1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد هامتي الرسل بطرس وبولس في مدينة كفرناحوم 12-7-2017

لقد وفد بازغاً على كنيسة المسيح عيد الرسولَيْن الموقَّر يسبب الخلاص. فلنتهلّل مُبتهجين ابتهاجاً روحياً. ولنهتف نحوهما قائلين: السلام عليكما يا كوكَبيْن نيّرين للذين في الظلام. وشعاعَيْ شمس البرّ. السلام عليكما يا بطرس وبولس يا قاعدتَي العقائد الإلهية الراسخَتَيْن. فيا صديقَي المسيح الإناءيْن الكريمَيْن. احضرا بيننا حضوراً غير منظورٍ. وامنحا المواهب غير الهيولية للذين يمتدحون عيدكما بالأناشيد. هذا ما يقوله مرنم الكنيسة.

أيها الإخوة المحبوبون بالمسيح،

أيها الزوار المسيحيون الأتقياء،

إنّ الذكرى السنوية لعيد هامتي الرسل الموقّرين بطرس وبولس قد جمعتنا اليوم في هذا المكان المقدس في مدينة كفرناحوم هذه المدينة التي ورد ذِكرُها في الإنجيل المقدس، لكي نرفع المجدَ والشكر لإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح المحب البشر على إحساناتهِ التي أغدقها على جنس البشر من خلال الكوكبَيْن العظيمين اللذين أنارا المسكونة كلها بأقوال إنجيل المحبة والسلام.

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم:” من هو الأعظم من بطرس؟ وهل يمكن أن يوجد من هو مساوٍ لبولس؟ لقد انتصرا بأعمالهما وبتعاليمهما على الخليقة كلها المنظورة وغير المنظورة. وعلى الرغم من أنهما كانا يمتلكان أجساداً بشريّة أرضيّة إلا أنهما تجاوزا طبيعة الملائكة. ماذا نقول عن معلمين الخليقة العلوية والسفلية؟ إني لا أجدُ أقوالاً ملائمة لكي أمتدح من مجّدَ جنس البشر!!، لقد جاب هؤلاء الأرض كلها وركبا جميع بحار العالم، لكي يقتلعا أسباب الخطيئة من الناس الأشقياء ويزرعان في قلوبهم بذرة الإيمان الحسن”

حقاً أيها الأخوة “إني لا أجدُ أقوالاً ملائمة لكي امتدح من مجّدَ جنس البشر”.

وهذا لأن بطرس الهامة قد اعترف بأن المسيح هو ابن الله الحيّ:” فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ. (متى 16: 16)

وأما بولس الهامة فقد اختطف إلى الفردوس وسمع أقوالاً لا توصف، ورأى ما لم تراه عين ولا يستطيع أن يقولها لجنس البشر أَنَّهُ اخْتُطِفَ إِلَى الْفِرْدَوْسِ، وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا، وَلاَ يَسُوغُ لإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا. (2كور 12: 4)

لقد قال ربنا يسوع المسيح لبطرس: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ». (متى 16: 17-19) وأما عن بولس فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اذْهَبْ! لأَنَّ هذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي». (أعمال 9: 15-16)

وبكلامٍ آخر إنّ هذين الرسولين الإلهيين قد استبانوا حقاً أعمدةً للكنيسة وكواكبَ أنارت المسكونةَ قاطبةً من خلال تعاليمهم الشريفة كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: “آنية الروح، مفسري الثالوث القدوس، اللذان كرزا بالكلمة الإلهية للمسكونة”

