1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس أبينا البار أونوفريوس 25-6-2017

لقد اقتديت بإيليا بالروح أيها الأب المغبوط أُنوفريوس المتأله اللُّب. فهجرت بلبال العالم. وأنكرت شهوات الجسد، وتوطنت البرّيَّة مسروراً، فارتقيت بنفسك نحو السماء واتخَّذتها وطناً لا محالة. هذا ما يتفوهُ بهِ مرنم الكنيسة

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،

أيها الزوار المسيحيون الأتقياء،

إنّ نور المسيح مخلصنا الفائق البهاء أي الروح القدس الذي سكن في قلوب قديسيّ الله قد جمعنا اليوم في هذا المكان والموضع المقدس الذي نُعيّدُ فيهِ لتذكار أبينا البار أنوفريوس في هذا الدير المقدس والذي يحملُ اسمه لكي نرفع المجد والشكر لإلهنا الثالوث القدوس.

إن كنيستنا الأرثوذكسية المقدسة بإتمامها الذكرى السنوية للقديسين والأبرار على مدار العام يشكّلُ من جهةٍ تذكيراً لنا لكي نحيا حياةً لائقةً في المسيح في عالمٍ تسوده الخطيئة والفساد ومن جهةٍ أخرى يشكّلُ دعوةً لنا من عريسنا السماويّ حيثُ يبتهجُ هناك أبينا البار أُنوفريوس.

عاش أبينا البار أنوفريوس في دير شركة في مدينة ثيبا في مصر، ثم ذهب إلى أعماق الصحراء حيث صار متوطناً للبرية وتلميذاً بالروح للقديسَيْن النبيَين “إيليا التسبيتي ويوحنا المعمدان” اللذان كانا يحيان من أجل الله وحده مقتديان به كما يقول القديس بولس الرسول: فَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِاللهِ كَأَوْلاَدٍ أَحِبَّاءَ، وَاسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً للهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً. (أفسس 5: 1-2)

وبإسهابٍ أكثر بما أن الله قد صفح عنكم فإذاً كونوا مقتدين به كأبناءٍ محبوبين، وأن تسلكوا بالمحبة كما أحبكم المسيح وبذل نفسه لأجلكم ولأجل خلاصكم إذ قدم ذاته قرباناً وذبيحة لله لكي تكون أمامه هذه الذبيحة دوماً كطيب زكي الرائحة.

ويفسر القديس يوحنا الذهبي الفم أقوال القديس بولس الرسول هذه قائلاً: من يجبر نفسه على التسامح ويغفر لمن أخطأ إليه يصير كذبيحة مقبولةً لها رائحة طيبة أمام الله، وإذا قدمت حياتك فأنتَ ذبيحةً مقتدياً بالله.

حقاً إن أبينا البار أنوفريوس من خلال أتعابه النسكية في البرية الجدباء قد نجح في الانتصار على موت الفساد. وبكلام آخر قد صار طيباً زكي الرائحة وذبيحة مقبولة لإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح كما يقول مرنم الكنيسة: لقد قدمتَ ذهنك محرقةً للذي مات من أجلنا على الصليب فاستحققتَ أن تكون مشاركاً ووارثاً لمجده.

لهذا تماماً نحن مدعوون أيها الإخوة الأحبة أن نكونَ مشاركين ووارثين باستحقاقٍ مجد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وجميع قديسيه. فهذا هو هدف دعوتنا للإيمان بربنا ومخلصنا يسوع المسيح المصلوب والناهض من بين الأموات كما يكرز القديس بولس الرسول قائلاً: الَّذِينَ دَعَاهُمْ، فَهؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ بَرَّرَهُمْ، فَهؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضًا. (رومية 8: 30)

وربما يتساءل أحدٌ ما قائلاً: ما المقصود (وَالَّذِينَ دَعَاهُمْ، فَهؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا) إن هذا يعني استعادة شركتنا مع الله الآب في المسيح. إن استعادة الشركة ومعاينة المجد الإلهي هي تلك التي فقدها آدم القديم بسبب تعدّيه وعصيانه لمشيئة الله.

لهذا فإن قديسي كنيسة المسيح قد أخذوا إكليل البر لأنهم أطاعوا المشيئة الإلهية وسلكوا ثابتين في طريق الإيمان الأرثوذكسي القويم كما يقول ناظم تسابيح أبينا البار أنوفريوس: لقد أتممتَ أيها الأب شوط النسك بدون اعتسافٍ. وحفظت الإيمان. ومن ثم نلت إكليل العدل الذي أعدهُ لك المسيح. المانح الجوائز على حسب الاستحقاق. والمكافئُ عن الأتعاب والمشاقّ. فابتهل الآن إليه أن ينقذنا من الخطوب والأهوال.

لقد كان شوط النسك لأبينا البار أنوفريوس هو طريق محبة المسيح كما يوصي القديس بولس الرسول: اسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ (أفسس 5: 2). وذلك لأن محبة المسيح هي أسمى وأعلى الوصايا وهذا لأنه بحسب القديس يوحنا الإنجيلي اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ. (1يو 4: 16)

إن كنيستنا المقدسة تكرم بوقار الذكرى السنوية لقديسيها وذلك لأنه من خلالهم قد عرفنا طريق وشوط النسك أي طريقة كمالنا في المسيح كما يقول المرنم: إننا جماهير المتوحدين نكرمك يا معلّمنا ومرشدنا البار أنوفريوس لأننا بك تعلمنا سلوك الصراط المستقيم حقاً. فطوبى لك لأنك تعبّدت للمسيح. فاستظهرت على قوّة العدوّ. يانجيَّ الملائكة ومساكن الأبرار والصديقين فتشفع وإياهم إلى الرب أن برحم نفوسنا.

إن أبرار الله وأصدقاء المسيح يتشفعون من أجل أن يرحم الرب نفوسنا ومن أجل شفاء المرضى الذين يسارعون إليهم بإيمان. ولكن الإيمان بدون محبة القريب هو إيمان أجوف فارغٌ لا قيمة له كما يقول القديس يوحنا الإنجيلي إِنْ قَالَ أَحَدٌ: «إِنِّي أُحِبُّ اللهَ» وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟ (1يوحنا 4: 20)

نكرم اليوم القديسَيْن أنوفريوس وبطرس الذي في جبل آثوس، فهم مشابهون لنا نحن البشر، فقد استؤهلوا واستحقوا لمعينة جمال المجد الإلهي لهذا فهم يدعوننا لكي نسلك نحن أيضاً في طريق المسيح. لهذا فنحن لدينا من يكون لنا عوناً وحامياً في هذه الطريق أي القديسَيْن أنوفريوس وبطرس الآثوسي وخاصة الفائقة البركات سيدتنا ووالدة الإله الدائمة البتولية مريم وجميع القديسين الذين يتشفعون لنا عند الرب على الدوام.

آمين