1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة مدائح والدة الإله

إنّ الملاكَ المتُقدم أُرسِلَ منَ السماء ليقولَ لوالدةَ الإلهِ: افــــرحــي. فلما عاينكَ يا رب متجسداً مع الصوت غير المتجسد ذهل ووقف صارخاً لها هكذا: افرحي يا من بها يشرق السرور. افرحي يا من بها تضمحل اللعنة. افرحي يا استعادة آدم الساقط. افرحي يا نجاة حواء من البكاء والنحيب”.

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،

أيها المسيحيون الأتقياء،

إنّ كنيستنا الأرثوذكسيّة المقدسة كأمٍ رَؤُوم وحنون تدعونا للمشاركة في العيد الكلي البهاء، عيد قيامة إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح. لهذا فقد وضعت وحددت الصوم الأربعينيّ الكبير المقدس قبل عيد الفصح. وذلك لأن الصوم بحسب مرنم الكنيسة: “هو رُكن العفاف، مبكّت الخطيئة ومساعد التوبة، سيرة الملائكة وخلاص البشر”. ولهذا فقد صارت العذراء مريم، مساعدةً ومشاركةً في عمل خلاص البشر فأصبحت وعاءً وإناءً مختاراً للروح القدس أو بالأحرى علينا أن نقول إنها أصبحت والدة الإله أمُ إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح.

إنّ تجسد كلمة الله من الروح القدس وتأنسه من دماء النقية العذراء مريم الممتلئة نعمة قد خلص طبيعتنا البشرية من اللعنة القديمة أي لعنة حواء الأم الأولى التي من خلالها دخلت الخطيئة وبالتالي دخل الموت إلى العالم.

وبكلامٍ آخر وبحسب القديس مكسيموس إنّ العذراء مريم الفائقة البركات “قد ولدت الابن المتجسد كلمة الله وصنعت على الأرض سر إعادة جبلة جنسنا البشري وخلاص العالم أجمع الذي هو ربنا وإلهنا يسوع المسيح والذي جمع ووحّد المتفرقين في ذاته ومحى خطيئة (أي لعنة) العالم”. فلهذا السبب نرى مرنم الكنيسة يهتِفُ للعذراء مريم والدة الاله عبر فم الملاك قائلاً: “افرحي يا من بها يشرق السرور.

افرحي يا من بها تضمحل اللعنة (أي الخطيئة). افرحي يا استعادة آدم الساقط افرحي يا نجاة حواء من البكاء والنحيب”.

إنّ ربنا يسوع المسيح ومن خلال عمل الفداء الذي تممه بدمه الكريم على الصليب وقيامتهِ من بين الأموات قد أنهض معه طبيعة آدم الساقط، أي أقامنا معه في طبيعتهِ البشرية المتألهة. فقد ظهر المسيح بقيامتهِ بأنهُ آدم الجديد أي الإنسان الجديد وأما العذراء مريم والدة الإله فهي حواء الجديدة، حواء الطاعة، لمشيئة الله الآب لأنّ مريم قالت لرئيس الملائكة جبرائيل “هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ” ولهذا السبب يهتف مرنم الكنيسة قائلاً: افــــرحــي يا من بها تتجدد الخليقة”.

إنّ كنيستنا الأرثوذكسيّة توقِرُ وتكرم بشدةٍ شخص الفائقة القداسة العذراء مريم والدة الإله وذلك لأنّهُ بدون مشاركتها أي لولا بشارتها من رئيس الملائكة جبرائيل بغنى المسيح الذي لا يُسْتَقصى أي سر التدبير الإلهي لخلاص جنس البشر كان سيبقى هذا السرَّ مخفياً علينا نحن البشر كما يُكرزُ القديس بولس الرسول الذي” بِإِعْلاَنٍ عَرَّفَ بِهذا السِّرِّ ” (أف 3 :3 )إذ يقول” لِي أَنَا أَصْغَرَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، أُعْطِيَتْ هذِهِ النِّعْمَةُ، أَنْ أُبَشِّرَ بَيْنَ الأُمَمِ بِغِنَى الْمَسِيحِ الَّذِي لاَ يُسْتَقْصَى، وَأُنِيرَ الْجَمِيعَ فِي مَا هُوَ شَرِكَةُ السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ فِي اللهِ خَالِقِ الْجَمِيعِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ .لِكَيْ يُعَرَّفَ الآنَ عِنْدَ الرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، بِوَاسِطَةِ الْكَنِيسَةِ، بِحِكْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ، حَسَبَ قَصْدِ الدُّهُورِ الَّذِي صَنَعَهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. (أف 3 :8-11)

والكنيسة والتي هي أيضاً بحسب القديس بولس الرسول هي جسد المسيح (كول 1 :24) والمسيح َهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ أي الْكَنِيسَةِ. (كول 1 :18) وهذا يعني كما أن المسيح كلمة الله الغير المتجسد قد أخذ جسداً من العذراء مريم، فهكذا فإن الكنيسة تأخذُ مكانتها وكيانها في العالم من الفائقة القداسة والدة الإله العذراء مريم والتي يُعظِمُها هاتفاً القديس يوحنا الدمشقي قائلاً:” افرحي أيتها السيدة والدة الإله الذي منها تجسد لأجلنا الغير المتجسد وأصبح الأزليَّ منك له بدايةً والغير المحدود في مكانٍ يوسعُ فيكي”.

وبكلامٍ آخر أيها الإخوة الأحبة إنّ والدة الإله وأمّ إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح لا تُعرف بأنها فقط أم يسوع المسيح بل هي أيضاً أمّ الكنيسة. لأننا نحن بفضلك وقد دُعينا باسم شعب المسيح، شعبُ ابنك وإلهكِ، فافرحي لأنه بسببكِ أصبحنا أعضاءً في الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية.

إنّ كنيسة المسيح وشعبهُ يفرحُ للممتلئة نعمة والدة الإله وذلك لأنها تشفعُ فينا على الدوام عند ابنها وإلهها من أجل جميع الذين يلتجئون إلى دالتها الوالديّة وحمايتها وعضدها “فيا والدة الإله يا ذات كل تسبيحٍ. الأقدس من الشاروبيم والأعلى من السماوات. بكِ نعترفُ مقرّين بالحقيقة نحنُ الخطأة. فنمتلكُ خلاصاً وعضداً لنا في المحنِ والتجارب. فلا تفتُري مبتهلةً من أجلنا يا ثبات وملجأ نفوسنا”.

ختاماً نتضرع إلى والدة الإله ذات كل تسبيحٍ والأقدس من الشاروبيم لكي تشملنا جميعاً تحت ستر حمايتها الوالدية وأن نجوز ميدان الصوم الأربعينيّ الكبير بتوبة وصحةٍ وعافيةٍ نفسية وأن يؤهلنا لفرح وقوة نور القيامة الذي لا يعروهُ مساءٌ، قيامة ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح إلى الأبد. آمين