1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث في مدينة الجديّدة.10-6-2017

لم يستطع الملك الطاغي أن يتحمل أقوالك الحكيمة يا باتريكيوس التي بها انتصرت على آلهة الكذب التي عندما نبذتها هتفتَ فَرحاً تقول: مباركٌ أنت يا إله آبائنا، هذا ما يهتفُ بهِ مرنم الكنيسة

اخوتنا المحبوبون بالرب يسوع المسيح،

أيها المؤمنون الحسني العبادة،

إن الروح القدس المحيي الكلي القدرة، الإله، أحد الثالوث القدوس المساوي للآب والابن في الكرامة والجوهر والمجد، قد جَمعنا اليوم في هذهِ الكنيسة المقدسة التي تحمل اسم القديس الشهيد في رؤساء الكهنة باتريكيوس أسقف بروسا، لكي ُنعيّد من جهة للمدافع عن مدينتنا الجديّدة ومن جهة أخرى لوداع عيد العنصرة المقدس.

لقد استبانَ، القديس باتريكيوس إناءً مستنيراً للنعمة وقوة الروح القدس من خلال سيامته الأسقفية ومن خلال استشهاده الدموي، وصار أيضاً مساهماً ومشاركاً في نشر الكرازة الإنجيلية والعمل الرعوي الذي للرسل القديسين المتوشحين بالله الذين إلى كُلِّ الأَرْضِ خَرَجَ صوتهم، وَإِلَى أَقْصَى الْمَسْكُونَةِ كَلِمَاتُهُمْ. (مز 18: 5) كما يقول كتاب المزامير.

إن القديس العظيم في الشهداء باتريكيوس قد لمعَ على زمانِ الإمبراطور الروماني ديكليتيانوس (284-305 ب.م). وبسبب غيرته الشديدة للمسيح وُشيَ به للوالي الذي يُدعى يوليوس والذي حاول بشتى الطرق أن يجعل باتريكيوس يُنكر إيمانه وأن يُقدم الذبائح للآلهة الوثنية وقد كان ادعاء وحجج يوليوس أن المياه الساخنة المعدنية ذات مفاعيل صحية وهذا يعود إلى عناية وقوة آلهتهم الوثنية بالبشر. فأجاب القديس باتريكيوس بأن هذه المياه وكل شيء آخر له وجوده وكمالاته من الإله الحقيقي وحده وابنه يسوع المسيح الذي جعل للصديقين مكان راحة وانتعاش، وظُلمة ونار حيث المُدانون والخطأة سيكونون بعد قيامة الأموات.

وقد أخذ القديس باتريكيوس هذه الشهادة من القديس النبي إشعياء إذ يقول: وَيَخْرُجُونَ وَيَرَوْنَ جُثَثَ النَّاسِ الَّذِينَ عَصَوْا عَلَيَّ، لأَنَّ دُودَهُمْ لاَ يَمُوتُ وَنَارَهُمْ لاَ تُطْفَأُ، وَيَكُونُونَ رَذَالَةً لِكُلِّ ذِي جَسَدٍ (إشعياء 66: 24). والذي قال عنها صراحةً القديس بطرس الرسول: وَأَمَّا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ الْكَائِنَةُ الآنَ، فَهِيَ مَخْزُونَةٌ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ عَيْنِهَا، مَحْفُوظَةً لِلنَّارِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَهَلاَكِ النَّاسِ الْفُجَّارِ. (2بطرس 3: 7).

لقدكانت نتيجته إيمان القديس باتريكيوس غير المتزعزع أن يقطع الوالي رأسه مع رفاقه الذين استشهدوا معه: أكاكيوس ومانندروس وبولينوس.

وبكلامٍ آخر لقد أذاع أبينا البار باتريكيوس بقوةٍ ودالةٍ عظيمين معترفاً أمام مضطهديه وأمام الذين يحاربون الإيمان في المسيح أي ملكوت الله السماوي الذي لا يتزعزع كما يقول القديس بولس الرسول: لذلِكَ وَنَحْنُ قَابِلُونَ مَلَكُوتًا لاَ يَتَزَعْزَعُ لِيَكُنْ عِنْدَنَا شُكْرٌ بِهِ نَخْدِمُ اللهَ خِدْمَةً مَرْضِيَّةً، بِخُشُوعٍ وَتَقْوَى. لأَنَّ «إِلهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ”. (عب 12: 29). وهذا يعني أنه ينبغي علينا أن نعبد الله بخوفٍ وتقوى وذلك لأن إلهنا نارٌ حارقة تأكل كل ما هو آثمٌ ودَنِسٌ.

