1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة أحد حاملات الطيب في كنيسة البشارة في المملكة الأردنية الهاشمية 30-4-2017

لِنَبتَكِرَنَّ مُدَّلِجينَ دَلجَةً عَميقَة، وَلنُقَرِّبَنَّ لِلسَّيِّدِ التَّسبيحَ النَّقيَّ عِوَضَ الطّيبِ الزَّكي، وَلنُعايِنِ المَسيحَ الذي هُوَ شَمسُ العَدل، مُطلِعًا الحَياةَ لِلكُلّ.

أي لنستيقظ باكراً جداً لكي نقدم للرب بدلاً من الطيب، تسبيحنا، عندها سنرى المسيح الذي هو شمس العدل سيشرق الحياة للكل” هذا ما يتفوهُ بهِ مرنم الكنيسة

أيها الإخوة المحبوبون المسيحيون،

أيها المسيحيون الأتقياء،

إنّ عيد النسوة الحاملات الطيب، هذا العيد الفصحيّ، قد جمعنا اليوم هنا في كاتدرائية كنيسة بشارة والدة الإله في عمان في المملكة الأردنية الهاشمية، لكي نقدم لربنا وإلهنا عِوَضَ الطيب، تسبيح الشكر والنصر لقيامته المجيدة.

كما أن النسوة الحاملات الطيب وكذلك تلميذيْ المسيح الخفيَّين يوسف ونيقوديموس اللذين من أريماثيا، أي الرملة، قد أصبحوا جميعهم شهود عيان حقيقيين وموثوقين عاينوا قيامة شمس العدل أي المسيح، الذي أشرق لجميع البشر الحياة الأبدية. فالنسوة الحاملات الطيب هنَّ الشاهدات غير الكاذبات أولاً بالقيامة ويوسف ونيقوديموس هما اللذان أحدرا من الصليب جسد مخلصنا المسيح وأضجعاهُ في القبر. كما يروي الإنجيل.

الشريف: “جَاءَ يُوسُفُ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، مُشِيرٌ شَرِيفٌ، وَكَانَ هُوَ أَيْضًا مُنْتَظِرًا مَلَكُوتَ اللهِ، فَتَجَاسَرَ وَدَخَلَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ، فَاشْتَرَى كَتَّانًا، فَأَنْزَلَهُ وَكَفَّنَهُ بِالْكَتَّانِ، وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ كَانَ مَنْحُوتًا فِي صَخْرَةٍ، وَدَحْرَجَ حَجَرًا عَلَى بَابِ الْقَبْرِ. وَبَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ، اشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ، حَنُوطًا لِيَأْتِينَ وَيَدْهَنَّهُ. وَبَاكِرًا جِدًّا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ إِذْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ (مر15 :43 -46 / 16 :1-2).

إن قيامة المسيح تشكل ملء سر التدبير الإلهيّ الذي لا يسبر غورهُ لهذا فإن القديس بولس العظيم الصوت الرسول يعلّم كارزاً بأنّ الكرازة الإنجيلية وإيمان المسيحيين قاعدتهما وأساسهما هو قيامة المسيح من بين الأموات إذ يقول” إِنْ كَانَ الْمَسِيحُ يُكْرَزُ بِهِ أَنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، فَكَيْفَ يَقُولُ قَوْمٌ بَيْنَكُمْ إِنْ لَيْسَ قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ؟ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ فَلاَ يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ! وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ”(1كو 15: 12 -14).

وبمعنى آخر أيها الأخوة الأحباء إن الرفض والتنكر لقيامة الأموات ينتجُ عنها إنكار لقيامة المسيح ورفضها لأَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ (على الصليب) مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا (1كو 15: 3). فكَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ (متى 20: 28) وهذا لأن المسيح اَلَّذِي أَقَامَهُ اللهُ نَاقِضًا أَوْجَاعَ الْمَوْتِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا (للمسيح)أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ (أي من الموت). (أع 2: 24) لهذا فإن القديس يوحنا الذهبي الفم يقول بخصوص هذا: إن كان المسيح قد أُمُسِكَ من الموت ولم ينقض أوجاعه، فكيف إذن يخلُص أولئك الذين استحوذ عليهم الموت؟؟وأما القديس يوحنا الدمشقي فيقول: “فإذا لم تكن هناك قيامة، فإذن لا يوجد حتى إلهٌ، ولا عنايةً إلهية، لذا فتلقائياً يكون الجميع لا حول له ولا قوة.

