1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس ثيوذوسيوس (عطاالله) رئيس الأديار24 -1-2017

يا إخوةُ اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ .يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْس وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ. (عب13 :7-8)

أي أيها الأخوة اذكروا رؤسائكم الروحيين النماذج الحية المقدسة الذي لقنوكم كلمة الله، وتمثلوا في سيرة حياتهم وفي ايمانهم وكيف كانت طريقة حياتهم ونهايتهم مرضية لله. هذا ما يكرز بهِ القديس بولس الرسول.

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،

أيها الزوار المسيحيون الأتقياء،

إن تذكار أبينا البار ثيوذوسيوس رئيس الأديار قد أزهرَ لنا مُجدداً في هذه السنة أيضاً في ديرهِ المقدس في مكان نسكهِ وموضع قبره حيث نحن مجتمعين اليوم لكي من جهةٍ، نُقدِمُ مجداً وشكراً للذي اعتمد في نهر الأردن على يدِ النبي السابق يوحنا المعمدان وظهر في العالم بالجسد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح ومن جهةٍ أخرى لكي نُكّرم بفرحٍ الذي أخصبَ برية فلسطين الروحية.

لقد تمثلّ ابينا البار ثيوذوسيوس بإيمان القديسين الرسل والقديس يوحنا المعمدان فأضحى “مرشداً لنا” مُعلماً إيانا بكلام الرب بالقول والفعل. وهذا ما تُذيعه أعمالهُ إلى اليوم شاهدةً بأن يسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد.

إن أبينا البار ثيوذوسيوس قد دُعي بحقٍ معلم الصحراء، وذلك لأنّه اعتاد أن يقرأ الكتاب المقدس باستمرار ولم يُهمل تأديبات الرب، التي كانت تصير له من خلال

التجارب والأحزان والتي كانت تجلب له المنفعة الروحية، ولم تفترُ هِمَّتُه عندما كان يوبخهُ الربُ: “يَا ابْنِي لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ، وَلاَ تَخُرْ إِذَا وَبَّخَكَ.لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ”. (عبرانيين 12 :5-6)

توشَّح أبينا البار بلباس الرهبنة المقدس حالَ وصولهِ إلى آوروشليمَ المدينةِ المقدسة، قادماً من قريةٍ كبّادوكية، تُدعى موغاريسوس. ولما بلغ أبينا البار إلى أنطاكية ذهب إلى القديس سمعان العامودي، الذي لقَّنَهُ مبادئ الحياة الرهبانية وكيفية البلوغِ إلى الفضيلة، لأنهُ سيكون أباً روحياً لأبناء كثيرين.

حقاً لقد ظهرَ القديسُ البار مستوطناً ذائع الصيت لصحراء فلسطين وللعالم أجمع وبالأخص، لهذه الصحراء، والذي خرج من رحمها، أعظم الأنبياء كالقديس يوحنا المعمدان. واستضافت في مغارة بيت لحم المسيح الإله مخلصنا مع والدته الدائمة البتولية العذراء مريم. وأعطت الرعاة الساهرين، ورَوَّتْ بالمشروب الروحي. (1كور 01 :4). جمعٌ غفيرٌ من الآباء المتوشحين بالله كآبائنا القديسين أفثيميوس وسابا وجاورجيوس الخوزيفي وأيضاً هنالك من لمعَ بالنسك في بطريركية آوروشليم المقدسة. ومن تلأَلأَ بالنسك في هذا الدير كصفرونيوس وموذيستوس.

لقد برهن أبينا البار ثيوذوسيوس من خلال قداسة حياتهِ أن الابن الوحيد كلمة الله قد صار إنساناً حقاً وأنهُ قد ألّهَ طبيعتنا البشرية التي أخذها المسيح كما يرنم مرتل الكنيسة:

“لقد كنت مماثلاً للبشر في الطبيعة أيها الأب ثيوذوسيوس ولكنك ظهرت مستوطناً مع الملائكة، لأنك عشت على الأرض كأنك بلا جسد أيها الحكيم وطرحت عنك اهتمامات الجسد لهذا فلنهتف إليك هكذا قائلين:

“افرح لأنك تبعت المسيح منذ الطفولة، افرح لأنك وطئت شهوات الجسد. وقد نجحَ أبينا البار ثيوذوسيوس بتطبيق أقوال الرب:” أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ” (يو 8: 12)

ويعلِّقُ القديس ثيوفيلكتوس على أقوال الرب هذه قائلاً: “بأن الرب لم يقل بأنّ النور بداخلي بل قال أنا هو النور”، وأما القديس كيرلس الاسكندري يوضحُ قائلاً: “إن

كلمة الله الابن الوحيد هو نورٌ بحسب الطبيعة من النور الطبيعي الذي أضاء من الله الاب”

إنّ هذا النور الذي لا يُدرك ولا يُسبر غوره هو الروح القدس والذي نزل على المسيح بهيئة حمامةٍ وأتى عليهِ عند اعتماده في مجاري الأردن من النبي السابق يوحنا المعمدان و َصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ”(متى 13: 16 _ 17)

لهذا النور الإلهيّ الذي لا يوصف ولا يُدرك أي الروح القدس أصبح أبينا البار ثيوذوسيوس مشتركاً فيهِ بكلِ قوتهِ ومذيعاً ومعترفاً وكارزاً بطبيعتيّ المسيح التامتين الإلهية والإنسانية لكلمة الله المتجسد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح كما يقول مرنم الكنيسة:” لقد صار الإلهُ من أجلي إنساناً على صورتي. والمُطهر العالمَ اعتمدَ بالجسد. فكرزتَ انت بهِ بطبيعتين يا ثيوذوسيوس المغبوط.

إن الكرازة بهذه العقيدة أي اتحاد الطبيعتين الإلهية والإنسانية اتحاداً أقنومياً في شخص المسيح الإله بدون اختلاط أو تشويش أو امتزاج، مازالت كنيستنا المقدسة أي كنيسة آوروشليم تكرز بها وتَصْدَحُ بها دون توقف وذلك عند إقامتها تذكار أبينا البار ثيوذوسيوس رئيس الأديار.

ونقول هذا أيها الإخوة الأحبة لأنّ عيدِ تذكار أبينا البار ثيوذوسيوس في هذا الدير المقدس الذي يحمل اسمهُ لا يُشكّلُ تذكاراً لحدثٍ تاريخي. بل هي بالأحرى مشاركةً حيةً وفعّالة لمخلصنا وإلهنا يسوع المسيح المولود في بيت لحم والمعتمد في نهر الأردن. لهذا فإن القديس بولس الرسول يحثُنا قائلاً:” لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ (غلاطية 3: 27). وأيضاً:” وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقّ”ِ. (أفسس 4: 24).

فنحنُ مدعوون أن نلبسَ الإنسان الجديد أي إنسانُ المسيح الواهب طبيعتنا البشرية الخلود وعدم الفساد والغلبةُ على الموت في قيامة المسيح، بشفاعات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم، وتوسلات أبينا البار ثيوذسيوس رئيس الأديار المتوشح

بالله، متضرعين إلى القديس ثيوذوسيوس بما له من الدالة لدى المسيح إلهنا أن يمنحَ السلام لنفوسنا ولبلادنا الُممْتَحنة بتجارب متنوعة.

لسنين سلاميةٍ عديدة. آمين