1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس سمعان الشيخ القابل الإله.16-2-2017

لينفتحنَّ اليوم باب السماء. فإنَّ الإله كلمة الآب الذي بداءَة لهُ قد اتخَّذ بداءةً زمنية. ولم ينفصل عن لاهوته. فتقدّمهُ امُّهُ العذراءُ باختيارهِ إلى الهيكل الناموسي طفلاً ابن أربعين يوماً. فيقبلهُ الكاهن عَلَى ذِراعَيْهِ. ويهتفُ هتاف العبد نحو السيّد قائلاً: “أطلقني يا سيّد لانَّ عينَيَّ قد ابصرتا خلاصك. فيا من أتى إلى العالمَ ليخلّص جنس البشر. ياربُّ المجدُلك. هذا ما يتفوّه بهِ مرنمُ الكنيسة.

إخوتنا المحبوبون بالرب يسوع المسيح،

أيها المسيحيون الأتقياء والزوار الكرام،

تُكرم اليوم كنيستنا الأرثوذكسيّة بإجلالٍ ووقار سرَ تأنس كلمة الله الذي لا يدرك وتنازله حتى تَجسده وإخلاءهِ ذاتهُ أمام شخص القديس سمعان الصدّيق القابل الإله (أي أن المسيح ارتضى أن يذهب لدى سمعان الشيخ وأن يُحمَل على ذراعيهِ) والذي مازال قبر القديس سمعان موجود ههنا في هذه الكنيسة والدير الذي يحمل اسمهِ حيثُ يحتفلُ المؤمنون الأرثوذكسيين بتذكارهِ المقدس، مقدمين الشكر للإله المحب البشر.

وكما يدوّن القديس لوقا الإنجيليّ البشير حدثَ إدخال الطفل يسوع إلى هيكل سليمان وحضورهِ من قِبل والديهِ واستقبالهِ من الصدّيق سمعان الشيخ وحنة النبيّه إذ يقول:” وَكَانَ رَجُلٌ فِي أُورُشَلِيمَ اسْمُهُ سِمْعَانُ، فَأَتَى بِالرُّوحِ إِلَى الْهَيْكَلِ. وَعِنْدَمَا دَخَلَ بِالصَّبِيِّ يَسُوعَ أَبَوَاهُ، لِيَصْنَعَا لَهُ حَسَبَ عَادَةِ النَّامُوسِ، أَخَذَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَبَارَكَ اللهَ وَقَالَ: الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ، الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ. (لو 2: 25).

إن ربنا يسوع المسيح _كما يقول مرنم الكنيسة_ قد برزَ من الأم المنزهة عن الفساد، أي والدة الإله العذراء مريم وشوهد في هيكلِ مجدهِ طفلاً محمولاً في

الأحضان من القديس البار سمعان الصدّيق ويقول القديس يوحنا الدمشقيّ” أنّ الإله الكائن قبل الدهور يصيرُ إنساناً ويُحمل كطفلٍ على الأحضان” ويقول أيضا القديس كيرلس الأوروشليمي “بأنّ المسيح هو الذي خلقنا على صورة الله، وهو الآن يصيرُ إنساناً على الصورة ذاتها ”

فمن خلال خلاص البشر أصبح كلمة الله المتجسد أي المسيح “خلاص” الله الآب الذي رأتهم عينا الشيخ سمعان الصدّيق كما يقول مرنم الكنيسة: لما أبصر الشيخ بعينهِ الخلاص الذي وافى الشعوب من الله هتف إليك قائلاً: أنت هو إلهي.

