1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدّسة آوروشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث في عيد الروح القدس في الكنيسة الروسية في المدينة المقدسة آوروشليم 5-6-2017

إننا معيّدون عيد الخمسين ولحضور الروح ولإنجاز الوعد السابق ولتمام الرجاء فما أشرف هذا السر بما أنه عظيمٌ وكليّ الوقار فلذلك نهتف إليك أيها الرب المبدع الكل المجد لك. هذا ما يتفوهُ بهِ القديس غريغوريوس اللاهوتي بفمِ مرنم الكنيسة.

حضرة مُمثَل صاحب الغبطة بطريرك موسكو وسائر روسيا في آوروشليم قدس الأب الأرشمنديت ألكسندروس الجزيل الاحترام،

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،

أيها المسيحيون الزوار الأتقياء،

لقد صَعِد عنا الرب يسوع المسيح بمجدٍ إلى السماوات وجلس عن يمين الله الآب وأرسل لنا الروح الإلهيّ القدوس المساوي له في الأزلية والجوهر والقوة والمجد على رسله التلاميذ القديسين وهو الذي جمعنا اليوم ههنا في هذه الكنيسة الرائعة البهية المشيَدة على اسم الثالوث القدوس، لكي بشكرٍ نعيّد لعيد العنصرة المقدس وبالأخص لحضور الروح القدس أي مجيئهِ إلى العالم.

إن إرسال المعزي أي الروح القدس كان يُشكِّلُ وعداً صريحاً من قبل الرب لتلاميذه بحسب بشارة الإنجيليينّ:” لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ”(يو 16: 7) وأيضاً وَهَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ مَوْعِدَ أَبِي. فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي”(لو 24 :49). لقد تم تتميم وعد البشارة هذا في اليوم الخمسين لقيامة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح المجيدة في علية آوروشليم حيثُ “كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا” (أع 2: 1-4).

إنّ هذا الحدث والسر العظيم لعيد العنصرة الذي لا يُسبر غوره يشكلُ البداية أو بالأحرى التدشين لظهور جسد المسيح السريّ على الأرض أي الكنيسة التي هي المؤسسة الإلهية

الإنسانية. هذه المؤسسة الذي يُثبتها ويجعلها تستمر وتحيا هو الروح القدس المساوي للآب والابن في الأزلية والجوهر والعرش كما يؤكد مرنم الكنيسة:” إن الروح القدس يرزق كل شيء يفيض النبوَّة يكمّل الكهنوت وقد علَّم الحكمة للعديمي الكتابة وأظهر الصيادين متكلمين باللاهوت يَضُمّ كل شرائع البيعة. فيا أيها المعزّي المساوي للآب والابن في الجوهر والعرش المجد لك”.

إن إفاضة الروح القدس على الرسل وامتلائهم منه، هي ذاتها القوة الإلهية التي بواسطتها اقتنص الرسل المسكونة وأنارت العالم بنور البر والحق. لهذا السبب دُعيَ الرسل القديسين وتلاميذ المسيح لكي يتُمموا ما أمرهم به الرب يسوع المسيح قَائِلاً: دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ (متى 28: 18-19)

لقد أشرق في العالم نور الكرازة والبشارة الإنجيلية من الرسل وتلاميذ المسيح وانسكبت نعمة الروح المعزي، روح المسيح على جميع المؤمنين كما يقول مرنم الكنيسة:” أيها المسيح لقد أرسلتَ إلى التلاميذ الروح المعزّي بالفعل حسب سابق وعدك وأشرقتَ في العالم نوراً يا محب البشر. اليوم قد كمل ما سبق الإنذار به في الناموس والأنبياء قديماً عن الروح الإلهي لأن النعمة قد انسكبت على المؤمنين بأسرهم”

ومن الجدير بالذكر ما قاله كاتب سنكسار هذا العيد إن الروح القدس قد أُعطي إلى التلاميذ والرسل من المسيح ثلاث مرات، فقبل الآلام بنوعٍ غامضٍ جداً وبعد القيامة بوساطة النفخة بنوعٍ أوضح، والآن قد أرسله جوهرياً، بل الأفضل أن يُقال إنه هو قد انحدر بنوعٍ أوفر كمالاً منيراً ومقدساً إياهم.

وهذا إن دل على شيء فإنما يدلُّ على أن الرسولية هي الضمان لبقاء الكنيسة، كنيسة واحدة، جامعة، مقدسة كما يؤكد دستور الإيمان على هذا، وكما يقول مرنم الكنيسة أيضاً:” أيها المسيح إن الروح القدس قد حضر بذات سلطانِه كما وعدتَ على رسلك وقد جمع إلى الإيمان بالثالوث الغير المخلوق باتّحادٍ واحدٍ للألسن المتنوّعة من كل زرع الأمم لذلك تبتهل إليك أن تسكن فينا أيها الصالح المحب البشر.

ويفسر القديس يوحنا الذهبي الفم قائلاً: لقد انحدر الروح القدس على الرسل القديسين بهيئة ألسنٍ نارية وذلك لكي يذكرنا بما حصل قديماً وذلك عندما ظن البشر أنهم قادرون على مقاومة الله ببناء برج في بابل يصل حتى السماء، فبلبل الله ألسنتهم، وتفرقوا إلى أمم،

وتبددت مشورتهم الرديئة وأما الآن فقد انحدر الروح القدس بهيئة ألسنٍ نارية لكي يوحّد المسكونة المشتّتة قديماً.

لهذا السبب عينهِ فقد جمعتنا نعمة الروح القدس اليوم مع إخوتنا من الإيمان الواحد والفكر الواحد في الكنيسة الأرثوذكسية أمام هذا المذبح غير الدموي لكي نبرهن على الوئام والانسجام والاتفاق في الروح القدس ونسمع ما قاله القديس بولس الإلهيّ الرسول: وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ(غلا 5: 22)وأيضاً: الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ (1كور13: 4) وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم :”من يملك لقريبهِ المحبة لا يستطيع أن يصنع شراً، ومن يعيش بالمحبة لا يستطيع أن يقتلَ أخيهِ كما فعل قايين”.

فنحن المعيدين أيها الإخوة المحبوبون هذا العيد البهيج فلتطهر قوة الروح القدس قلوبنا ولنقبل فيض وحلول الروح القدس مستنيرين سرياً ومع القديس غريغوريوس اللاهوتي نهتف قائلين: “اجمعنا كافةً إلى ملكوتك. هِب صفحاً للمتّكلين عليك واترك لنا ولهم خطايانا وطهرنا بفعل روحك القدوس وحلَّ عنا حيَل العدوّ”. كفَّ شقاقات إخوتنا الكنائس الأرثوذكسية بشفاعات سيدتنا والدة الإله وجميع القديسين.

آمين