1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة الأحد الثاني من الفصح “أحد القديس الرسول توما” في مدينة كفركنا 23-4-2017

“هلمّوا بنا نشربُ مشروباً جديداً، ليسَ مستخرجاً بآيةٍ باهرةَ من صخرةٍ صماءَ، لكنهُ ينبوعُ عدمِ الفساد. بفيضانِ المسيحِ من القبر الذي بهِ نتَشَدَد”.

أي هلمّوا بنا لكي نشربَ المشروب الجديد، الذي لا ينبعُ من صخرةٍ صمّاء صامتة عقيمة، بل هو مشروب عدم الفساد وينبوع الخلود والحياة الأبدية الذي ينبعُ ويفيضُ من قبر المسيح، الذي نحن بهِ نتأيدُ ونتشددُ، هذا ما يهتف بهِ مرنم الكنيسة.

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،

أيها الزوار المسيحيون الحسني العبادة،

إنّ عيد قيامة مخلصنا المسيح المجيدة، التي نَقَلتنا من الموت والفساد إلى الحياة الأبدية هي التي جمعتنا اليوم في هذا المكان وهذه الكنيسة المقدسة في قانا الجليل، لكي نحتفِلَ بشكرٍ مُعيدينَ لتذكار” بِدَايَةُ الآيَاتِ الَتي فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ” (يو2: 11) إنّ ” بِدَايَةُ الآيَاتِ” أي أول عجائبَ يسوع المسيح ،التي “أظْهَرَ فيها مَجْدَهُ” وهي تحويلُ الماء إلى خمر “الْمَاءَ الْمُتَحَوِّلَ خَمْرًا”(يو2: 9) وذلك عند حضوره عرس صديقهِ سمعان القانوني.

وكما هو معلومٌ فإن الماء يشكلُ المركب الأساسي والضروري من أجل الوظائف البيولوجية الحيوية للإنسان، لهذا ففي العهد القديم وكما يروي سفر الخروج (خر 17 :1-7) فإن القديس موسى النبي ضَرَبَ الصَّخْرَةِ فِي حُورِيبَ، بحسب ما أمرهُ الرب، فَخْرَجَ مِنْهَا مَاءً لِيَشْرَبَ الشَّعْبُ (خر 17 :6) فهذا الماء، كان ماءً طبيعياً عادياً، لكنهُ خرجَ بطريقةٍ عجائبيةٍ من صخرةٍ صمّاء أي غير مثمرة وعقيمة، لهذا فإن الماء الذي خرج من الصخرة لم يكن مشروباً جديداً للبشرية، لهذا السبب خاطب يسوع المرأة السامرية قائلاً لها:” كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ (أي الماء الطبيعي) يَعْطَشُ أَيْضًا .وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ (يو 4: 14)

وبكلامٍ آخر للتوضيح، إنّ الماء، الذي يعطيهِ المسيح هو روحهِ القدوس والذي أعطاهُ لتلاميذهِ ولرسلهِ القديسين بعد قيامتهِ وذلك لأنّ قيامة المسيح الثلاثية الأيام من بين الأموات قد حولت

قبر الفساد إلى ينبوع عدم الفساد أي إلى قبر خلودٍ وحياةٍ أبدية فها قد اتضح لنا لماذا نحنُ مدعوون “أنّ نشرب مشروباً جديداً”.

فما هو هذا الَمشْروبُ الجديد؟

إنّ “المَشْروبَ الَجديد” هو دم إلهنا القائم ومخلصنا يسوع المسيح الكريم المحيي والذين نحنُ مدعوون أن نكونَ مساهمين ومشاركين فيهِ.

“المَشْروبُ الَجديد” هو دم المسيح أي دَمِ اِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا. (متى 26 :28).

“المَشْروبُ الَجديد” يخصُ ويتعلقُ بالحياة الأبدية والقيامة من بين الأموات في يوم الدينونة الأخير لهذا فإنّ الرب يقول:” منْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ، لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌ. مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ” (يو 6: 54 _ 56)

إنّ سر الشكر العظيم، أي القداس الإلهي والذي يُعرف أيضاً “بعشاء الرب”، يشكلُ تذوقاً مسبقاً للفرح والسرور لعشاء ملكوت السماوات. ويشرحُ زيغافينوس قائلاً “هذا هو جسدي وهذا هو دمي، فكما أنّ (المسيح)قد ألّهَ بطريقةٍ تفوق الطبيعة جسدهُ الذي اتخذهُ، هكذا أيضاً وبطريقةٍ لا تُفَسر يحوّل (الخبز) إلى جسدهِ المحيي (والخمر) إلى دمه الكريم.

إنّ حضور المسيح للعرس مع أمهِ في مدينتكم المباركة قانا وتحويل الماء إلى خمرٍ جيد يشيرُ بوضوحٍ إلى الزواج الروحي والرباط المقدس ما بين الكنيسة كعروسٍ وبين المسيحِ كعريسٍ.

ففي هذا الزواج الروحيّ في ملكوت الله الآب فإن ابن الله الوحيد وكلمتهُ سيشربُ من نتاج الكرمة الجديد أي الخمر الجديد والجيد مع أصدقائهِ كما أكّد هو بذلك في إنجيل متى” أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مِنَ الآنَ لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ هذَا إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ أَبِي (متى 26: 29)

إنّ موت ربنا يسوع المسيح وقيامتهِ المجيدة يشكلان الأساس الثابت لإيماننا في المسيح المصلوب والقائم من بين الأموات كما يُكرِزُ القديس بولس الرسول:” حَسَبَ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لِي كَبَنَّاءٍ حَكِيمٍ قَدْ وَضَعْتُ أَسَاسًا، وَآخَرُ يَبْنِي عَلَيْهِ. وَلكِنْ فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ. (1 كو 3 :10-11) وهذا ما يؤكدهُ ويشهدُ بهِ أيضاً القديس الرسول توما الذي قال للتلاميذ الآخَرُون:”

إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ (أي في يسوع المسيح) أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لاَ أُومِنْ… وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تَلاَمِيذُهُ أَيْضًا دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ، وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا. أَجَابَ تُومَا وَقَالَ لَهُ: “رَبِّي وَإِلهِي”(يو 20 :26-28)

حقاً أيها الإخوة الأحبة إن المسيح هو حجر الزاوية، الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ (1بط2: 7) الَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لَنْ يُخْزَى (1بط2: 6) وكما يقول القديس بولس الرسول فإنّ المسيح قد جَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ الْبَعِيدِينَ وَالْقَرِيبِينَ (أف 2: 17)

إنّ سلامَ المسيح القائم من بين الأموات لا يستطيع أحد أن يُدركه إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ أي إِنْ لم يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ وهذا لأنّ اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ (القدس) هُوَ رُوحٌ. (يوحنا 3: 3-5)

عظيم هو سرُّ تدبير المسيح الإلهي فهلمّوا أيها الإخوة نسجدُ لقيامةِ المسيح المقدسة ومع المرتل نهتفُ قائلين: “أيها المخلص كما حضرت في وسط تلاميذك ومنحتهم السلام فاحضر معنا وخلصنا وامنح السلام لبلدنا ولعالمك أجمع”.

المسيح قام