يقول الرب: اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا. (يو 4: 24) هذا هو الروح الإلهي القدوس الذي انحدر من السماوات في اليوم الخمسين وملأ المنزل حيث كان تلاميذ المسيح جالسين وَظَهَرَتْ لَهُمْ (أي للرسل) أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. (أعمال 2: 1-4).

إن يوم الخمسين المقدس يُشكل البداية لانتشار نور الكرازة الانجيلية في المسكونة قاطبةً من خلال الرسل وبالطبع، الكنيسة، التي ظهرت حالاً في العالم فور صعود ربنا ومخلصنا يسوع المسيح إلى السماوات وإرساله المعزي الآخر كوعدٍ صريحٍ منه لتلاميذه الرسل قائلاً لهم: “وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ، رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي. وَتَشْهَدُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا لأَنَّكُمْ مَعِي مِنَ الابْتِدَاءِ. (يوحنا 15: 26-27)

إن الروح القدس روح مخلصنا المسيح قد جعل القديس باتريكيوس راعياً أي أسقفاً ومكملاً بالكهنوت وكذلك أيضاً رفاقه في الاستشهاد وبكلامٍ آخر فقد استحق هؤلاء الشهداء لرؤية الله أي معاينة مجده كما يقول مرنم الكنيسة:” إن الشهداء الممجدين قد

زينوا حُلل كهنوتهم بدمائمهم فجعلوا بذلك كهنوتهم مقدساً بالأكثر وبرؤيتهم الله رتلوا مسبحين مبارك أنت يا إله آبائنا.

وأما القديس يوحنا الإنجيلي فإنه يبعث برسالة قائلاً: بِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِينَا: أَنَّهُ قَدْ أَعْطَانَا مِنْ رُوحِهِ. (1يو 4: 13)

وبكلام آخر فقط في المسيح يسوع يسكن ملئ الروح القدس بحسب شهادة القديس يوحنا الإنجيلي الصادقة لأَنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمِ اللهِ. لأَنَّهُ لَيْسَ بِكَيْل يُعْطِي اللهُ الرُّوحَ. اَلآبُ يُحِبُّ الابْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ. (يو 3: 34_35)

إن المعزي الذي هو روح الحق الذي من الآب ينبثق ويستريحُ في الابن هو الذي يُثبت الكنيسة ويجعلها تستمر وتحيا كما يؤكد مرنم الكنيسة:” إن الروح القدس يرزق كل شيء يفيض النبوَّة يكمّل الكهنوت وقد علَّم الحكمة للعديمي الكتابة وأظهر الصيادين متكلمين باللاهوت يَضُمّ كل شرائع البيعة. فيا أيها المعزّي المساوي للآب والابن في الجوهر والعرش المجد لك”.

لقد كانت مشيئة الله الآب بإرسال ابنه الوحيد لنا يسوع المسيح لكي يعيد الشركة والعلاقة مع الله. هذه الشركة التي فقدها وقطعها البشر فبحسب القديس كيرلس الإسكندري الذي يؤكد قائلاً” فقط الطبيعة الإلهية هي التي تستطيع أن تخلص الإنسان من الشيطان ومن الفساد ومن الخطيئة. وكما يقول القديس إيكومينيوس:”لنمتحن ونفحص أفعال المحبة الحقيقية نحو الآخرين فمن خلالها نستطيع أن ندرك أن الله في داخلنا وأنه أعطانا روحهُ وأننا في شركةٍ معه: “فإن الذي أعطانا إياه الله هومن روحه القدوس الذي هو: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ. (غلاطية 5: 22-23) والتي هي من ثمار الروح القدس كما يُعلّم القديس بولس الرسول.

لقد صار مشاركاً لثمار الروح القدس أبينا البار باتريكيوس، فتكلل بإكليل المجد الإلهي الذي لا يذبل لذلك سبيلنا أن نهتف مع المرتل قائلين: إن الجميع يمدحونك أيها المغبوط باتريكيوس الذائع الصيت فها أنت الآن عقلياً مع الملائكة فاذكرنا نحن المُقيمون تذكار عيدك الشريف، وتضرع إلى المسيح الإله أن ينجينا من المخاطر والمحن. بشفاعات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم وجميع القديسين آمين

كل عام وأنتم بخير