1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث في كنيسة القديس جاورجيوس اللابس الظفر حيث العشرة برُص في مدينة بُرقين 10 -2-2017

في ذلك الزمان وفِيمَا يسوعُ دَاخِلٌ إِلَى قَرْيَةٍ اسْتَقْبَلَهُ عَشَرَةُ رِجَال بُرْصٍ، فَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ وَرَفَعوُا صَوْتًا قَائِلِينَ: يَا يَسُوعُ، يَا مُعَلِّمُ، ارْحَمْنَا (لوقا 17: 12-19) هذا ما يورِدهُ التلميذ البشير لوقا الإنجيليّ.

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،

أيها المسيحيون الأتقياء وأبنائنا الأحبة

إن رحمة الله التي لا تُحد قد جمعتنا اليوم لكي نُقدم لله عبادة وشكرٍ ونُمجد اسمهُ الكلي الإكرام في هذا المكان والمزار المقدس الذي ورد ذكرهُ في الإنجيل حيث تمت أعجوبة شفاء وتطهير العشرة بُرص من قبل ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وأيضاً حتى نُكرم القديسَيْن المجيدَيْن الملكين العظيمين والمتوجين من الله والمُعادليّ الرسل قسطنطين وهيلانة اللذان أظهرا هذا المزار المقدس وذلك من خلال إنشاء كنيسةٍ ودير مقدس باقٍ ليومنا هذا، محافظة عليه على مر العصور بطريركية الروم الأرثوذكس العريقة وطغمة رهبان أخوية القبر المقدس.

إن الحضور الدائم لهذا “القطيع الصغير”، أي المجتمع المسيحي هنا والذي يُشكل الشهادة الصادقة لمهمة ورسالة كنيسة آوروشليم أي بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسة، والتي جُلُّ مهمتها ورسالتها هو التبشير والكرازة برحمة ومحبةِ ربنا ومخلصنا يسوع المسيح للبشر التي لا توصف.

وبحسب التلميذ البشير لوقا فإن يسوع المسيح فِي ذَهَابِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ اجْتَازَ فِي وَسْطِ السَّامِرَةِ وَالْجَلِيلِ. وَفِيمَا هُوَ دَاخِلٌ إِلَى قَرْيَةٍ (وهي القريةُ التي نحنُ فيها وتحمل اسم بُرقين) اسْتَقْبَلَهُ عَشَرَةُ رِجَال بُرْصٍ، فَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ وَرَفَعوُا صَوْتًا قَائِلِينَ: «يَا يَسُوعُ، يَا مُعَلِّمُ، ارْحَمْنَا (لوقا 17: 11-13).

يوصَفُ مَرضُ البرصِ وأعراضهُ المختلفة في العهد القديم وتحديداً في سفر اللاويين (13: 1_14، 57). ولأن هذا المرض كانَ مرضٌ مُعدٍ فإنّ المُصابينَ فيهِ كانوا

يعتبرون بحسب الناموس الموسوي أنجاساً وغير طاهرين. لهذا فقد كان يُفرض على البُرص أنّ يعتزِلوا كاملاً عن بقية الناس، ويؤكد هذا الحدث ما ورد في الإنجيل بأنّ العشرة بُرص “وَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ وَرَفَعوُا صَوْتًا قَائِلِينَ: «يَا يَسُوعُ، يَا مُعَلِّمُ، ارْحَمْنَا (لوقا 17: 11-13).

وهذا إن دَلَّ على شيء فإنهُ يدلُّ على أن الناس الآخرين كانوا يُرفضون ويُبتعدون عن هؤلاء المرضى بسبب عدم طهارتهم لذلك فإنّ العشرة بُرص كانوا يتوقعون من المسيح بأنَّهُ سيرفضهم كبقيّة الناس لذلك وقفوا من بعيد ورفعوا صوتهم.

ولكن هنا تماماً انكشفت رحمة الله العظمى ومحبته للبشر التي لا توصف كما يقول القديس بولس الرسول” الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ”. (1تيم 2: 4) وأيضاً يقول القديس بولس الرسول:” اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيح. (أفسس 2: 4)

إنّ حالة العشرة بُرص أيها الأحبة، قبل وبعد شفائهم من الرب يسوع المسيح يوضح شيئين مُهمين.

أولاً: حالة الإنسان الفارغ الذي يعيش بعيداً عن الله وبدون إيمان.

ثانياً: حالة الإنسان الممتلئ بالله والمقترب إلى إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح بإيمان.

فالأول أي الفارغ فهو يلد القنوط والحزن أي اليأس. وأما الممتلئ بالله فيلد السرور والبهجة والرجاء في قلوب البشر.

