1

رسالة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد الميلاد المجيد في دولة قطر 25-12-2016

الآبُ قد ارتضى. والكَلِمَةُ صارَ جسداً. والبَتولُ قد وَلدَتْ إلهاً مُتَأَنِّساً. الكَوكَبُ يُبَشِّر. والمجوسُ يَسْجُدون. والرُّعَاةُ يَتَعَجَّبُون. والخَليقَةُ تَبْتَهج

(من أينوس عيد الميلاد)

إنَّ الكنيسةَ الجامعةَ المقدسةَ الرسوليةَ في جميعِ أنحاء العالم تُحيي اليومَ بابتهاجٍ “سِرّاً عَجيباً مُسْتَغْرباً.” وتُبَشِرُ به “بفرحٍ عظيمٍ وابتهاج” في العالَمِ كلّهُ وإلى أقاصي الأرض

وتُعيّدُ الكنيسة لهذا الحدث الفائق الطبيعة وذلكَ لأنّ الله الآب الخالقُ والضابطُ الكلّ، بسبب محَبتهِ اللامتناهية، قد أعادَ خَلقَ الإنسان الهالك والفاسد بسبب الخطيئة، وجَبْلَه، ووِلادتَه، وذلك في شخص الكلمة الذي قبل الدهور ابنهِ الوحيد. وقد تلقت الكنيسة هذا الأمر بوحيٍ، أنّهُ قد تمت المواعيد والتي سبقَ الله وأعلنها للأنبياء

” ولَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ (غلا 4:4). في زمن “أوكتافيوس” أُغُسطُس قَيْصَر. (لوقا 2: 1) قد وُلِدَ بالجسد في بيتَ لحمٍ اليهودية فتجسّد من الروح القدس ومن مريم العذراء في ناصرة الجليل تأنّس كلمة الله أي ابنهِ الوحيد (لو 1: 34) يسوع المسيح الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خِلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً

للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ (فيليبي 2 :6 – 7) مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ (نحنُ البشر) التَّبَنِّيَ. (غلا 4: 4) لكيّ نَصيرَ أَوْلاَدَ اللهِ (يو 1: 12)

وقد تمّ ذلك بتدبير الله من أجلِ تجديد طبيعة البشر كما يقول مرَنِمُ الكنيسة:” كيفَ وُسِعَ الذي لا يسعهُ مكانٌ في بطنِ العذراءِ. وكيفَ يُحمَلُ المُستقرُّ في أحضان الآب على ساعِدَيْ أُمٍ. وبحسب القديس اثناسيوس الكبير المتوشح بالله، أبي الكنيسة، يقول إن كلمة الله غير المتجسد وغير الهيولي وغير المائت قد صار لأجلنا نحن البشر إنساناً لكي نتألهَ نحنُ البشرِ، فقد ظهر لنا بالجسد لكي نستطيع نحن بدورنا أن نُدرِك الآب غير المنظور. وقد عانى الهِزء والسخرية من البشر لكي نَرثَ نحنُ الخلود والحياة الأبدية (حول التجسد لفصل 8 &عدد 54) وبحسب القديس كيرلس الإسكندري المتوشح بالله: “إن المسيح كلمة الله الوحيد قد ظهرَ لنا من والدة الالهِ العذراء والتي لم تعرف خبرة الزواج ومن أحشائها البتولية قد أنبتت لنا غُصناً حاملاً للحياة هو المسيح الإله المتأنس و الخالي من الخطيئة الذي أخذَ صورة عبدٍ و صار إنساناً بالجسد مثلنا و لأجلنا ،لم يتقمص أو يدخل في إنسانٍ بل صار جسداً أي إنساناً كاملاً و لم يطرح عنه ألوهيتهُ بأخذه جسداً بل بقيّ إلها كما هو أيضاً (العظة الثانية إلى أفسس) مع نفسٍ عاقلة في أقنوم الكلمة الواحد المتجسد. (رسالة إلى النساطرة)

وعندما كشف الله هذا السر الإلهيّ للبشرية التي تجسد لأجلها، دعا شهوداً ومشاركين ومعاونين

لهذا السر الذي حصل، كالرعاة الذين كانوا ساهرين حيث دعاهم إلى بيت لحم عبر جوق من الملائكة مرنمين من السماء وهاتفين: “الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَفي النَّاسِ الْمَسَرَّةُ.”(لو2 : 14) فقد أتوا لذلك الذي صار مشابهاً لنا المسيح المولود جديداً و الموضوع في مذود الحيوانات ،و أيضا دعا المجوس ملوك فارس الخبراء في علم النجوم كما يقول مرنم الكنيسة: أَيها الطِّفلُ المُضجَعُ في مِذوَد. إنَّ السَّماءَ قدَّمتْ لكَ بواكيرَ الأُمم. إِذ دَعَتِ المجوسَ بالنجم. فأَخذَهُم الدَّهَشُ. لا من صوالجةٍ وعُروش. بل من المسْكِنَةِ القُصوى. فإنَّهُ لا شيءَ أَدنأُ من المغارة. ولا شيءَ أَحقرُ من الأُقمطِة. التي ظهرَ فيها غِنى لاهوتِكَ مُتلألئاً. فيا ربُّ المجدُ لكَ.