وبتوضيحٍ أكثر إنّ الشيخ سمعان قد رأى بعينيهِ الجسديتين المخلص الذي أتى لجميع الشعوب وهتف نحوهُ بقوةٍ قائلاً: أيها المسيح أنت هو إلهي الذي ولدت من الله الآب قبل كل الدهور كما يقول النبي العظيم الصوت اشعياء: وَيُبْصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خَلاَصَ اللهِ” (لوقا 3: 6 _اش 40 :5)

وبكلامٍ آخر أيها الأخوة الأحبة إن “خلاص الله” أي المسيح ممنوحٌ لجميع البشر وخاصة لأولئك من لديهم شوقٌ ونية صالحة بأن يعرفوا المسيح ويقبلوهُ في أحضانهم الروحية “أَنَا قَدْ جِئْتُ نُورًا إِلَى الْعَالَمِ، حَتَّى كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِي لاَ يَمْكُثُ فِي الظُّلْمَةِ.وَإِنْ سَمِعَ أَحَدٌ كَلاَمِي وَلَمْ يُؤْمِنْ فَأَنَا لاَ أَدِينُهُ، لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لأُخَلِّصَ الْعَالَمَ”. (يوحنا 12: 46-47)

إنّ خلاص الله (أي المسيح كلمة الله المتجسد) هو الله الحي الذي رآه الشيخ سمعان بعينيه الطبيعيتين كإنسان تام، بينما رآه بعينيه الروحيتين بأنّهُ النورُ الحقيقي الغير المخلوق أي ألوهته كما يقول قزما المتوحد: لما انحنى الشيخ ولمس آثار أمّ الله التي لم تذُق خبرة الزواج لمساً إلهياً. هتف يقول: إنّكِ تحملينَ ناراً يا نقيّة فأنا أرتعد عند لمس الإله طفلاً. وهو سيد السلام والنور الذي لا يغرب.

وقد صارت شريكةً ومساهمةً في هذه الخبرة الروحية ولشهادة القديس سمعان، حنة النبية الملهمة من الله التي لاَ تُفَارِقُ الْهَيْكَلَ، عَابِدَةً بِأَصْوَامٍ وَطَلِبَاتٍ لَيْلاً وَنَهَارًا. (لوقا 2 : 37) وعندما رأت الطفل مجّدت الله وشكرته ووَقَفَتْ تُسَبِّحُ الرَّبَّ، وَتَكَلَّمَتْ عَنْهُ مَعَ جَمِيعِ الْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ. (لوقا 2 : 38)

إنّ هَذَا الفِداءُ الذي صنعه لشعبه (لوقا 1: 68) الرب يسوع المسيح بدمه الكريم، ويوضح القديس بولس الرسول ماهية هذا الفداء في رسالته للعبرانيين إذ يقول وَأَمَّا الْمَسِيحُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ…. وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُول، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا. (عبرانيين 9: 13-14)

ويقول آباء الكنيسة مُفسرين قول القديس بولس الرسول “لقَد دَخَلَ المَسيحُ إلى الأقدَاسِ” أي “إلى قدس الأقداس في السماوات”. ويكملُ القديس بولس الرسول مُفسراً ما سبق: لأَنَّهُ إِنْ كَانَ دَمُ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ وَرَمَادُ عِجْلَةٍ مَرْشُوشٌ عَلَى الْمُنَجَّسِينَ، يُقَدِّسُ إِلَى طَهَارَةِ الْجَسَدِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ للهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَال مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ! (عبرانيين 9 : 13-14)

لقد عَبَدَ سمعانُ الصدّيق الله الحي وتكلمت حنة النبية أيضاً عن الله الحي، أي المسيح الإله المتجسد الذي قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ. (لوقا 2: 34) ويدعونا أن نلتقي به ليس بحسب الناموس ولكن في الروح القدس.

فلنهتف جميعاً يا إخوتي مع أبينا القديس كيرلس الأوروشليمي قائلين: فلنرقص طرباً مع الملائكة ولنسهر مع الرعاة، ولنسجد مع المجوس، ولنعيّد مع بيت لحم معظمين والدة الإله العذراء مريم ومقدمين مع يوسف فرخي اليمام النفس والجسد ولنقبل المسيح في أحضاننا مع سمعان الشيخ. ولنسبح الرب مع القديسة حنة النبيّة هاتفين: لأنك أنت إلهنا الصالح إلى جميع الدهور بنعمة ورأفات ربنا يسوع المسيح ومحبته للبشر الذي له المجد والعزة مع الآب والروح القدس إلى دهر الداهرين.

آمين