1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد بشارة سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم في مدينة الناصرة.7-4-2017

لِتَفْرَحِ السَّمَاوَاتُ وَلْتَبْتَهِجِ الأَرْضُ (مز 95 :11) لأنّ كُلُّ أَقَاصِي الأَرْضِ رَأَتْ خَلاَصَ إِلهِنَا. (مز 97 :3)

إخوتنا المحبوبون بالرب يسوع المسيح،

أيها المسيحيون الأتقياء والزوار الكرام،

إنّ بشارةَ مجيء “خلاص الله ” أي كلمة الله من العذراء مريم، قد جمع القريب والبعيدُ في هذا الموضع والمكان المقدس، في مدينة الناصرة المباركة التي ورد ذكرها في الإنجيل المُقدس، لكي بشكرٍ وتمجيدٍ نُعيّدُ لذكرى هذا الحدث البشريّ والخلاصيّ للعالم ولكي نهتِفُ أيضاً مع الملاك جبرائيل للعذراء مريم والدة الإله وقائلين:” إِفْرَحِي، أيَّتُها الُمْمَتِلئَةُ نِعْمَةً”، اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ. (لو 1: 28) لأنكِ ولدتِ مخلص نفوسنا.

لقد سبقَ الأنبياءُ قديماً وأخبروا بهذا السر والحدث العجيب فأنبأ اشعيا العظيم بالصوت قائلاً:” هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ “عِمَّانُوئِيلَ” (إش 7: 14)

فهذا السر الخفي منذ الدهور قد ظهرَ في هذا اليوم لنا نحنُ البشر أيّ كلمة الله والذي تنازلَ وتجسدَ من البتول وصار ابناً للعذراء مريم. لهذا فإنّ مُرتلَ الكنيسة يهتِفُ قائلاً: أيها السيد قد أُعِدَّ لك بلاطٌ منير وهو حشا فتاة الله الطاهرة فهلمَّ وانحدر إليهِ، لتترأف على جبلتك، المُحارَبة من الحسد والمضبوطة في عبودية المارد والفاقدة الجمال الأول المُنتظرة تنازلك الخلاصيّ يارب.

نعم أيها الإخوة الأحبة، إنّ جنسنا البشريّ يرزحُ تحت العبودية والحسد، ويُحارَبُ من الشيطان، وهذا يعود لأنّ آدم القديم، الإنسان الأول، قد أساءَ استعمال موهبتهُ الإلهية والتي هي “حرية الإرادة” وعوضاً من أنّ يطيعُ إرادةَ ومشيئةَ خالقهِ، أطاعَ مشيئتهُ الذاتية، ولهذا السبب دخلت الخطيئة إلى العالم أي الموت والفساد، وفَقَد

الإنسان بهاءهُ وجمالهُ الأول، أي خلودهِ والذي كان يتمتعُ بهِ عندما كان في شركةٍ مع الله خالقهُ إذ يقول الرسول بولس “مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ.”(رو 5 : 12 )

وبكلامٍ آخر، إنّ الخطيئة أدخلت الموت إلى الجبلة البشرية من خلال آدم القديم، وأما الخلاص فقد أتى من آدم الجديد الذي هو ربنا يسوع المسيح.

فلهذا السبب نرى مُرتل الكنيسة يصدحُ قائلاً: افرحي يا استعادة آدم. ونجاة حوَّاءَ. وفرح العالَم وسرور جنسنا فانَّهُ فيكي حلَّ كلُّ ملءِ اللاهوت حلولاً جسدياً بمسرّة الآب الأزليّ ومؤَازرة الروح القدس.

ويشهدُ القديس يوحنا اللاهوتيّ والإنجيلي معترفاً بهذه الحقيقةِ التي لا ريبَ فيها إذ يقول “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ (يو 1: 1) وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا. (يو 1: 14)

و يفسرُ القديس كيرلس الاسكندريَ ما سبق اذ يقول :” إن كلمـة الله تجسـد، وحتـى لا يتصور أنه تخلـى عـن طبيعتـه، وتحـول إلـى جسـد، وتألم وبذلك صار قابلاً للتغيير (مع أن اللاهوت بعيد تماماً عن التغيير والتبديل) أضاف الإنجيلي الإلهيّ على الفور وَحَلَّ بَيْنَنَا أي سَكَنَ بيننا “ولكي ندرك أنه يتكلم عن شيئين السـاكن، ثـم المسـكن، لكـي لا يفتـرض أحـد بعـد ذلـك أنّ(كلمة الله) تحـول إلـى جسـد، وإنما سكن في الجسد، واسـتخدم جسـده، الهيكـل الـذي أخـذه مـن العـذراء القديسـة، لأنه كما يقول القديس بولس الرسول:” فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا (كول 2 : 9 )

