1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد الآباء والأجداد في مدينة بيت ساحور 25-12-2016

هلمُّوا نحتفل كلُّنا بالتذكار السنوي للآباءِ الذين نبغوا قبل الشريعة. إبراهيم والذين معهُ. ونكرّم سبط يهوذا بحقٍ واجب. ونمتدح الفتية الذين كانوا في بابل رسماً للثالوث. وقد أطفأُوا لهيب الأتُّون. ونمتدح دانيال أيضاً معهم. ونعتصم بدقَّةٍ بأقوال الأنبياءِ. فنهتف مع اشعيا النبي بصوتٍ عظيم قائلين: ها إن العذراء تحبل وتلد ابناً هو عمًّانوئيل الذي تفسيرهُ الله معنا. هذا ما يصرِّحُ بهِ مُرنم الكنيسة.

أيها الأخوة المسيحيون،

أيها المسيحيون الأتقياء،

إنّ القديسين أجدادِ ربنا ومخلصنا يسوع المسيح بالجسد قد جمعونا اليوم في هذه المدينة والموضع المقدس حيثُ كانَ الرعاة ساهرين، لكي نحتفلَ سويةً بهذه الذكرى ونكّرِمُ باستحقاقٍ واجبٍ داوود النبيّ ونسلَهُ المبارك الذي انحدر منهُ المسيحُ كلمة الله المتجسد لخلاص جنس البشر كما يقولُ مُرَنِمُ الكنيسة: “لقد أصبحَ بنو ابراهيمَ أنبياءَ إلهيين كلّيي الحكمة. فسبقوا عن حرارة قلبٍ وأخبروا بالروح القدس عن الكلمة أنَّهُ يولَدُ من نسلِ ابراهيمَ ويهوذا. فبتضرعاتهم يا يسوع أرأف بنا جميعاً”.

نكّرِمُ الجدود القديسين ونوقرَهم لأنّ من خلال هؤلاء الجدود قد صار لنا نحنُ البشر حَسَبَ إِعْلاَنِ السِّرِّ الَّذِي كَانَ مَكْتُومًا فِي الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ (رو 16: 25). ويعظُ القديس بولس رسول الأمم كأبٍ صالحٍ مؤكداً ما سبق إذ يقول” لِي أَنَا أَصْغَرَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، أُعْطِيَتْ هذِهِ النِّعْمَةُ، أَنْ أُبَشِّرَ بَيْنَ الأُمَمِ بِغِنَى الْمَسِيحِ الَّذِي لاَ يُسْتَقْصَى، وَأُنِيرَ الْجَمِيعَ فِي مَا هُوَ شَرِكَةُ السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ فِي اللهِ خَالِقِ الْجَمِيعِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ. لِكَيْ يُعَرَّفَ الآنَ عِنْدَ الرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، بِوَاسِطَةِ الْكَنِيسَةِ، بِحِكْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ” (أفسس3 :8 – 10).

إن الرعاة كشهودٍ بعيونهم وآذانهم على السِّرَّ، الخَفِيَّ مُنذُ الدُّهورِ قد صاروا كارزينَ ومبشرين. وقد كانوا من مدينتكم هذه مدينة الرعاة والتي ورد ذِكرها في الإنجيل

وكانوا يسهرونَ ويحرسون رعيتهم كما يقول القديس لوقا الإنجيليّ: “وَكَانَ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ رُعَاةٌ يَبِيتُونَ في البّريَّةِ يَسهَرونَ على رَعيَّتِهم في هَجَعاتِ اللَّيل.وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ (أي بالرعاة)، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا. فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ… وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ”(لوقا 2: 8 -11 و13 -14).

