل أحدٌ ما، ما هو هذا السر الذي أدركهُ القديس نيقولاوس؟

إنَّ السرَّ هو الاتحاد الأُقنوميّ والذي تمَّ بين كلمة الله والطبيعة البشرية من دماء الطاهرة الفائقة البركات والدائمة البتولية مريم إذ أدرك قديسُنا كيفية شفاء الطبيعة البشرية وبلوغها للتأله الذي صار من خلال تجسد ابن الله كما يقول مرنم الكنيسة: إنَّ السِّرَّ، الخَفِيَّ مُنذُ الدُّهورِ، غَيرَ المَعلومِ عِندَ المَلائِكَة، بِكِ ظَهَرَ يا والِدَةَ الإلَهِ، لِلَّذينَ عَلى الأَرض، إذ تَجَسَّدَ الإلَهُ بِاتِّحادٍ لا اختِلاَطَ فيهِ، وَقَبِلَ الصَّليبَ طَوعًا مِن أَجلِنا، وَبِهِ أَقامَ المَجبولَ أَوَّلاً، وَخَلَّصَ مِنَ المَوتِ نُفوسَنا.

بإيمانٍ سليمٍ وغيرِ مشوّه ” بالسِّرَّ، الخَفِيَّ مُنذُ الدُّهورِ ” قد ظهر أبونا القديس نيقولاوس كاهناً عجائبياً وراعياً وأٌسقفاً للكنيسة والذي كان أحد أعضاء المجمع المسكوني الأول الذي انعقد بأمرٍ من قسطنطين الكبير في نيقية حيث قال كاتب سيرة حياته: لقد وقف بشجاعةٍ امام حماقة آريوس وهرطقته وبعد أنّ أفشل وبدد جميع حجج آريوس وأكاذيبهِ، سلّم إلينا الإيمان الأرثوذكسي بدقةٍ ثم عاد إلى رعيتهِ معلماً بغيرةٍ متقدة وحاثاً الناس ومشجعاً إياهم على الفضيلة”

حقاً أيها الإخوة كما يقول المزمور “عَجِيبٌ هو اللهُ في قدِّيسيه” (مزمور35، 67) مستحقٌ التعجب هو الله والذي من خلال قديسيه يُرشد كنيسته وشعبه ويحميهما ونقول هذا لأن قديسي كنيستنا حاملين الروح القدس يُعْرَفوا بأّنهم حراس وواعظين ناريين لبشارة الإنجيل الخلاصية.

ها لقد أشرق اليوم نهار الاحتفال بتقدمة عيد تجسد المسيح الإله، فها المسيح يقترب والعذراء مريم تسعى آتيةً إلى بيت لحم لتُضجع في مذود البهائم طفلاً مدرجاً في الأقمطة. هو الذي أعتقنا من اللعنة القديمة. والذي يُخلص نفوسنا. هذا ما يُنشده بطربٍ وابتهاج مرنم الكنيسة.

إن المحامي الحار والمدافع عن كنيسة المسيح القديس نيقولاوس يدعونا لكي نحتفل بهذا السر العظيم لميلاد مخلصنا وربنا يسوع المسيح ببساطة الرسل الصيادين أي بفكرٍ وروحٍ كنسيّ وليس بفكرٍ اجتماعي أي بنظرةٍ عالميةٍ وثقافية.

إنَّ عيدَ الأعياد أيها الإخوة الأحبة أيّ عيد مِيلاد المسيح، ليس حدثاً ثقافياً ولكنه حدث يخص تحررنا من الخطيئة ومن اللعنة القديمة وشفاء وخلاص الجنس البشري. هو حدثٌ يخص شمس العدل كلمة الله ومخلصنا المسيح الذي أشرق بولادته على العالم نور معرفة الحق.

ختاماً نتضرع إلى القديس العظيم نيقولاوس الكارز العظيم “بحقيقة المسيح” قائلين: أنقذنا من الشدة الحاضرة وخلص رعيتك بتضرعاتك، وأهلنا أنّ نُعيّد ميلاد المسيح ِ إلهنا بخيرٍ وسلامٍ

آمين