1

دراسة للصحفية هبه هريمات عن قرية نصف جبيل

من هبه هريمات

من ضمن سلسة القرى التي تحيط بمدينة نابلس، والتي من مجموعها تتشكل محافظة المدينة، توجدُ قرية نصف جبيل الواقعة في الشمال الغربي لنابلس وعلى بعد بضعة كيلومتراتٍ من قرية سبسطية التاريخية. ووفقاً لشهادات سكان القرية، الذين يروون القصة المتعارفة لديهم والتي رواها لهم أبائهم وأجدادهم من قبلهم، أن القرية الحالية لنصف جبيل قد بنيت على أنقاض قريةٍ يعود أصلها إلى مئات السنين، كانت قد دمرت واندثرت بسبب طوفانٍ قد عصف بالمنطقة آنذاك، وأنه وبفعل تراكم عوامل الطبيعة قد تكونت بُنيةٌ جديدة لقرية نصف جبيل قد طمست وأخفت معالم القرية القديمة، لكن لا وجودَ لدليلٍ حقيقيٍ ملموس على حدوث هذا الطوفان باستثناء حفريات قد أجريت سابقاً في تلك المنطقة دالةً على وجود غرفٍ وأسوار تحت البيوت القائمة.

وربما أكثر ما يميز قرية نصف جبيل هو انتشار أشجار الزيتون فيها بوفرة، فالحصاد السنوي لها تكون نتيجته ٣٠ طناً من زيت الزيتون الصافي، ولا تزال بعضٌ من أشجار الزيتون التي شهدت الحقب التاريخية المختلفة التي مرت بها البلاد ونصف جبيل كجزء منها، صامدة إلى الآن.

إلا أنه لا يمكن الإجماع على عمر هذه القرية ولا على من كان يقطنها من سكانها الأولين، فكُتُبُ التاريخ قد هَمَّشت هذه القرية ومصيرُ الوجود المسيحي فيها قد يكون مشابهاً لمصير ذكرها في التاريخ! فالسكان الذين قطنوا القرية في الماضي كان جميعهم من المسيحيين، فتعود أصول بعضهم إلى الغساسنة العرب والبعض الآخر إلى شرقي الأردن. وحتى عام ١٨٣٨ كان فيها ما يتجاوز ٢٠٠ فرداً (من الرعية الأرثوذكسية) بالإضافة إلى كاهن الرعية، وفي عهد الانتداب البريطاني أظهرت الإحصاءات السكانية على وجود ١٠٥ مسيحيين من أصل ٢١٠ مواطنين، ثم في ١٩٦١ بلغ عدد سكانها ٢٢٨ شخص ٥٠ من المسيحيين و١٧٨ من المسلمين، وهذه الأعداد استمرت بالتضاؤل فالهجرات المسيحية من القرية وتوافد المسلمين اليها، قد غيّر ديمغرافيتها حتى هبط الوجود المسيحي في قرية نصف جبيل هبوطاً حاداً ليصل إلى ما هو عليه الآن، فكل ما تبقى في القرية شخصين اثنين أو بالإحرى سيدتين مستنين اثنتين، في الثمانين من عمرهما، إحداهما تتنقل ذهاباً وإياباً بين بيتها في نصف جبيل ومنازل أبنائها في مدنٍ مجاورة، والسيدة الأخرى حالتها الصحية لا تسمح لها بالتنقل فاختارت البقاء في منزلها وسط جيرانها ممن قد يصل عددهم إلى ٥٠٠ مسلم.

وربما من إحدى الإثباتات على الوجود المسيحي القديم في قرية نصف جبيل وجود كنيسة أرثوذكسية في الجزء الشرقي من القرية، تحمل اسم القديس مار جريس وبنيت في عام ١٨٨٠، وقامت البطريركية الأرثوذكسية بترميمها حديثاً، وفي شهر نوڤمبر من عام ٢٠١٤ تم افتتاح الكنيسة المرممة بحضور غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث (انظر الصورة ٥،٦،٧)، والسيد باسم وزوجته منى حشمة، اللذين قاما بتمويل مشروع الترميم بجانب البطريركية المقدسية.

كان لكنيسة مار جريس كاهنها الخاص المسؤول عن أمور الرعية حتى عام ١٩٦٣، عندما رقد في الرب الأب نقولا خوري. بعدها أصبح تقليداً بأن الكاهن الذي يتولى أمور الرعية الأرثوذكسية في مدينة نابلس، بأن يتولى أيضاً الاهتمام برعية نصف جبيل وأن يقيم القداس الإلهي الأسبوعي في كنيسة القرية.

ngg_shortcode_0_placeholder