إن موت كلمة الله المتجسد والمتأنس ربنا ومخلصنا يسوع المسيح هو الذي أظهر للعالم البر الإلهيّ. وذلك لأنّ المسيح الناهض من بين الأموات هو شمس العدل كما يقول الحكيم الرسول بولس وذلك:” لأَنْ فِي (إنجيل المسيح) مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ. (رو 1: 17)

فها قد اتضح لنا لماذا نحن مدعوون أن نقدم للرب عِوَضَ الطيب، تسبيح النصر والظفر للقائم من بين الأموات لهذا فإن مرنم الكنيسة يهتِفُ قائلاً:” إننا مُعيّدون لإماتة الموت، ولتدمير الجحيم، ولبدء حياة أخرى أبدية. فلننشد بفرح لعلة ذلك إله آبائنا المبارك وحده والفائق المجد”

إن قيامة المسيح لكنيستنا الأرثوذكسية الشرقية ماهي إلا افتتاحيةً لبدء حياة أخرى أبدية”. وصليب المسيح بشر وكرز للجميع بهذه الحياة الأخرى الأبدية. وهذا لأنه بصليب ربنا ومخلصنا المسيح قد محا خطايانا وهدم به سلطان الموت والفساد.

فهذا هو السبب الذي جعل القديس بولس الرسول يقول فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ، وَمِنْهُ أَنْتُمْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِي صَارَ لَنَا حِكْمَةً مِنَ اللهِ وَبِرًّا وَقَدَاسَةً وَفِدَاءً (1 كو 18 &30)

إن كنيستنا المقدسة تعرِضُ لنا تلميذات المسيح المؤمنات أي النسوة حاملات الطيب واللواتي أصبحن مُبشراتٍ وكارزاتٍ بقيامة المسيح كما يؤكد هذا مرنم الكنيسة إذ يقول: إنَّ حامِلاتِ الطّيبِ، لَمّا ادَّلَجنَ سَحَرًا عَميقًا، وَشاهَدنَ القَبرَ فارِغًا، قُلنَ لِلرُّسُلِ إنَّ المُقتَدِرَ قَد ضَمحَلَ الفَسادَ، واختَطَفَ الذينَ في الجَحيمِ مِنَ العِقالاتِ. فَكَرَزنَ بِمُجاهَرَةٍ، أَنَّ المَسيحَ الإلَهَ، قَد قامَ، مانِحًا إيّانا الرَّحمَةَ العُظمى.

وأيضاً كشاهدَيْن صادقَيْن على آلام المسيح الطاهرة وقيامتهِ المقدسة صار تلميذا المسيح الخفيَّان يوسف ونيقوديموس اللذان أنزلا جسد الرب عن عود الصليب ولفاه بالكتان ووضعاه في قبر.

وبحسب القديس غريغوريوس بالاماس فإن قيامة المسيح هي تجديدٌ للطبيعة البشرية، وإعادة إحيائها وجبلها وإصعادها إلى الحياة الخالدة، حياة آدم الأول، الذي ابتلعهُ الموت بسبب خطيئتهِ ونُفيَ إلى الأرض التي أُخِذَ وجُبـِلَ منها. فالمسيح بعد قيامتهِ في اليوم الثالث لم يَعُد إلى الأرض بل صَعَدَ إلى السماوات وأجلسَ جبلتنا أي طبيعتنا التي أخذها على العرش مع أبيهِ.

وبمعنى آخر فإن قيامة المسيح قد جعلتنا أحراراً من عبودية الموت والخطيئة والفساد لهذا فالقديس بولس الرسول يحثنا قائلاً:” اثْبُتُوا إِذًن فِي الْحُرِّيَّةِ الَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا الْمَسِيحُ بِهَا، وَلاَ تَرْتَبِكُوا أَيْضًا بِنِيرِ عُبُودِيَّةٍ”(غلا 5: 1).

لهذه الحرية أي حرية قيامة المسيح نحنُ مدعوون ليس فقط أن نكون مشاركين ومساهمين فيها بل أيضاً كارزين ومبشرين فيها متمثلين بالنسوة حاملات الطيب وبشهود محبة المسيح آمين

وبهذه المناسبة السعيدة المباركة أودُ أن أشكرَ من أعماق قلبي جلالة الملك عبد الله الثاني المُعظم ملك المملكة الأردنية الهاشمية وحكومتهِ الرشيدة لاهتمامهِ بأن يحيا شعب الأردن بمختلف دياناته وطوائفه المسيحية في سلام ووئام وتعايش في أردننا الغالي، ضارعاً إلى الرب الإله أن يُنعم عليهِ وعلى العائلة الملكية بالخير وموفور الصحة والعافية. آمين