1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث في كنيسة القديس جاورجيوس اللابس الظفر في مدينة الخضر 29-1-2017

لحمٌ ولا دمٌ بل الله الآب ألهمك يا بطرس أن تتكلًّم بلهجةٍ لاهوتية عن المسيح. انه ابن الله الآب الحيّ. ومن ثمَّ سبق وشهد لك بأنك مغبوطٌ. ودعاك بطرس مطابقةٌ لمعنى اسمك. لأنك قاعدةٌ للكنيسة وصخرةٌ لها راسخة. هذا ما يقوله مرنم الكنيسة.
أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،
أيها المسيحيون الأتقياء،
تُعيّد كنيستنا المقدسة اليوم لتذكار ما جرى مع القديس المجيد بطرس الرسول والذي يذكرهُ لوقا الإنجيليّ في سفر أعمال الرسل حين قبض هيرودوس الملك على بطرس الرسول ” وَلَمَّا أَمْسَكَهُ وَضَعَهُ فِي السِّجْنِ، كَانَ بُطْرُسُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ نَائِمًا بَيْنَ عَسْكَرِيَّيْنِ مَرْبُوطًا بِسِلْسِلَتَيْنِ، وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ أَقْبَلَ، وَنُورٌ أَضَاءَ فِي الْبَيْتِ، فَضَرَبَ جَنْبَ بُطْرُسَ وَأَيْقَظَهُ قَائِلاً: «قُمْ عَاجِلاً!». فَسَقَطَتِ السِّلْسِلَتَانِ مِنْ يَدَيْهِ. فَقَالَ بُطْرُسُ، وَهُوَ قَدْ رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ: «الآنَ عَلِمْتُ يَقِينًا أَنَّ الرَّبَّ أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَأَنْقَذَنِي مِنْ يَدِ هِيرُودُسَ، وَمِنْ كُلِّ انْتِظَارِ شَعْبِ الْيَهُودِ (أعمال 12: 4-7،11).

يتميز بطرس الرسول بين الرسل القديسين وذلك عندما سأل المسيح تلاميذه قَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!». فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. (متى 16: 15-17)
ويُعلِّقُ القديس يوحنا الذهبي الفم على أقوال الرب هذه قائلاً: “إنّ بطرسَ أقرَّ بأنَّ السيد المسيح هو الابنُ حقاً” وهذا يعني أنّ بطرس قد اعترف بأن المسيح هو ابن الله بالطبيعة. ويُكمِلُ زيغافينوس التعليق قائلاً: إنّ الرسل الآخرين الذين من قبل كنثنائيل وكالذين كانوا في المركب بعد العاصفة (متى 14: 33) إذ قد قالوا ببساطة أنه ابن الله ولكن استند موقفهم أنه في موضع ومكانة تقدم وسمو في الفضيلة كجميع القديسين.
فها لماذا يقول مرنم الكنيسة: لا لحمٌ ولا دمٌ بل الله الآب ألهمك يا بطرس أن تتكلًّم بلهجةٍ لاهوتية عن المسيح. انه ابن الله الآب الحيّ.
وأما أقوال الرب: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. (متى 16 :18). فإن آباء الكنيسة العِظام يقولون: فلنهتفُ نحن أيضاً كبطرس قائلين: أنت المسيح ابن الله الحي. ولنَصِر نحنُ كبطرس ولنسمع من كلمة الله، بأنك أنت بطرس. وذلك لأنّ الصخرة هو كل من يقتدي ويتمثلُ بالمسيح وعلى هذه الصخرة تُبنى الأقوال الكنسية الإلهية والحياة في الله. فالكنيسة التي يبنيها الله هي كل انسان مسيحي كامل (أي مُتَأّله) قد حفظ الوصايا وعمل الفضائل في نفسه وصار له فكر المسيح وعملهُ.
وبكلامٍ آخر أيها الإخوة الأحبة إن القديس بطرس يُدعى هامة الرسل لأنّهُ اعترف وأقرَّ أولاً بأن يسوع المسيح هو ابن الله، لهذا فقد تميز بطرس من ناحية الاعتراف بالإيمان وليس بالسلطان، أي ليس من جهة موهبة الروح القدس. هذه الروح قد مُنِحت لجميع الرسل وامتلأوا منها جميعهم في يوم العنصرة. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا. (أعمال 2: 4).
