1

بيان بطريركية الروم الارثوذكسية المقدسية

هذا بيان من بطريركية الروم الارثوذكسية المقدسية الى عموم رعايانا و أهالينا و أحبائنا و أصدقائنا و لجميع أبناء و بنات الوطن ، السلام لجميعكم، رعاكم الله و وفقكم و بعد،
نشرت بعض الصحف الاسرائيلية مقالات بدعم و تشجيع من مؤسسات اسرائيلية نخوض معها جولات شرسة حماية لموجودات البطريركية من عقارات في كافة ارجاء فلسطين التاريخية . و وجدت هذه النشرات صدى عند بعض الصحف و الصحفيين في الاوساط العربية و تناول الصدى بطريركيتنا بالسوء . و هي ليست المرة الاولى و لن تكون الاخيرة فلقد سبق ان تناولت موضوع الصحف و الالسن في شهر تشرين اول من عام 2016 عندما كشفت البطريركية عن موضوع اتمام عقد ارض راحافيا و اعلمت الجهات الرسمية المختصة في الاردن و السلطة الوطنية الفلسطينية .

و ليس على الغاصب او صحفه حرج فهو لا يحترم المواطنين القابعين تحت الاحتلال و لا اعتبار لحقوقهم او املاكهم و لا يتوانى في سبيل تحقيق هدفه عن الاستعانة بالتزوير و ترويع الاسير . و ما تمادي الغاصب علينا بجديد فلقد مر على بطريركيتنا ،أم الكنائس ، أرتال من المحتلين الغاصبين منذ ان تشكلت كنيستنا المقدسية خفية بعد صعود السيد المسيح الى السماء.
كان لبطريركيتنا جولات مع الغاصبين على مر القرون العشرين من عمر كنيستنا ، كل حقبة تلت التي سبقتها من تسلط المحتلين منذ ان بنى العرب اليبوسيون هذه المدينة التي باركها الله و خصها و ما حولها بالقداسة . و رحل الغاصبون على تواترهم عنها و اضحت بقاياهم فيها اثرا بعد عين . و لم تخل حقبة من حقب الاحتلال، باستثناء حقبة الفتح و الحكم العربي ، من مواجهات مع البطريركية المقدسية كان اعتاها مواجهات الغزاة الفرنجة عبر قرنين من الزمان ثم ارتحل هؤلاء او اجبروا على الرحيل و بقي اهلها و ساكنوها العرب ، و ما زالت عجلة التاريخ تدور و حظوظ اهل ايليا تعلو و تغور . فيوم لك و يوم عليك .
و نحن نعي الدور التاريخي الوطني لبطريركيتنا، و هو يزودنا بالمنعة في مواجهاتنا الحديثة منذ تأسيس اسرائيل ، اذ لم يخل عقد من الزمان من اشتباكات حقوقية و قانونية مع الطامعين في موجودات البطريركية من عقار و خلافه.
ان الحديث يدور عن 528 دونم ارض كانت تملكها البطريركية و تم الاستحواذ عليها عام 1951 فور قيام اسرائيل عام 1948 . و هي موزعة على مناطق الطالبية و رحافيا و نيوت و ولفسون و منطقة محطة المطار، السواد الاعظم من الاراضي تم تنظيمها من قبل السلطات الاسرائيلية مرافق عامة و حدائق للبلدية، و شوارع و مقابر و مسار لسكة الحديد و على جزء اخر منها اقام الاسرائيليون عليها ابنية سكنية و لا نذيع سرا بالقول ام من تلك الاراضي مواقع اقيم عليها مبنى الكنيست الاسرائيلي و المحكمة العليا و المكاتب الحكومية و احياء سكنية اخرى.
و تم الاستحواذ على هذه الاراضي عام 1951 بموجب عقود مجحفة اعطت اسرائيل كامل حقوق التملك و التصرف بها و لم يتبقى للبطريركية سوى حق مالي يحدد و يقر من قبل رئيس محكمة العدل العليا الاسرائيلية.