إنّ مرض البرص هذا يشيُر بوضوح إلى الخطيئة ونتائجها ونقول هذا لأنّ الخطيئة تتميز بأنّها مرضٌ وضعفٌ للنفس والجسد.فمرضُ النفس والجسد هذا يدخُل إلى مجتمعاتنا في هذه الأيام الحاضرة وذلك عن طريق العولمة والتي تهدف إلى عزل الإنسان وفصله عن مصدر الحياة والنور والخلاص الذي هو ربنا وإلهنا يسوع المسيح وكنيسته المقدسة كما يقول بولس الرسول” أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ.”(أفسس 5: 25-27)

إنّ سر الكنيسة يصبحُ مفهوماً ومدركاً وذلك من خلال الإيمان كما يقول القديس بولس الرسول لأَنَّنَا بِالإِيمَانِ نَسْلُكُ لاَ بِالْعِيَانِ. (2كورنثس 7:5) وهذا يعني أنهُ ينبغي علينا أنّ نعيشَ زمان حياتنا بإيمان بدون أن نرى المسيح بعيوننا البشرية كما رآه العشرة بُرص وأما الْغَرِيبِ الْجِنْسِ الذي رَجِعَ لِيُعْطِيَ مَجْدًا للهِ لوقا 18:17) فقد قال يسوع لهُ”قُمْ وَامْضِ، إِيمَانُكَ خَلَّصَكَ”. (لوقا 19:17). ومن هنا نستطيع أن ندرك أن إيمان السامري الأجنبي الأبرص كان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالشكر والعرفان للمسيح عندما تحنن عليه وأبرأه من مرضة.

وبكلامٍ آخر إن الأبرص الشكور والمعترف بالجميل قد حافظ على علاقته مع محسنهِ وخالقهِ المتحنن عليه، بينما التسعة الآخرون فمن خلال جحودهم ونكرانهم للمسيح قد قطعوا علاقتهم بالمسيح، لهذا فإننا نرى القديس بولس الرسول في سفر أعمال الرسل قد عاد مع معاونيه إلى المدينة حيث كرَزَ بإنجيلِ المسيحِ وذلك لكي يثبت إيمان التلاميذ كما يشهد بذلك القديس لوقا الإنجيلي فَبَشَّرَا فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ وَتَلْمَذَا كَثِيرِينَ. ثُمَّ رَجَعَا إِلَى لِسْتِرَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَنْطَاكِيَةَ يُشَدِّدَانِ أَنْفُسَ التَّلاَمِيذِ وَيَعِظَانِهِمْ أَنْ يَثْبُتُوا فِي الإِيمَانِ، وَأَنَّهُ بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ (أع 14 :21 -22).

وهذا هو ما تفعلهُ تماماً كنيستنُا الأرثوذكسيّة المقدسة أيّها الإخوةُ وذلك من خلال الليتورجيا والعبادة وحلقات الاستماع للقراءات من الكتاب المقدس بشكل عام ومن الإنجيل بشكل خاص. كمثل الفريسي والعشار على سبيل المثال والذي مررنا به في هذا الأسبوع، ويعتبر أحد الفريسي والعشار هو فاتحة الكتاب الليتورجيّ والخشوعيّ والذي يُدعى بالتريودي والذي يُهْيئُنا لاستقبالِ يوم عيد الفصح الخلاصي الكلي البهاء.

إن ذكري عيد اليوم أي شفاء العشرة برص تدعونا عبر فم القديس بولس الرسول أن نفحص ذواتنا ونعلم بأننا عندما نحافظ على إيماننا حياً حينئذٍ يكون المسيح في داخلنا جَرِّبُوا أَنْفُسَكُمْ، هَلْ أَنْتُمْ فِي الإِيمَانِ؟ امْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ. أَمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ أَنْفُسَكُمْ، أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ فِيكُمْ، إِنْ لَمْ تَكُونُوا مَرْفُوضِينَ؟ ( 2كورنثس 5:13)

ختاماً نتضرع ونرجو من والدة الإله أم إلهنا الفائقة البركات المجيدة الدائمة البتولية مريم وبشفاعات من نعيّد لهم اليوم ونقيم تذكارهم المقدس، القديس أفرام السوري

والقديس بلاذيوس، أن يتشفعوا إلى ربنا وأبينا وإلهنا أن يرحم نفوسنا وأن يمنح السلام للمسكونة وللعالم أجمع ولشعبنا ورعيتنا وبلدنا الأمن والأمان.

وليكن مباركاً زمان الاستعداد والتهيئة للصوم الأربعينيّ المبارك.

آمين