إنّ هذا بالضبط هو خاصيّة وميزة كنيستنا الواحدة، الجامعة، الرسولية. لأنّ المسيح هو جسد الكنيسة وهو أيضاً رأس هذه الكنيسة أي رأس هذا الجسد. وهذا ما يؤكده القديس بولس الرسول الَّذِي هُوَ قَبْلَ الجَمِيعِ، وَبِهِ يَثْبُتُ الَجَميع وَهُوَ (أي المسيح) رَأْسُ الْجَسَدِ أيْ رَأسُ الْكَنِيسَةِ. الَّذِي هُوَ الْبَدَءُ، والبِكْرٌ مِنَ بين الأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ المُتَقَدِّمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. (كولوسي 1: 17-18).
إن أقوال القديس بولس الرسول هذه تصبحُ واضحةً ومفهومةً فقط لكل الذين يشتركون فعلياً وبانتظامٍ في حياة الكنيسة الليتورجية وبالأخص في سر الشكر الإلهي (أي القداس الإلهي).
هذا السر (أي القداس الإلهي) يُشكِّلُ الأساس الثابت لبناء الكنيسة المرئي في العالم والذي يعني التنظيم الكنسي المنظور.
لأن مؤسسة الكنيسة تُعتْبَرُ إلهيةً وبشرية، منظورة وغير منظورة، سماوية وأرضية، هي الفضاء والمكان أو الأفضل أن نقول إنها البيت حيث يتم فيه خلاص الإنسان كما قال الرب يسوع المسيح عندما دخل إلى بيت الغني زكَّا رئيسُ العشارين في أريحا فَوَقَفَ زَكَّا وَقَالَ لِلرَّبِّ: «هَا أَنَا يَا رَبُّ أُعْطِي نِصْفَ أَمْوَالِي لِلْمَسَاكِينِ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ وَشَيْتُ بِأَحَدٍ أَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الْيَوْمَ حَصَلَ خَلاَصٌ لِهذَا الْبَيْتِ، إِذْ هُوَ أَيْضًا ابْنُ إِبْرَاهِيمَ، لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ». (لوقا 19: 8-10).
وبكلامٍ آخر أيُها الإخوة الأحبة إنّ مَن يطلبُ ويريدُ أنّ يرى من هو يسوع، كزكَّا العشّار الذي ذُكر في فصل إنجيل اليوم فلينزل عن شجرة الخطيئة وليَقبَل في بيت نفسهِ المسيح ابن الله لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ
(لوقا 19: 10).
لقد عرضَ لنا الإنجيليين ما حصل مع الغني زكّا رئيس العشّارين مثالاً لنا لكي نقتدي ونتمثل به. وذلك لأنَّ زكَّا أدركَ قيمةَ نفسهِ أنها لا تُقَدَّرُ بثمنٍ. لهذا فقد طلبَ أنّ يرَى يسوع، وقد عرف زكَّا العشَّار بأنَّ يسوع المسيح هو طريق الخلاص وأن فيه (أي بالمسيح) يكمن خلود النفس وأبديتها.
إنَّ طريق الخلاص هذه بحسب القديس بطرس الرسول هي طَرِيقِ الْحَقِّ. (2 بطرس 2: 2) أي المسيح الرب الذي قال “أَنَا هُوَ الطَّرِيق”. (يوحنا 14: 6) وأيضاً “وَتَعْلَمُونَ حَيْثُ أَنَا أَذْهَبُ وَتَعْلَمُونَ الطَّرِيقَ” (يوحنا 14: 4). “أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي”. (يوحنا 14 : 6)
إنّ طريقَ خلاص النفس هذه تُمنح وتُعطى لجميع الذين يطلبونها، وإنّ كنيسة آوروشليم المقدسة من خلال حفاظها وخِدمتها إلى اليوم في الأديرة والكنائس والأماكن والمزارات المقدسة، كهذا المكان المقدس الذي يؤكد على ما نقوله أي دير القديس جاورجيوس اللابس الظفر في مدينة الخضر الفلسطينية.
ختاماً نشكرُ ربنا وإلهنا يسوع المسيح متضرعين إلى سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم مع القديس جاورجيوس لكي تتشفع لأجل خلاص نفوسنا ومن أجل السلام والعدل في هذه المنطقة الممتحنة في الشرق الأوسط.
آمين