وعند تأنس المسيح وولادتهِ الجسدية، أخلى ذاتهُ وقَبِلَ بأنّ يفتقر ويشابه البشر في حياتهِ على الأرض في كل شيء ما عدا الخطيئة. وقد وَحّدَ ذاته مع البشر بجميع الأهواء غير المرذولة حتى الموت. وهرب من الخطر ومن جنون هيرودوس السلطوي إذ لم يهرب بقوته الإلهية ولكنه هربَ لابساً الضعف البشري وانتقل من بيت لحم إلى مصر ومن ثم بدعوةٍ من ملاكٍ عاد إلى الناصرة ومكث فيها ولهذا السبب دُعي ناصرياً و هناك ترعرع واعتمد من يوحنا في نهر الأردن ،و كرز بسنة الرب المقبولة، و شقَّ للحياة البشرية وللتاريخ طريقاً جديداً، و عصراً جديداً و هو عصر النعمة ،العهد الجديد الذي خلال حياته الزمنية تحنن على الجميع وأبرأ المرضى وأقام الموتى وقدم

جسدهُ الذي أخذه على الصليب للآب، و قام من بين الأموات ،لكي يقيم معه المؤمنين باسمهِ .

لقد كان عملهُ السلام والمغفرة والبر والتعايش والتقديس والخلاص. وبعدما صعد الرب إلى السماء، أعطى الروح القدس لرسله وتلاميذه القديسين وللكنيسة التي هي جسده، والتي تعلن من خلالها ظهور ملكوت الله على مر العصور والدهور. هذه الكنيسة التي أدخلها وقدمها للعالم ملاك الرأي العظيم، رئيس السلام، الرب يسوع المسيح المتجسد وهي التي تُجمِّلُ أخلاق البشر وتهذبها. وتكرز كما تسلمّت من مؤسسها بالسلام للبعيد وللقريب والمحبة للقريب وللأعداء محولةً العالم الساقط والمنحل إلى فردوساً ومعيدة الإنسان الضال إلى جماله الأول ومشاركته في مجد المسيح مع الآب.

إن كنيسة آوروشليم أمّ الكنائس تَشهدُ على الدوام وتَخدِمُ سرَّ النشيد الملائكيّ “وَعَلَى الأرضِ السَّلام وَفي النَّاسِ المَسرَّةُ”. في الأماكن أي في الأراضي المقدسة التي صارت فيها هذه الأحداث الخلاصية. وبما أن اليوم هو يوم عيد ميلاد المسيح بالجسد فإنّ كنيسة آوروشليم تحيي هذا الحدث في هذه المغارة القابلة الإله، هذه المغارة التي حافظ عليها الملكين قسطنطين ويوستنيانوس والتي تشكّل حمايةً وبركةً كبيرةً لجميع ساكني هذه الأرض المقدسة قاطبةً ولأهالي بيت لحم خاصةً.

ومن هنا من هذا المقام الكنسيّ المُقدس نستنكرُ جميع الممارسات والأعمال الإرهابية والحربية من

سلبِ ونهبِ لأراضي الغير وتدنيس المقدسات الدينية ومحارمها واضطهاد البشر وتعذيبهم واستغلال الأسرى وبالأخص النساء والأطفال الأبرياء.

ونطلب من الله ونبتهل إليه من أجل رعايانا المسيحيين الأتقياء والذين يحيون تحت كنف دولة قطر قوة وبركة ونعمةٌ وسلامٌ لكم جميعاً من طفل المغارة الإلهي المتجسد لأجلنا والمولود من العذراء مريم إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح.

وللأمير تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر ذو النموذج الحيّ للحكم الصالح والديمقراطي طالبين إلى الله أن يهبهُ السلام والاستقرار والصحة والعافية والعمر المديد وكل بركة سماوية

في مدينة بيت لحم المقدسة، عيد الميلاد المجيد 2016

الداعي لكم بحرارة للرب

ثيوفيلوس الثالث

بطريرك آوروشليم