إنّ تجسدَ كلمة الله من دماءِ النقيةِ العذراءَ مريم وحلول (كلمة الله) في هيكلها أيّ في بطنها جعل العذراء مريم تصبحُ أمَّ الله ووالدته. وبكلامٍ آخر إنّ العذراءَ مريم مشاركةٍ بتعاون الروح القدس ومؤازرتهِ في سر التدبير الإلهيّ أي خلاص الإنسان نيابة عن جنسنا البشري قاطبةً.

لهذا فنحن نهتف نحوها قائلين: إفرحي يا مِظلَّةَ الإله-الكلمة، إفرحي يا قدّيسةً أفضلَ من كلِّ القدّيسين. إِفْرَحِي، أيَّتُها الُمْمَتِلئَةُ نِعْمَةً”، اَلرَّبُّ مَعَكِ. (لو 1: 28)

“اليوم تتحدُّ السفليَّات بالعلويَّات، ويتجددُ آدم. وتنعتقُ حواءَ من الحزنِ القديم. فإنّ الخباءَ الذي من جوهرِ طبيعتنا صارَ هيكلاً لله بتأليهِ العجنة التي أُخِذَت منهُ”. هذا ما يقوله مرنم الكنيسة.

اليوم بَدَت بشائرُ الفرح لكنيسة المسيح المقدسة الموجودة قبل الدهور، والتي ظَهَرتْ وكُشِفت(الكنيسة) اليوم، بحضور المسيح بالجسد. ونقول هذا لأنّ بشارة والدة الإله قد بشّرَت في العالم بظهورِ بيت الله مخلصنا المسيح. هذا البيت والذي هو بحسب القديس بولس الإلهي “كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ، عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ”. (1تيم 3 : 15). وبكلامٍ آخر إنّ الكنيسَةَ هي العمودُ والأساسُ الثابتُ الذي لا يتزعزع والتي تسندُ وتدعمُ وتحملُ الحقيقةَ الخلاصيّة.

إنّ الروح القدس الذي حلَّ على العذراء مريم هو ذاتَهُ الذي يواصلُ تثبيتُ واستمرارية الكنيسة، لهذا فإنّ القديس بولس الرسول يُعلِّم قائلاً. وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ (غلا 5: 22).

إنّ ثمرَ الروح القدس هذا، أيّ المحبةُ والفرح والسلام تُبشرُ بهِ بفرحٍ وابتهاج كنيسة المسيح المقدسة. لهذا فإن الأنبياء قد سبق وأنبأوا، ولا سيّما القديس النبي داود الذي يقول:” يُشْرِقُ فِي أَيَّامِهِ العَدلُ، وَكَثْرَةُ السَّلاَمِ إِلَى أَنْ يَضْمَحِلَّ الْقَمَرُ. (مزمور 72: 7)

إنّ السلامَ والبرَ الحقيقيّ المتجسد، أي كلمة الله، ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي حبلت بهِ وولدتهُ العذراء مريم والتي صارت لنا مفتاح ملكوت المسيح. إنّ مَلكوتَ الله يقول بولس الحكيم لَيْسَ أَكْلاً وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ. لأَنَّ مَنْ خَدَمَ الْمَسِيحَ فِي هذِهِ فَهُوَ مَرْضِيٌّ عِنْدَ اللهِ، وَمُزَكُى عِنْدَ النَّاسِ. (رومية 14: 17-18)

ختاماً نشكر الله الثالوث القدوس ومع المرتل نهتِفُ قائلين: إنّ والدة الإله قد سمعت لغةً لا تعرفها لأنّ رئيس الملائكة جبرائيل تفوه نحوها بأقوال البشارة فإذا اقتبلت السلام بإيمان حملت بك أيها الإله الذي قبل الدهور. فلذلك نحن نصرخ إليك جذلين

أيها الإله الذي تجسد منها بغير استحالة امنح السلامة للعالم ولنفوسنا الرحمة العظمى.

آمين