هلمّوا أيها الأخوة الأحبة لكي نُرِتل مع المزمور قائلين: لِنَبْتَهِجَ بالربّ. ونُهلِّلُ لله مُخلّصنا (مز94: 2). وذلك:” لأنَّ الربَّ أَعْلَنَ خَلاَصَهُ وكشَفَ عدْلَهُ قدَّامَ الأمم (مز97 : 2 ). وهذا قد صنعهُ الله الآب ليس فقط من خلال أقوال أنبياءه بل من خلال تجسد كلمة الله أي ابنه الوحيد الذي تجسد من الروح القدس ووُلِدَ من العذراء مريم ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي قد شقَّ لنا طريقاً لدخولنا إلى ملكوتهِ الأبديّ.

وبكلامٍ آخر إن غنى رحمة الله ومحبته الكبيرة لنا، قد خلصتنا من موت الخطيئة ووهبتنا حياةً إذ وجدتنا مأسورين فمنحتنا نعمةً لكي نحيا أحراراً كما يكرز القديس بولس اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ. (أفسس2: 4-5). وهذا يعني أن ولادة المسيح تخصُ إعادةِ خلْقِنا وَوِلادتنا وإلى التقدم في معرفة الله الكاملة وفي أعمال البر أي في “كل فضيلة وأن نحيا بالتقوى والمحبة والايمان والوداعة” كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم في تفسيره لقول المزمور:” اِذْبَحُوا ذَبَائِحَ الْبِرِّ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى الرَّبِّ (مز 4 : 6)وهذا ما يطلبه منا القديس بولس الرسول في فصل رسائل اليوم فَأَمِيتُوا أَعْضَاءَكُمُ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ: الزِّنَا، النَّجَاسَةَ، الْهَوَى، الشَّهْوَةَ الرَّدِيَّةَ، الطَّمَعَ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ. (كولسي 3 :5) . ويكمل قائلاً وَأَمَّا الآنَ فَاطْرَحُوا عَنْكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا الْكُلَّ: الْغَضَبَ، السَّخَطَ، الْخُبْثَ، التَّجْدِيفَ، الْكَلاَمَ الْقَبِيحَ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ. لاَ تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، إِذْ خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ. (كولسي 3: 8-10)

فها قد اتضح لنا لماذا المسيح هو نور المعرفة وشمس البر وذلك لأن مرنم الكنيسة يؤكد على ذلك منشداً بوضوح ” ميلادُكَ أيُّها المَسيحُ إلهنا، قد أشرقَ نورَ المعرفةِ في

العالم، لأنِّ الساجدينَ لِلكواكب، بهِ تَعلّموا مِنَ الكوكب السّجودَ لكَ يا شمسَ العدْل. وأنّ يعَرِفوا أنّكَ مِن مشَارِقِ العُلوِّ أتيتْ يا ربُّ المجدُ لك”.

إن أداة الخلاص هذه أي خلاص الله والذي دبره الله من خلال تجسد المسيح يتمتع به وينالهُ كل إنسانٍ ذو نيةٍ صالحة على الرغم من أنه يرتدي جسداً ضعيفاً لهذا فإن القديس الرسول لوقاً الإنجيلي يستشهد بأقوال النبي أشعياء قائلاً وَيُبْصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خَلاَصَ اللهِ (لوقا 3: 6 / أش 40: 5)

حقاً أيها الإخوة الأحبة إننا نحنُ أعضاءً حقيّقينَ في جسدِ الكنيسة أيّ المسيح. حاصلين على “خلاص الله” وذلك عند مساهمتنا ومشاركتنا في سر الشكر الإلهيّ عندما نكون مستعدين تماماً للمناولة بخوفٍ من الله وإيمان ومحبة فنتقدم لمناولة الأسرار الطاهرة. والتي هي بحسب القديس باسيليوس الكبير “رسمَيْ جسد ودم المسيح المقدسين ”

ختاماً نتضرع إلى القديسين الآباء المتوشحين بالله الذين قبل الناموس (الموسوي) وفي الناموس، راجين من الذي وُلِدَ من العذراء مريم والدة الإله المباركة مخلصنا يسوع المسيح أنّ نُعيِّد بسلامٍ وتوبةٍ وابتهاج بالطفل المولود والمضجع في مذودٍ في مغارةٍ مجاورةٍ في بيت لحم.

آمين