1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة آوروشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس جاورجيوس اللابس الظفر في مدينة عكا 6-5-2017

هلمّوا كلُّنا بعد تعييدنا عيد القيامة المجيدة البهيجة الحافل. نعيّد لموسم الشهيد جاورجيوس البهيج الذي ظهرَ صنديداً غير مقهورٍ، ونتوّجَهُ بأزهارٍ ربيعية. لكي ننالَ بتضرعاته النجاة من الذنوب والضيقات. هذا ما يقوله مرنم الكنيسة،

أيها الإخوة المحبوبون المسيحيون،

أيها الزوار المسيحيون الحسني العبادة،

لقد بدا لنا اليوم تذكار خادم المسيح الكليّ الشرف القديس جاورجيوس اللابس الظفر الذي يرافقُ مشرقاً عيد قيامة إلهنا ومخلصنا المسيح، الذي جمعنا، لنعيّدنَّ لتدشين حياتنا الجديدة في المسيح القائم من بين الأموات.

لقد صار مشاركاً ومساهماً في هذه الحياة الجديدة في المسيح من نعيٌّدُ له اليوم شهيد محبة المسيح القديس العظيم جاورجيوس اللابس الظفر، الذي يفيضُ علينا من العلاءِ بسيول العجائب الباهرة كما يقول المرنم. لهذا نجحَ صديقُ المسيح جاورجيوس، لأنهُ استنار من العلاء من النور الذي لا يعروه مساءٌ، النور الغير المخلوق، الذي هو نور المسيح الناهض من بين الأموات. لهذا فإن المرتل يصدحُ قائلاً: “كشهيدٍ لا يُهزم ومجاهدٍ تقيٍ، وكمنتصرٍ، فقد توّجكَ الله بإكليل الظفر، فإنك في الحقيقة مشمولٌ ولامعٌ بنور الثالوث أيها المغبوط فخلّص بشفاعاتك الذين يكرمونك بإيمان.”

إن قيامة المسيح أي الفصح المقدس الذي هو عيد الأعياد لكنيستنا الأرثوذكسية الشرقية يا اخوتي يشكلُ القاعدة الأساسية لحقيقة إيماننا المسيحي. لهذا فإننا نرى مرتلُ الكنيسة يؤكد على ذلك قائلاً: “إن هذا اليوم المدعو المقدس الذي هو أول السبوت وملكها وسيدها أنما هو عيد الأعياد وموسم المواسم الذي به نبارك المسيح إلى الأدهار”

إنّ يوم القيامة يدعى يوماً، مقدساً، إذ إنهُ أول الأيام الأخرى (أي السبوت) وهذا لأنه يوم الرب، ويعتبر يوم الرب بحسب القديس غريغوريوس بالاماس بأنهُ قيامة المسيح والتي هي تجديدٌ للطبيعة البشرية، وإعادة إحيائها وجبلها وإصعادها إلى الحياة الخالدة، حياة آدم الأول، الذي ابتلعهُ الموت بسبب خطيئتهِ فقادَهُ الموت لأن يعودُ إلى الأرض التي أُخِذَ وجُبـِلَ منها.

ويكمل القديس غريغوريوس قائلاً: إن المسيح بعد قيامتهِ من بيت الأموات لم يتسلط عليهِ الموت من بعد، وهذا لأنه الوحيد، الذي بعدما أقام نفسهُ في اليوم الثالث لم يَعُد إلى الأرض، بل