لم يكتفي المغرضون في اسرائيل بسلب الاراضي عن طريق العقود بل استمرت المؤامرات ضد البطريركية لنزع حقها المالي، ففي عام 2000 بعهد البطريرك الراحل ثيوذوروس الاول قام اسرائيليون بتزوير عقد ينسب للبطريركية اقرارها حكر الارض و استلامها كامل حقها المالي ، لكن البطريركية رفضت الخضوع و باشرت بمعركة قضائية ضد المزورين استمرت لسنوات طويلة نجحت البطريركية فيها بكشف عملية التزوير و ابطال العقد.
و في ظل هذه الظروف و بعد ان ظنت البطريركية انها تحررت من الظغوط المفروضة عليها قامت اسرائيل برفع قضية تعويض ضد البطريركية متهمة اياها بنقض الاتفاق ، و مطالبة اياها بدفع مبلغ 30 مليون دولار امريكي كبدل عطل و ضرر و ما زالت هذه القضية متداولة في المحاكم الاسرائيلية حتى الان .
و من جانب اخر تكاثفت ضغوطات المواطنين الاسرائيلين الذين يسكنون هذه الاراضي على حكومتهم الاسرائيلية بتحديد مصير حكرهم لها و ماذا سيترتب عليه من دفع اموال، مما دفع الحكومة الاسرائيلية بعقد العزم على سن قانون يتيح تمديد عقود السكان الاسرائيليين تلقائيا دون الرجوع الى الكنائس.
و بناء على ما ذكر لم يتبقى للبطريركية اي مخرج للحفاظ على حقها المالي قبل نفاذ القانون الذي سيسلبها حقها و/او اصدار حكم بالقضية المتداولة يقضي على البطريركية تعويض اسرائيل بعشرات الملايين سوى ان تقوم البطريركية ببيع و تحويل ما تبقى لها من حق مالي في الاراضي لاطراف ثالثة من المستثمرين الذين بدورهم سيقومون بمفاوضة اسرائيل لانتزاع الحقوق المالية منهم و التصدي و تحمل كامل عواقب القضية المالية المرفوعة على البطريركية بقيمة 30 مليون دولار امريكي .
و بالتالي فان البطريركية لم تقم ببيع اراضي او عقارات كانت بحوزتها او تحت تصرفها فهذه اراضي اخذت من قبل اسرائيل منذ عام 1951 و كل ما قامت به البطريركية اليوم هو انقاذ حقها المالي و استخدامه للحفاظ على وجودها من اجل خدمة و حماية اراضيها و ممتلكاتها و مقدساتها الدينية في البلدة القديمة و مناطق 67 التي تهددها يوميا المؤامرات الشرسة و الضغوطات و الضرائب الباهظة المفروضة عليها من قبل اسرائيل و ذلك قبل فوات الاوان .
ان تداول بعض الصحف الاسرائيلية و تجاوب وسائل اتصال عربية معها هو جزء من سلسلة المواجهات هذه، و البطريركية لم تهن و لم تضعف في مواجهاتها مع المؤسسات الاسرائيلية لكنها تقوى بدعم رعاياها و دعم شركاء الوطن. اذ يدب الوهن في الجسم من داخله. و تناشد البطريركية الغيورين على الحقوق الفلسطينية بمن فيهم رعاياها دعمهم لا ان ينحازوا الى من ضلوا الطريق باصطفافهم الى جانب الغاصبين بترديد ترهاتهم.
و ندعو الصحافة الى عقد نداوات للخوض في تفاصيل المواجهات العديدة مع المؤسسات الاستيطانية و السلطات الاسرائيلية و وصف الوسائل التي تتبعها من شهود الزور الى تزوير الوثائق و تجنيد العملاء للنيل من البطريركية الصامدة رغم الكلفة العالية و الديون التي تراكمت.
و في التاريخ لنا عبرة و منعة، و فيه قراءات المستقبل، فقد رحل الغاصبون بأصنافهم و بقي اهل الدار اليبوسيون و الكنعانيون و العرب الوارثون، و بقيت كنيستنا بهم و معهم، و انا لعهدهم حافظون.

بطريركية الروم الأورثوذكسية – مكتب السكرتارية العام