حقا إن هذين الرسولين الإلهيَيْن “هما اللذان أوصلا الكلمة الإلهية للمسكونة” أي هما المعلمَيْن والمرشدَيْن لأنّهما قد بينا لنا، مَا هُوَ الْعَرْضُ وَالطُّولُ وَالْعُمْقُ وَالْعُلْوُ، لتنازل المسيح ورحمته (أفسس 3: 18) عدا عن ذلك فإن هذين القديسين يُعرفا بأنهما مهندسي الروح لنظام ودستور الكنيسة على الأرض، أي هما اللذان صاغا وشكّلا في الروح القدس نظام وقانون إدارة رئاسة الكهنوت في الكنيسة. فلنصغِ لما قالهُ القديس بولس الإلهيّ”: وَهُوَ أَعْطَى (أي الرب) الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ، (أفسس 4: 11-12) وفي موضعٍ آخر قالَ:” وَلكِنْ نَحْنُ لاَ نَفْتَخِرُ إِلَى مَا لاَ يُقَاسُ، بَلْ حَسَبَ قِيَاسِ الْقَانُونِ الَّذِي قَسَمَهُ لَنَا اللهُ، (2كور 10: 13) أي لا نفتخر نحن لأتعاب آخرين خارج حدود خدمتنا ولكن نحن نفتخر لمن هم حقاً في داخل حدود خدمتنا التي قسّمها الله لنا كقياس لمحيط خدمتنا وعملنا. فلنسمع ما يتفوه به القديس بطرس قائلاً:

أَطْلُبُ إِلَى الشُّيُوخِ الَّذِينَ بَيْنَكُمْ، أَنَا الشَّيْخَ رَفِيقَهُمْ، وَالشَّاهِدَ لآلاَمِ الْمَسِيحِ، وَشَرِيكَ الْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُعْلَنَ، ارْعَوْا رَعِيَّةَ اللهِ الَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّارًا، لاَ عَنِ اضْطِرَارٍ بَلْ بِالاخْتِيَارِ، وَلاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ بِنَشَاطٍ، وَلاَ كَمَنْ يَسُودُ عَلَى الأَنْصِبَةِ، بَلْ صَائِرِينَ أَمْثِلَةً لِلرَّعِيَّةِ. (1بط 5: 1-3)

إن هامتي الرسل بطرس وبولس يحظيان بالتكريم بشكل خاص من كنيسة المسيح المقدسة ليس لقُوَّتِهما الخارقة أو لعمل الروح القدس فيهما بشكل متميز ومختلف عن باقي الرسل والإنجيليين الآخرين بل بالأحرى يتميزان بتنويع مواهب الروح القدس، كما يكرز الحكيم بولس وبطرس الإلهي. فبحسب بولس الرسول:” أَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ الرُّوحَ وَاحِدٌ. وَأَنْوَاعُ خِدَمٍ مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ الرَّبَّ وَاحِدٌ. وَأَنْوَاعُ أَعْمَال مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ اللهَ وَاحِدٌ، الَّذِي يَعْمَلُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ. وَلكِنَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يُعْطَى إِظْهَارُ الرُّوحِ لِلْمَنْفَعَةِ. (1كور 12: 4-7)

وأما بحسب القديس بطرس لِيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ مَا أَخَذَ مَوْهِبَةً، يَخْدِمُ بِهَا بَعْضُكُمْ بَعْضًا، كَوُكَلاَءَ صَالِحِينَ عَلَى نِعْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ. (1بطرس 4: 10). إننا مدعوون أيها الإخوة الأحبة بحسب بشارة وشهادة ربنا يسوع المسيح أن نشابه ونتمثل بالغيرة المقدسة والمحبة الفائقة

للمسيح لهذين الرجلين العظيمين في الإيمان المسيحي بطرس: الذي هو صَخْرَةِ الإيمان (متى 16: 18) وأما بولس فهو إِنَاءٌ مُخْتَارٌ (أعمال 9: 15-16)

هذه المحبة والغيرة الذي يؤكد عليها بولس الرسول قائلاً:” مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي. (غلاطية 2: 20) ومع المرتل نهتف بشفاعة والدة الإله سيدتنا الدائمة البتولية مريم نقول: السلام عليكما يا بطرس وبولس يا قاعدتَي العقائد الإلهية الراسخَتَيْن. فيا صديقَي المسيح الإناءيْن الكريمَيْن. احضرا بيننا حضوراً غير منظورٍ. وامنحا المواهب غير الهيولية للذين يمتدحون عيدكما بالأناشيد.

آمين