صَعَدَ إلى السماوات وأجلسَ جبلتنا أي طبيعتنا البشرية التي أخذها على نفس العرش مع أبيهِ لأنه إلهٌ مساوٍ له. فبذلك أصبح (المسيح) الذي هو وحدهُ فقط علة وسبب قيامة الجميع العتيدة ان تصير، وهو ايضاً الْبَدَاءَةُ، وبِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ، وأبّ الدهر الآتي، وكما أنّ الناس الأبرار والخطأة يموتون بسبب خطيئة آدم (القديم) فبسبب المسيح الذي هو (آدم الجديد) سيحيا الجميع، الأبرار والخطأة، كلٌ في رتبتهِ فالْمَسِيحُ البَاكُورَةٌ أي الْبَدَاءَةُ، ثُمَّ الَّذِينَ لِلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ. وَبَعْدَ ذلِكَ النِّهَايَةُ، مَتَى أَبْطَلَ كُلَّ رِيَاسَةٍ وَكُلَّ سُلْطَانٍ وَكُلَّ قُوَّة حَتَّى يَضَعَ جَمِيعَ الأَعْدَاءِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ وآخِرُ عَدُوٍّ يُبْطَلُ هُوَ الْمَوْتُ. (1 كو15 :22). ففي القيامة العامة، عند الهتاف والبوق الأخير، لابد لهذَا العنصر الْفَاسِدَ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ، وَهذَا الْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ.كما يقول القديس بولس الرسول:” لأَنَّ هذَا الْفَاسِدَ لاَبُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ، وَهذَا الْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ. وَمَتَى لَبِسَ هذَا الْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ، وَلَبِسَ هذَا الْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ، فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: (بفم اشعيا النبي) «ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ». «أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟

إن قديسي كنيستنا بشكلٍ عام وشهداء الكرازة الإنجيلية بشكلٍ خاص قد أصبحوا مماثلين لسيرة ربنا يسوع المسيح أي حياتهُ الإلهية فاستحقوا بالتالي معاينة مجدهِ الإلهيّ الذي لا يدرك، هذا المجد الذي أظهرهُ ربنا يسوع المسيح عند اجتراحه الآيات والعجائب وبالأخص على جبل ثابور عند تجليهِ وأيضاً عند قيامتهِ المجيدة في آوروشليم.

لهذا المجد الإلهي الذي لا يُدرَك، أصبح القديس جاورجيوس معايناً لهُ إذ يتلألأ به الآن في السماوات ويتضرع إلى المسيح الإله من أجل الذين يدعونه كما يقول ناظم التسابيح: “لقد جاهدت حتى الموت لأجل حياتك المستترة مع المسيح أيها المجاهد، فأنت الآن متمتعٌ بالمجدٌ في الحياة المغبوطة، فخلّص من جميع الخطوب كل الذين يسبحونك بإيمان”

إنّ ذلك الذي يقتنصُ وبالطبع دون توقف ومازال إلى الآن يقتنصُ كلِّ نفسٍ بشريةٍ ذو إرادةٍ طيبة هي “الحياة المستترة مع المسيح” فتظهر هذه الحياة وتنكشف في قيامة ربنا يسوع المسيح الذي يقول:” أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ (يو 11: 25-26).

لهذا فإن الشهداء الذين ضحوّا بدمائهم من أجل محبة المسيح هم قديسي كنيستنا، الشهود الصادقين لحدث القيامة، الذي منهم من نعيّدُ له اليوم مكرمين تذكارهُ الشريف القديس العظيم في الشهداء جاورجيوس اللابس الظفر. ولاسيما أيضاً سيدتنا والدة الإله المجيدة الفائقة البركات الدائمة البتولية مريم الشاهدة الصادقة على حدث القيامة، فإنّ العذراء الطاهرة، حملت في البطن ووسعت في احشاءها الغير الموسوع في مكانٍ كلمة الله الأزلي متجسداً كما يقول ناظم التسابيح: “لقد كانت خيمة الشهادة نموذجاً ومثالاً لكِ أيتها الفائقة القداسة إذ كان بها لوحا

العهد والجرة الحاوية المن والتابوت الذهبيّ، أما أنتِ يا والدة الإله فقد حملتِ في بطنكِ ووسعتي في أحشائكِ الكلمة الأزلي متجسداً “.

إنّ عيد تذكار القديس جاورجيوس الفصحيّ يدعونا لكي نُشارك بفرحٍ وابتهاجٍ في هذا العيد والحدث الخلاصيّ من جهة، ومن جهةٍ أخرى لكي نطلب دالّة الشهيد المجاهد جاورجيوس المغبوط لدى الله من أجل خلاص نفوسنا وحتى يسود السلام في منطقتنا المُمْتَحنة بأنواع التجارب الصعبة وأن يمنحَ المسكونةَ السلام والعالم الرحمة العظمى.

المسيح قام