1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس النبي أليشع 27-6-2017

بسابق إعلان ٍ إلهي جذبك إليه إيليا العظيم، تلميذاً، أيها الحكيم أليشع فأوضحك نبياً لامعاً بالروح، ونحن بتعيدنا لتذكارك المقدس نكرمك وإياه بتقوى أيها المجيد. هذا ما يتفوه به مرنم الكنيسة.

أيها الإخوة المحبوبون بالرب يسوع المسيح،

أيها الزوار الأتقياء،

إن نعمة الروح القدس قد سكنت بغزارةٍ واستراحت في رجل الله البار، القديس النبي أليشع، الذي جمعنا اليوم في مدينة أريحا ومنطقة نهر الأردن هذه المدينة التاريخية التي ورد ذِكرها في الكتاب المقدس وذلك لكي نمتدحُ سويةً تذكار عيد القديس النبي أليشع مستذكرين قول الحكيم سليمان في ذكرى الأبرار والصديقين إذ يقول:” ذِكْرُ الصِّدِّيقِ لِلْبَرَكَةِ والبرَكَاتٌ عَلَى رَأْسِ الصِّدِّيقِ” (أم 10:6-7) و “إذا تَكَاُثَر الأبْرارُ فَرِحَ الشَّعْبُ” (أم 29: 2)

إن إيليا التسبيتي النبي الإلهي، هو ماسح أليشع، الرجل البار، نبياً عِوَضاً عنهُ بأمر الله، مُحركاً من الروح القدس، وقد حاز أليشع على هذه الموهبة النبوية بسبب طهارة قلبه وسيرتهِ المعادلة للملائكة على الأرض كما يقول المرنم:” يا أليشع لقد برهنت بوضوحٍ وأنت تحيا في الجسد على سيرتك المعادلة للملائكة على الأرض، فلذلك نمتدحك” وهذا جليٌّ بوضوحٍ من النعمة المضاعفة التي حاز عليها أليشع من الروح القدس كما يشهد بذلك الكتاب المقدس:” وَلَمَّا عَبَرَا قَالَ إِيلِيَّا لأَلِيشَعَ: «اطْلُبْ: مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ قَبْلَ أَنْ أُوخَذَ مِنْكَ؟». فَقَالَ أَلِيشَعُ: «لِيَكُنْ نَصِيبُ اثْنَيْنِ مِنْ رُوحِكَ عَلَيَّ”(2 مل 2 :9)

إنّ نعمة الروح القدس المُضاعفة المعطاة للنبي تظهر من خلال خاصيته النبوية وعمله التي هي متداخلة ومترابطة مع الأعمال والعجائب المختلفة كشفاء برص نعمان السرياني، وقد ذكر ربنا يسوع المسيح هذه المعجزة أثناء تعليمه للجمع، كما يشهد بذلك الإنجيلي يوحنا:” وَبُرْصٌ كَثِيرُونَ كَانُوا فِي إِسْرَائِيلَ فِي زَمَانِ أَلِيشَعَ النَّبِيِّ، وَلَمْ يُطَهَّرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلاَّ نُعْمَانُ السُّرْيَانِيُّ (لوقا 4: 27).

عدا عن هذا فإن مدينة أريحا، المدينة التاريخية هي شاهدٌ صادقٌ على عجائب القديس النبي أليشع وذلك عندما تضرع إليه سكان هذه المدينة طالبين العون بحرارة لكي يُبرأ مياهها “أَمَّا الْمِيَاهُ فَرَدِيَّةٌ وَالأَرْضُ مُجْدِبَةٌ”. (2ملوك 2: 19). أي أن مياهها غير صحية ومميتة:” وَقَالَ

رِجَالُ الْمَدِينَةِ (أي رجال أريحا) لأَلِيشَعَ: «هُوَذَا مَوْقِعُ الْمَدِينَةِ حَسَنٌ كَمَا يَرَى سَيِّدِي أَمَّا الْمِيَاهُ فَرَدِيَّةٌ وَالأَرْضُ مُجْدِبَةٌ. …..فَخَرَجَ إِلَى نَبْعِ الْمَاءِ وَطَرَحَ فِيهِ الْمِلْحَ وَقَالَ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قَدْ أَبْرَأْتُ هذِهِ الْمِيَاهَ. لاَ يَكُونُ فِيهَا أَيْضًا مَوْتٌ وَلاَ جَدْبٌ.فَبَرِئَتِ الْمِيَاهُ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، حَسَبَ قَوْلِ أَلِيشَعَ الَّذِي نَطَقَ بِهِ. (2ملوك 2: 19-22)

إن كنيسة المسيح توقر بإجلال وإكرام عظيمين القديس أليشع النبي، وهذا لأنه من خلال قوة نعمة الروح القدس المعطاة له من الله لم يصنع فقط عجائب من أجل الرحمة والإحسان بل أيضاً عجائب انتقد فيها الإثم وأدان الظالمين وعاقب الشر ومحبة الفضة والمال أي الطمع والفوضى الاجتماعية والفساد بشكل عام. وقد صنع هذا مُحَركاً من محبته للبشر ومحبة حارة نحو القريب.

إن القديس العجائبي أليشع الذي نُعيّد له اليوم قد ظهر كباقي قديسي الكنيسة الذين قبله والذين بعده لأجل فضيلته، وعندما نمتدح البار، نمتدح فضيلته وذلك لأن أبرار الله من خلال مثالهم لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ (ا بط 2: 9)

إنه من الضروري أيها الإخوة أن نتقدم في الفضيلة كما يوحي لنا القديس بطرس، لأن قدرة المسيح الإلهية قد منحتنا كل شيء يساهم في الحياة الروحية والتقوى، وذلك من خلال معرفة الإله الحقيقي الذي دعانا من حالة الظلمة والخطيئة إلى الخلاص من خلال قدرته والكمال به. كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ، (2بط 1: 3)

ظهر أيضاً مشاركاً ومساهماً في فضيلة قديسنا النبي أليشع من نُعيّد معه اليوم أبينا الجليل في القديسين مثوذيوس المعترف رئيس أساقفة القسطنطينية. إن أبِ الكنيسة هذا قد ضحد من خلال أقواله وأفعاله الإلهية ضلال الهراطقة ومحاربي الأيقونات الشريفة واستبان مدافعاً عن التعليم والإيمان الأرثوذكسي.

إن الحياة الإلهية الفاضلة للقديسين النبي أليشع وأبينا القديس مثوذيوس قد انتهت بهم إلى معاينة مجد الله وعدم فساد أجسادهم التي تشهد على الدوام ليس فقط على قيامة المسيح مخلصنا، بل أيضاً على تجسد كلمة الله من دماء الفائقة البركات سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم.

وإذ نحن مفتخرون بقديسي الله ومخلصنا المسيح مع المرنم نهتف قائلين:

لقد ظهرت يا أليشع بعد الحراث نبياً، وتلفَّفت رداءَ إيليا. فحزت الروح الذي عليه مضاعفاً. فنحن نكرمك وإياهُ.

لقد بزغت من المشرق كالشمس أيها الآب الكليُّ الحكمة مثوذيوس المتوشح بالله. وغربت في المغرب بالجهاد. والآن فقد أنرت العالم بتعاليمك، فصلِّ مبتهلاً من أجلنا.

آمين